خصت أنيك كوجان، كبيرة المراسلين في صحيفة لوموند، quot;إيلافquot; بحديث عن كتابها القنبلة quot;فرائس في حريم القذافيquot;، شرحت فيه العوامل التي دفعتها لكتابته وتعاطفها الكبير مع الضحايا. كما عبرت عن تمنياتها بأن يأخذ أصحاب القرار في ليبيا الجديدةفي الاعتبار المعلومات الواردة فيه، لمواجهة الماضي القريب في إطار مصالحة كبرى معه.


باريس: كشف كتاب أنيك كوجان quot;فرائس في حريم القذافيquot; وجهًا أكثر بشاعة في ممارسات القذافي الإجرامية، باغتصابه واحتجازه لسنوات فتيات في ريعان الشباب، كان من سوء طالعهن أن وقع اختيار القذافي شخصيًا أو حرسه عليهن لأجل إشباع رغباته الجنسية المريضة.

تضمن هذا الكتاب، الذي وصفه العديد من المتتبعين quot;بالقنبلةquot;، شهادات لنساء ليبيات مررن بجحيم القذافي للاستغلال الجنسي البشع والوحشي في غرف نومه المغلقة. يروي الكتاب أن القذافي كان يبعث بإشارات إلى حارساته ليأتينه بالفتاة التي وقع عليها اختياره، من دون أن يمكن لعائلتها أن تنبس ببنت شفة. فمصيرهما، الفتاة وأسرتها، سيكون كارثيًا لو أبدت الأسرة أو الضحية احتجاجًا. وكان يلتقط القذافي ضحاياه من المدارس والكليات وأماكن التجمعات، وكانت الحارسات يتكلفن بالبقية.

ولم يكن القذافي يجبرهن على قبول استعباده الجنسي لهن، بالاغتصاب والاستغلال، فحسب بل كن يضطررن إلى النزول عند رغبته وتناول الكحول وتعاطي أصنافًا مختلفة من المخدرات حتى إدمانها.

الكتاب لسان الضحايا

اختارت الصحافية الفرنسية أنيك كوجان إنجاز كتابها هذا انطلاقًا من قناعة ذاتية أكثر من أي دواعٍ أخرى، سواء مهنية لكونها صحافية في جريدة لوموند الفرنسية العالمية المعروفة، أو غير ذلك.

في حوار مع quot;إيلافquot;، تفسر كبيرة مراسلي لوموند ذلك بقولها: quot;إنني صحافية في جريدة يومية وهذا يناسبني جدًا، لكن كان من واجبي فعل ذلك، فأنا التقيت امرأة شابة حكت لي ما حدث لها، ووجدت من الأهمية بمكان إعطاء الكلمة لبقية النساء اللواتي تعرضن لنفس المعاناة، ولم يكن بإمكانهن الحديث عنهاquot;.

وتؤكد كوجان: quot;لم تكن لي أية مصلحة في الحكاية، والكتاب كتبته من أجل هؤلاء النساء وهؤلاء الضحايا. أردت كتابته حتى يعرف الليبيون تاريخهم، كما أنه مهم بالنسبة للتاريخ لمعرفة الوجه الآخر للقذافيquot;.
وتبشر كوجان القارئ العربي عامة والليبي خاصة بأن الكتاب سيترجم قريبًا إلى اللغة العربية وينشر مجانًا على الأنترنت.

المرأة الليبية... الثائرة والضحية

انتقلت كوجان إلى ليبيا في أول الأمر للتحقيق في دور المرأة في الثورة، والتي كان يبدو للمتتبعين أنها كانت غائبة خلالها، إلا أنها تقول: quot;اكتشفت بشيء من الإعجاب أن هذه المرأة كان لها دور كبير في الثورة في بلد كنت أعرف عنه القليلquot;.

وتوصلت كوجان إلى أن هذه المرأة quot;ساهمت على طريقتها في الثورة بإخفاء الأسلحة، ونقل المعلومة، وعلاج المصابين، واكتشفت كذلك أنها كانت تعاقب بالاغتصاب عندما كانت تقع بين يدي قوات القذافي، إذ كان هذا الفعل الإجرامي يستعمل كسلاح حرب، إلا أنه ظل الحديث عنه محرمًاquot;.

و في السياق نفسه، تزيد كوجان قائلة: quot;بينما كنت أحقق في عمليات الاغتصاب التي ذهب ضحيتها العديد من النساء، تبين لي أن الآلاف من النساء كن ضحاياه، إلى أن التقيت فتاة تحدثت لي كيف اغتصبها القذافي شخصيًا، ثم التقيت نساء أخريات تعرضن للشيء نفسه، وفي بعض الأحيان لعدة سنوات، من دون أن يتمكن من الحديث عن ذلكquot;.

وتتابع: quot;هذا ما شدني شخصيًا للكتابة في الموضوع والتحقيق فيه وجمع أكبر قدر ممكن من الحجج، فإن كانت ممارسات القذافي معروفة بهذا الخصوص، لم يعتقد أحد أنها وصلت إلى هذا المستوى من البربرية، حتى من طرف الجسم الدبلوماسي الغربي. وبدا لي مهمًا إسماع الصوت الخافت الذي تصدره نساء لا يمكن لهن أن يعبرن عن معاناتهن خارج أسرهن بقوةquot;.

في البداية، كان من الصعب على كوجان أن تقنع الضحايا بالحديث إليها في هذا الموضوع، والبوح لها بما جرى لهن بالضبط. فهن، تقول كوجان، quot;لم يكن يرغبن في الحديث عن مآسيهن، بل يردن أن ينسين ما حصل لهن، فما زلن تحت وقع صدمة ما تعرضن لهquot;. فقد كان صعبًا عليهن أن يعشن حياة عادية بعد أن أخذت منهن عذريتهن وشبابهن، quot;كما لم يكن سهلًا إقناعهن بالحديث في الموضوع مقابل تعهدي لهن بسرد حكاياتهن بأسماء مجهولةquot;.

أثارت كوجان في كتابها تعرض القذافي لبعض وزرائه بالاغتصاب، لكنها لم تتمكن من جمع شهادات على لسان هؤلاء، إذ quot;لم يكن ممكنًا أن أتواصل مع ضحايا رجالquot;. واعتبرت هذا الأمر quot;مستحيلًا، ولا يوجد في الوقت الحالي رجل واحد يمكن له أن يبوح بذلكquot;، آملة أن quot;يقدم من كان محيطًا بالقذافي شهادات بهذا الخصوص في المستقبل، فهناك مقربون منه يعرفون ما كان يحدثquot;.

مواجهة الماضي

تتمنى الصحافية الفرنسية أن يكون للضحايا مستقبل في ليبيا ما بعد القذافي، معبرة عن تطلعها إلى أن quot;تعرف ليبيا اليوم كيف تواجه الحقيقة والجرائم التي ارتكبت خلال مرحلة القذافي بما فيها جرائم الاغتصاب المخجلةquot;.

وتعتقد كوجان quot;أن على جميع الشعوب التي عاشت مرحلة ديكتاتوريات أن تواجه ماضيها السري، فهو سم لا ينبغي أن تتجرعه الأجيال القادمة، بل يجب فتح نقاش في البرلمان والحكومة الليبيتين وفي المجتمع المحلي بهذا الشأن، لتتمكن البلاد من خلق عدالة حقيقية لم تكن موجودة زمن القذافيquot;.

أوضحت كوجان أن quot;عملها كصحافية ينتهي هنا، وعلى القضاء الليبي أن يقوم بالبقية، وللحكومة الليبية مهمتها في المجال بإطلاق نقاش على مستوى الحكومة والمجتمع لمعرفة ما حصلquot;، وذلك في إطار عملية مصالحة لجميع الليبيين مع ماضيهم، واصفة هذا الأمر quot;بالتحديquot; الذي ينتظر النظام الليبي الجديد.

وإن كانت هذه المصالحة تنتهي كما في العديد من البلدان التي انتقلت من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، بعد جبر ضرر الضحايا برعايتهم صحيًا وتعويضهم ماديًا، تشدد كوجان قبل ذلك على ضرورة quot;اعتراف الدولة بأن النساء هؤلاء كن ضحايا مرحلة القذافي، ثم الانتقال بعد ذلك لتعويضهنquot;.

لا أستبعد شيئًا

في تعليقها على الكتاب، قالت الناشطة الليبية صالحة الشتوي لـ quot;إيلافquot;: quot;لا أستبعد شيئًا، ففي عهد القذافي كان كل شيء جائزًا وكان حتى أعوانه ينتهجون نفس النهج وكانت نظرتهم للمرأة نظرة دونيةquot;.

وتنفي الشتوي أن تكون غالبية النساء الليبيات على علم بما كان يصنع القذافي بفرائسه، على حد وصف الصحافية الفرنسية في كتابها، ولربما يرجع ذلك إلى خوف الفتيات التي تعرضن للاغتصاب والاحتجاز من طرفه وخوف عائلاتهن أيضًا.

وتحمل هذه الناشطة الليبية، التي كانت تقود جمعية في فرنسا لحشد الدعم الدولي لدعم الثوار في حربهم ضد القذافي، رؤية متفائلة لمستقبل المرأة في بلدها، إذ تؤكد أن هذه المرأة quot;تأمل دائمًا خيرًا وهي تشكل ثلاث أرباع المجتمع، كما أنها ناجحة فى جميع المهام التي تشغلها كما أثبتت ذلك أمام العالم في الثورة التي أطاحت بالقذافيquot;.