تمر هيئة الاذاعة البريطانية في أخطر أزمة لها بعد تقريرها الذي حاولت من خلاله التخفيف من أثار فضيحة هزت المؤسسة بسبب التحرشات الجنسية التي ارتكبها مقدم البرامج جيمي سافيل المتهم بالاعتداء على نحو 200 فتاة.


قدمت هيئة الاذاعة البريطانية quot;بي بي سيquot; تقريرًا نقديًا عما قال مصدر من الداخل أنها أخطر أزمة منذ نصف قرن تتعرض لها الهيئة التي مر وقت كانت هذه المؤسسة تعتبر فيه رمزًا للاستقامة الأخلاقية. وكان التقرير محاولة لتهدئة الضجة التي أثارها تعامل البي بي سي مع فضيحة الاعتداءات الجنسية التي هزت المؤسسة وربما التستر عليها.

وتبدت أجواء الأزمة التي تسود بريطانيا برمتها في مشهد غير معهود حين بثت البي بي سي برنامجًا يضع موضع تساؤل النزاهة الصحفية لبرنامج آخر على المحطة نفسها فيما راح إعلاميون ومسؤولون تربويون وسياسيون يتساءلون عما إذا فعل القائمون على مؤسسة البي بي سي ما يكفي لوقف عقود من التحرشات الجنسية التي ارتكبها مقدم البرامج جيمي سافيل المتهم بالاعتداء على نحو 200 فتاة رغم ان تصرفاته كانت تتناقلها الألسن على نطاق واسع داخل المؤسسة.

شكوك

وتحدث أشخاص عملوا مع سافيل على برنامج quot;بانوراماquot; الاستقصائي عن شكوكهم بسلوك سافيل وحتى تباهيه بما كان يفعله وسكوتهم على تصرفاته بدلا من فضحه.

وقال الصحافي السابق بوب لانغلي الذي كان يغطي برنامجًا خيريًا يشارك فيه سافيل إنه شاهد فتيات في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة وربما الرابعة عشرة من العمر quot;يغادرن مقطورة سافيل المتنقلة في موقع تصوير البرنامجquot;. واضاف لانغلي ان سافيل بعد مغادرة الفتيات كان يشير له بغمزة أو وكزة يد إلى أنه quot;مارس الجنس معهنquot;.

وتابع لانغلي قائلا quot;ولنفترض اني ابلغتُ الشرطة او البي بي سي، ما الذي كان سيحدث؟ الجواب لا شيء كان سيحدث. سيقول سافيل ان الأمر كله مزحة وquot;ماذا دهاكم ألا تتحملون المزاحquot;. وهنا كان سينتهي الأمرquot;.

وقال المذيع الموسيقي السابق بول كامباتشيني لبرنامج بانورما quot;ان هذا الرعب بكل ما تعنيه كلمة رعب، كان يحدث على مرأى من الجميع ولكن لأنه كان يفوق معتقدات أي شخص فانهم في الحقيقة لم يقروا بهquot;.

واعادت هذه الأحداث التذكير بأزمة سابقة هزت البي بي سي بعد غزو العراق عام 2003 عندما اتهم احد صحافيي المحطة حكومة توني بلير بتضخيم المعلومات الاستخباراتية عن الخطر الذي تشكله اسلحة صدام حسين. وكلفت تلك الأزمة مؤسسة البي بي سي رأس مديرها العام ورئيس مجلس ادارتها اللذين استقالا في اوائل عام 2004. ولكن فضيحة الاعتداءات الجنسية أخطر بكثير بنظر البعض.

وقال مراسل البي بي سي المخضرم في تغطية الأحداث الدولية جون سمبسون لبرنامج بانوراما الذي استمر ساعة في تشريح الفضيحة quot;ان هذه اسوأ أزمة اتذكرها في نحو 50 عاما من عملي مع البي بي سيquot;. واضاف سمبسون quot;ان كل رصيدنا كمؤسسة هو ثقة الناس، الناس الذين يشاهدوننا ويستمعون الينا وإذا فرطنا بذلك، إذا بدأنا نفقد ذلك فان هذا شديد الخطورة برأيي على البي بي سيquot;.

كاميرون يطلب إجابات

ودعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون البي بي سي الى تقديم اجابات عن الأسئلة الخطيرة التي أُثيرت عن طريقتها في التعامل مع الفضيحة بعد اعلانها تنحي بيتر ريبون محرر برنامج quot;نيوزنايتquot; الاخباري الرئيسي لأنه قدم تقريرا quot;غير دقيق أو ناقصاquot; عن سبب إيقافه التحقيق التلفزيوني في ممارسات سافيل الذي توفي عن 84 عاما العام الماضي.

وكان الهدف السياسي لبرنامج بانوراما يتعلق بقرار إلغاء التحقيق التلفزيوني الذي بدأه برنامج quot;نيوزنايتquot;. ولكن جوانب مهمة من برنامج بانوراما سلطت الضوء ايضا على تداخل نمط حياة سافيل بوصفه شخصية تلفزيونية متألقة مع استغلاله هذه النجومية لاستدراج فتيات معجبات وإغوائهن.

وأظهرت أشرطة تلفزيونية مسجلة منذ عقود سيارة سافيل المكشوفة من طراز رولز رويس وفيها فتيات احدى المدارس كان يأخذهن في جولة ريفية. واظهر فيلم من الأرشيف سافيل يركض أو على دراجة هوائية لترويج اعمال خيرية ثم مقطورة يُقال انه كان يعتدي فيها جنسيا على ضحاياه. وأظهرت افلام اخرى سافيل يداعب فتيات من جمهور برنامجه على المسرح.

وفي حين ان غالبية المغرر بهم فتيات بالأساس فان صبيا لم تُكشف هويته قال في برنامج بانورما ان سافيل اعتدى عليه جنسيا مقابل مكافأة كانت عبارة عن شارة تُعلق على الصدر من أحد برامج سافيل.

فارس حتى الفضيحة

وكان سافيل المعروف بسيجاره وشعره الأشقر نال لقب فارس من الملكة اليزابيث واعتبره البعض ثروة وطنية الى ان انفجرت الفضيحة هذا الشهر بفيلم وثائقي على قناة آي تي في المنافسة للبي بي سي.

ويُتهم سافيل بالاعتداء الجنسي على مراهقات في مستشفيات ودور رعاية اطفال وفي مبنى البي بي سي، وهي مؤسسة عامة تُمول من دافعي الضرائب البريطانيين. وقالت الشرطة ان اكثر من 200 ضحية تقدمن للابلاغ عما فعله سافيل معهن، وهو رقم يزيد ثلاثة اضعاف على عدد الحالات التي كان مشتبها بها.

وقالت ادارة البي بي سي في بيان الاثنين ان تفسير الصحافي ريبون القائل ان ايقاف التحقيق التلفزيوني في ممارسات سافيل على برنامج quot;نيوزنايتquot; الاخباري كان مسألة اجتهاد صحفي محض، تفسير quot;غير دقيق أو ناقص من بعض النواحيquot;. واضاف البيان ان ريبون سيتنحى فيما سيتولى نك بولارد رئيس قناة سكاي نيوز السابق اجراء تحقيق في القضية.

وتدور الفضيحة في جانب كبير منها حول ما جرى في مدرسة خاصة بالمراهقات المضطربات عاطفيا. ونقل برنامج بانورما عن صحافيين في برنامج نيوزنايت الاخباري انهم عملوا في التحقيق التلفزيوني بشأن تصرفات سافيل طيلة شهر وكانوا قريبين من تحديد موعد لبث التحقيق عندما اخبرهم المحرر بأن يتوقفوا. وان المحرر ريبون كان يتجاوب بحماسة مع عملهم قبل ايام لا أكثر على قراره وقف التحقيق التلفزيوني.

وصور هؤلاء الصحافيون فيلما مع شاهدة مهمة هي كارين وورد التي قالت ان سافيل اعتدى عليها جنسيا في المدرسة المذكورة. وفي تناول برنامج بانوراما قرار ايقاف التحقيق التلفزيوني نقل عن ليز ماكين، احدى الصحفيات العاملات في برنامج نيوزنايت قولها quot;انا مستاءة جدا من عدم بث التحقيق لأني شعرتُ بأننا تحدثنا مع اشخاص يستحقون أن يُسمع صوتهم بصورة جماعية، ولم يُسمع صوتهم، وشعرتُ بأن هذا تقصير. انتابني شعور عميق بأنني خذلتهمquot;.

واشارت ماكين الى موقف محرر البرنامج ريبون قائلة quot;كل ما استطيع قوله إن تغييرًا مفاجئا حدث في النبرة من القول يومًا quot;ممتاز، لنستعد لبث التحقيق على الهواءquot; الى القول quot;توقفوا!quot; في اليوم التاليquot;.وقال ميريون جونز منتج برنامج نيوزنايت الاخباري لبرنامج بانوراما الاستقصائي انه حذر ريبون في 7 كانون الأول (ديسمبر) 2011 من مغبة الغاء التحقيق التلفزيوني في تصرفات سافيل.

واعلن ميريون في مقتطف من برنامج بانوراما نُشر قبل بث البرنامج انه كان واثقا من ان القصة ستُعرف بطريقة أو أخرى وإذا حدث ذلك quot;ستُتهم البي بي سي بالتسترquot;. وأضاف أنه كتب رسالة الكترونية الى ريبون يقول فيها ان quot;التقرير قوي بما فيه الكفايةquot; وان الخطر في عدم بثه سيكون quot;الحاق ضرر بالغ بسمعة البي بي سيquot;.

صدمة في بريطانيا

وأُصيب كثير من البريطانيين بالذهول بعد ما كُشف عن سافيل من تصرفات هشمت الصورة الجماهيرية لشخصية تلفزيونية استدرجت طيلة عقود جمهورا من الشباب بدورها في تقديم برامج ذات شعبية واسعة على البي بي سي.

ولاحظ مراقبون ان الظروف المحيطة بقرار ريبون وقف العمل على تحقيق تلفزيوني يفضح سافيل كشفت البي بي سي الى انتقادات نواب في مجلس العموم قرروا عقد جلسة استماع الثلاثاء، وانتقادات من امناء البي بي سي نفسها.

قلق مجلس الأمناء

واعلن مجلس امناء البي بي سي انه يشعر بقلق بالغ بسبب الأخطاء التي وقع فيها وصف البي بي سي لما حدث بالارتباط مع تحقيق برنامج نيوزنايت. والغى برنامج نيوزنايت التحقيق في تصرفات سافيل فيما كانت اقسام اخرى من البي بي سي تبث ثلاث اشادات ببطل الفضيحة سافيل نفسه.

وكان المدير العام للبي بي سي وقت الغاء التحقيق التلفزيوني مارك تومسن الذي تولى لاحقا منصب رئيس شركة نيويورك تايمز ورئيسها التنفيذي. وبعثت متحدثة باسم البي بي سي برسالة الى البرلمان في وقت سابق من تشرين الأول (اكتوبر) قالت فيها ان تومسن أو سلفه جورج انتويسيل لم تكن لهما أي علاقة بقرار برنامج نيوزنايت الغاء تحقيقه في تصرفات سافيل.

وقال تومسن في 13 تشرين الأول (اكتوبر) إنه لم يُبلغ أو يُطلع على تحقيق برنامج نيوزنايت ولم يكن له أي دور في القرار بوقف التحقيق التلفزيوني وليس لديه سبب للشك في إعلان محرر البرنامج بيتر ريبون بأن قرار وقف التحقيق كان قراره وحده واتخذه لأسباب صحفية بحتة.