في واحدة من محاولته العديدة لقمع الثورة، يلجأ النظام السوري إلى أسلوب جديد يعرقل فيه حركة الثوار لاحتواء تحركاتهم التي تتوسع رقعتها بوتيرة سريعة، وذلك من خلال انتهاج خدع وأساليب غشّ في ميدان المعركة.


لميس فرحات: يعمد النظام السوري إلى إضافة مواد إلى الذخيرة التي يستخدمها المقاتلون، بحيث تنفجر داخل الأسلحة بهدف إصابة وقتل الثوار، إضافة إلى تدمير الأسلحة التي يكافح الثوار للحصول عليها بشتى الطرق.

هذا التوجّه، الذي يقول عنه الثوار إنه بدأ في أوائل العام الحالي في سوريا، يعتبر نهج النظام الجديد في مقاومة المعارضة، إذ وجد الجيش النظامي السوري نفسه في مواجهة تحديات تمتد على طول البلاد وعرضها.

يسيطر النظام على المجال الجوي السوري، وتقوم مدفعيته بدكّ الكثير من معاقل الثوار. مع ذلك لا يزال الثوار يستخدمون الأسلحة الخفيفة في مواجهة الآلة العسكرية، التي بدورها تخدع المقاتلين بالذخيرة الفاسدة المزيفة، كوسيلة ماكرة لتقويض ثقة الثوار في ما يحصلون عليه من ذخيرة، وأيضاً لتقليص عدد المقاتلين في صفوفهم.

يقول الثوار إن هذا الأسلوب الجديد الذي يعتمد على المكر والخداع يتسبب في خسائر كبيرة في صفوف الثوار، وفي العتاد أيضاً. تنتشر هذه الطريقة بالأساس في ذخيرة البنادق العادية والبنادق الآلية، لكن يمكن أن تستخدم أيضاً في القذائف الصاروخية، وربما قذائف الهاون، بحسب ما يقوله بعض قادة الثوار في سوريا.

تثير هذه الطريقة جدلاً كبيراً نظراً إلى عدم شرعيتها في المعارك، لا سيما وأن المصدر الأساسي لهذا النوع من الذخيرة هو النظام السوري، الذي يقوم بخلط الحشوات المتفجرة بحشوات عادية، ويبيعها للثوار في السوق السوداء.

تشير بعض التقارير إلى أن بعض الذخيرة الفاسدة المتفجرة قد دخلت سوريا عن طريق العراق، التي ورّدت إليها وزارة الدفاع والاستخبارات المركزية الأميركية سراً ذخيرة فاسدة مزيفة، لتصل إلى أيدي الجماعات المتمردة على حد قول مسؤولين ومحاربين أميركيين قدامى. كما وضعت الولايات المتحدة برنامجاً مشابهاً في أفغانستان كمحاولة لتقويض حركة طالبان.

يشار إلى أن تصنيع المعدات العسكرية الفاسدة وتوزيعها سراً، قد اعتمد منذ وقت طويل. واتبع كل من الجيش البريطاني والألماني هذه الطريقة في الحرب العالمية الثانية، وطوّرت الولايات المتحدة ذخيرة متفجرة تستخدم كحشو للبندقية الكلاشينكوف في الستينيات وسرّبتها إلى الجنود الفيتناميين في جنوب وشمال فيتنام.

وتشير إحدى الوثائق السرية الاستخباراتية العسكرية الأميركية، التي نشرتها صحيفة quot;نيويورك تايمزquot;، إلى أن الاتحاد السوفياتي كان يتبنى برنامجاً مشابهًا في أفغانستان خلال فترة الثمانينات. وتعمل الحكومات جاهدة من أجل الإبقاء على سرية برامج التلاعب بالأسلحة، التي قد تكون غير شرعية، وكثيراً ما تزوّد القوات المعادية بذخيرة سليمة، إنما مزوّدة بذخيرة مزيفة.

يتحدث الأفراد السابقون في الجيش الأميركي والعمليات الخاصة الذين شاركوا في توزيع هذه الذخيرة في أفغانستان والعراق عن مجموعة متنوعة من الخطوات التي يتم اتخاذها لاحتواء وصول أخطر أشكال هذه الذخيرة الفاسدة المزيفة إلى المدنيين. وقالوا إنه في برامج وزارة الدفاع الأميركية، يتم تعبئة بعض الحشوات بكمية صغيرة نسبياً من المتفجرات القوية، التي تكفي لإفساد سلاح ناري بشكل دائم.

وتستخدم مثل هذه الحشوات في أسلحة من المحتمل أن تصل إلى أطراف غير مستهدفة، ويحدث ذلك على سبيل المثال عندما يتم إسقاط صندوق ذخيرة يحتوي على حشوات مزيفة من شاحنة نقل، ليبدو الأمر وكأنه قد فُقد.

هناك حشوات أخرى تحتوي على مواد متفجرة مميتة، وتستخدم عندما يكون من المتوقع أن تظل الذخيرة في حدود ضيقة، مثلما يحدث عند وضع الحشوات المتفجرة داخل خزائن أسلحة عناصر مقاتلة من صفوف الأعداء بعد مقتلهم، ليظن من يأخذها أنها ملكه، فيأخذها ليستخدمها في ما بعد.

رفضت وزارة الدفاع الأميركية التعليق على برامجها الخاصة بالذخيرة المزيفة في أفغانستان والعراق. وذكر المقدم جيمس غريغوري، المتحدث باسم وزارة الدفاع أنه من غير الممكن تقديم أية معلومات تتعلق بهذا الأمر. ولم يفصح المسؤولون والقادة السابقون، الذين تحدثوا عن الأمر، عن أسمائهم نظراً إلى سرية المسألة.

لم يعرف بعد ما إذا كان النظام السوري قد وزّع هذه الحشوات المتفجرة أم لا، لكن المحللون والمقاتلون يتفقون على أن هذه البرامج تقلّ فاعليتها بمرور الوقت، نظراً إلى الخبرة التي تكتسبها القوات المتمردة، الأمر الذي يحول دون خداعهم.

وقال قادة الثوار إن ضباط الجيش السوري الحر، الذين انشقوا عن الجيش النظامي، والمخبرين داخل النظام أخبروا الثوار بأن الجيش السوري كان يصنع حشوات سلاح مغشوشة، وأنه بدأ بتوزيعها بين صفوفهم منذ تسعة أشهر.

وقال المقاتلون أيضًا إنه تم إمطار الأسواق السوداء بقذائف صاروخية فاسدة، تم إفراغ محتواها من المادة الفعالة، ووضع بدلاً منها مادة خاملة أو أخرى تنفجر عند استخدامها. وأدت بعض الحشوات الموجودة داخل قذائف الهاون إلى مقتل فرق بشكل عنيف عندما تم وضعها في أنبوب أو ماسورة، وهو شكل آخر من أشكال الحشوات الفاسدة المزيفة.