وافق النظام السوري والجيش السوري الحر وفصائل معارضة أخرى على وقف إطلاق النار خلال عطلة عيد الأضحى. ولكن حتى قبل أن يبدأ سريانه أعلنت جبهة النصرة أنها لن تلتزم به، وتوالت التقارير في أول أيام العيد والهدنة عن اشتباكات بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام في حلب ودمشق. كما انفجرت سيارة مفخخة في جنوب العاصمة، وأسفر انفجارها عن سقوط قتلى وجرحى. مع ذلك لم يعلن أي من أطراف النزاع رسميًا موت الهدنة حتى الآن، وتشير تقارير إلى قدر من انحسار الاشتباكات.


إعداد عبد الاله مجيد: هذه التطورات أثارت تساؤلات عن فرص نجاح الهدنة الموقتة وإمكانية تطورها الى وقف دائم لإطلاق النار بين الأطراف المتحاربة.

يعتبر وقف إطلاق النار بصورة موقتة في أي نزاع بمثابة استراحة المحارب من القتال اليومي. ولسكان مدن مدمّرة، مثل حلب، ستكون حتى بضعة ايام من الهدوء في مناسبة مهمة مثل العيد موضع ترحيب. فان وقف اطلاق النار حتى من دون التزام كامل به يمكن أن يعطي مهلة لالتقاط الأنفاس، إذ انخفض مستوى المواجهات بدرجة محسوسة.

الى جانب ذلك، يمكن لوقف اطلاق النار الموقت أو الهدوء النسبي عمومًا ان يغرس بذرة ثقة ويحقق زخمًا نحو نهاية دائمة للعمليات القتالية. وإذا كان الطرفان جادين بشأن التوصل الى اتفاق، فان توقف المواجهات موقتًا يمكن ان يفتح نافذة للتفاوض. ولكنها quot;إذاquot; كبيرة جدا.

وإذا كانت لم تزل هناك روح في وقف اطلاق النار بعدما حدث صباح الجمعة.. فما هي فرص التوصل الى هدنة أطول امدًا؟.

يقول خبراء ان الحروب تنتهي باتفاقات، يتوصل اليها الفرقاء عن طريق المفاوضات عندما تكون أثمان الاستمرار في القتال أبهظ من تكاليف الانتصار. وأثبتت حرب سوريا انها باهظة الكلفة على المعارضة والنظام، وفي المقام الأول، بطبيعة الحال، على الشعب السوري.

لكن المدنيين عادة ليسوا من يقرر مواصلة الحرب أو وقفها. فان نظام الرئيس بشار الأسد معزول دوليًا، ولم يتمكن من سحق التحدي الذي يهدد بقاءه. ومن المستبعد ان يستطيع جيشه إخماد الانتفاضة من دون اجراءات قصوى، قد لا يستسيغها حتى أوفى اصدقاء الأسد في العالم.

وتواجه المعارضة ايضًا معركة شاقة ومديدة قبل ان تلوح في الأفق بوادر انتصارها على النظام. وعلى الطرفين ان يعلما انه من دون اتفاق على نحو ما، فانهما يواجهان طريقًا وعرًا نحو انتصار غير مضمون في أحسن الأحوال، كما ترى مجلة فورين بولسي في تحليل لآفاق هدنة العيد.

في مثل هذا الوضع المؤلم للطرفين على السواء، تقول نظرية المساومة ان المفاوضات ينبغي ان تكون الصيغة المفضلة على استمرار العنف بلا حسم. ولكن التوصل الى اتفاق والالتزام به ليس بالمهمة السهلة. وحتى إذا كان الطرفان جادين بشأن التوصل الى اتفاق سلام عن طريق المفاوضات، وتوافرت فرص لحل مشكلة الالتزام الصادق به، فهل تكفي اربعة ايام من وقف اطلاق النار الموقت لدفع مثل هذه العملية الى الأمام؟.

يرى مراقبون ان انحسار شدة المواجهات عن مستواها الحالي والتزام الطرفين بوقف إطلاق النار يمكن ان يبني قدرًا من الثقة على الجانبين. ولكن إذا فشل وقف إطلاق النار فشلا كاملا، واستأنف الطرفان القتال بلا هوادة، فإن العكس هو ما سيحدث، وستتبدد كل بارقة ثقة.

تواجه خطة المبعوث الأممي والعربي الأخضر الابراهيمي لوقف اطلاق النار الموقت جملة عقبات. فان كل اتفاقات وقف اطلاق النار تكون هشة، ولكن وقف اطلاق النار الموقت يواجه مشكلة بنيوية، تجعله أكثر هشاشة من كل الأشكال الأخرى لوقف اطلاق النار.

ومع اقتراب المدة المحددة لهدنة العيد من نهايتها، يكون لدى هذا الطرف أو ذاك حافز للانتقال الى الهجوم قبل موعد انتهائها لتحقيق أفضلية على الطرف الآخر. ولكن الطرف الآخر يدرك ذلك، ولديه حافز مماثل للتحرك ضد اعدائه، الذين بدورهم يعرفون ذلك، وبالتالي يكون لديهم دافع للهجوم حتى في وقت أبكر، وهكذا دواليك. فلا غرو والحالة هذه ان يكون وقف اطلاق النار الموقت ملغوما بأسباب فشله.

ويمكن التخفيف من خطورة هذه المشكلة إذا علم كلا الطرفين ان الطرف الذي ينتهك وقف إطلاق النار سيكون معروفًا بلا لبس، شريطة ان يكون هناك ثمن يدفعه عن هذا الانتهاك. وفي هذه الحالة لعل النظام السوري يراهن على استغلال وقف اطلاق النار، وموافقته عليه، لنيل المزيد من الدعم الدولي، وبالتالي لا يريد ان يُتهم بكونه البادئ بانتهاك وقف اطلاق النار.

وبقدر ما تأمل المعارضة المسلحة في الحفاظ على تعاطف غالبية دول العالم معها، وتضع في حسابها تعذر التدخل الدولي، يكون لديها هي ايضًا حافز لأن لا تبدو البادئة في استئناف اعمال العنف أمام الرأي العام العالمي. وغني عن القول ان جماعات مثل جبهة النصرة أظهرت انها لا تقيم اعتبارًا لموقف الرأي العام العالمي.

ولكن وقف اطلاق النار كهذا يصنعه الفرقاء بأنفسهم من دون مراقبين يتابعون الالتزام به بعد انسحاب بعثة الأمم المتحدة في الصيف. ونتيجة لذلك سيكون من الصعب إذا تجدد القتال ان يحدد المجتمع الدولي من الخارج الطرف البادئ بخرق الهدنة. وبالتالي فان الدوافع العسكرية لتوجيه الضربة الأولى مقترنة مع امكانية الانكار بعد توجيهها، تقلل من احتمالات صمود الهدنة حتى نهاية العيد.

وإذا تجدد القتال بشدة قبل انتهاء عطلة العيد، فان فشل وقف اطلاق النار المؤقت قد يكون بالغ الضرر بنسفه ما نشأ من ثقة أوجدها اتفاق الطرفين عليه. ومن الجائز ان يعوق مثل هذا الفشل إجراء مفاوضات لاحقة. وكلما زادت المحاولات الفاشلة لتحقيق السلام زادت صعوبة العمل من اجل التوصل الى سلام عن طريق المفاوضات في المستقبل.

لكن إذا كانت الهشاشة متأصلة في وقف اطلاق النار عمومًا، فان هذا لا يعني ان صموده متعذر. وبعمليات حفظ السلام الدولية يمكن التخفيف من مشكلة الالتزام التي تجعل انهاء الحروب مهمة بالغة الصعوبة، ومشكلة الإنكار المحتمي بنقص المعلومات وفوضى الحرب.

وأفادت تقارير ان الأمم المتحدة تعدّ خططًا لتنفيذ عملية كهذه في حال التوصل الى اتفاق أشمل بين الفرقاء. والمعروف تاريخيا ان احتمالات صمود الهدنة تكون أكبر بكثير إذا نُشرت قوات لحفظ السلام منها إذا تُرك الالتزام بها للمتحاربين أنفسهم.

ولعمليات حفظ السلام صيت سيئ بما يعتريها من مواطن خلل. فهي تعاني نقصًا مزمنًا في التمويل والتجهيز، وعادة ما يكون وصولها متأخرًا، والتنسيق بين الوحدات المشاركة من جنسيات مختلفة إشكاليًا. ولكنها تبقى ذات فاعلية على نحو يثير الاستغراب إزاء هذه التعقيدات. والسبب ان المراقبين المحايدين يجعلون انتهاك شروط وقف اطلاق النار أبهظ ثمنًا بضخ معلومات الى المجتمع الدولي عن الطرف الذي ينفذ التزاماته والطرف الذي لا ينفذها. كما انهم يمدون السكان المحليين بالمعلومات نفسها. وبالتالي فانه بقدر ما يسعى الطرفان الى نيل شرعية دولية وداخلية، فان وجود المراقبين يجعل كلفة العودة الى الحرب أبهظ واحتمالات صمود الهدنة أكبر.

كما ان الموافقة على نشر قوة لحفظ السلام والتعاون معها يرسل اشارة ذات مصداقية من كل طرف الى الآخر بشأن نياته السلمية. وهذا بحد ذاته يمكن ان يُسهم في الحد من انعدام الثقة بين الأطراف المتحاربة. وبالطبع فان معرفة الطرفين بأن العالم يراقب ويكشف ما يفعله الطرف الآخر تجعل من الأسهل إزالة أي توجس لدى هذا الطرف أو ذاك من التورّط في اتفاق مغشوش، وبالتالي من خطر مباغتته بهجوم الطرف الاخر.

وغني عن القول ان عمليات حفظ السلام ليست حلاً سحريًا. فهي لا تضمن ان السلام سيكون وطيدًا، ولكنها تسهم بقسط كبير في زيادة مثل هذا الاحتمال. وتبين الخبرة التاريخية ان عمليات حفظ السلام تقلل خطر انهيار وقف اطلاق النار بنسبة 75 الى 85 في المئة، بحسب مجلة فورين بولسي.

ولكن نشر قوة لحفظ السلام في سوريا تراقب وقف اطلاق النار خلال عطلة العيد يبدو مستبعدًا، إذا صمد وقف اطلاق النار أصلاً خلال هذه الفترة القصيرة. فان فريق المراقبين الذي أُرسل في العام الماضي رحل منذ أشهر، فيما يعمل المجتمع الدولي أولاً على إيصال بعض المساعدات الانسانية الأساسية الى السوريين باغتنام فرصة الهدوء النسبي. ولكن نشر قوة لحفظ السلام يستغرق وقتا أطول بكثير من عطلة عيد أو نهاية اسبوع.

وقال نائب الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام ايرفي لادسوس ان المنظمة الدولية تخطط لعملية كهذه. وسيتطلب ارسال قوة لحفظ السلام موافقة مجلس الأمن الدولي، الذي استخدمت دول اعضاء فيه حق الفيتو ضد ثلاثة قرارات حول سوريا حتى الآن. ولكن المجلس سيوافق على الأرجح إذا جاءت عملية حفظ السلام في اطار اتفاق سلام وبموافقة طرفي النزاع.

وستبدي الحكومة السورية، مثلها مثل غالبية الحكومات، ممانعة إزاء السماح بنشر قوة لحفظ السلام، متعللة بما يشكله هذا من مساس بالسيادة الوطنية. ولكن هذا يسري على كل الحكومات، التي يقرر كثير منها في النهاية أن يبلع اقواله عن السيادة ويسلِّم بوجود قوة لحفظ السلام مقابل سلام دائم.

وسيكون الجيش السوري الحر، على ما يُفترض، اكثر تقبلاً لنشر قوة لحفظ السلام. وقد تكون فصائل أخرى أقل استعدادًا حسب قوام قوة حفظ السلام وتركيبها. ولكن دولاً عديدة قد تحجم عن المساهمة في هذه القوة بإرسال جنود الى سوريا، حتى في سياق اتفاق سلام. وسواء اضطلعت الأمم المتحدة أو حلف الأطلسي أو أية مجموعة من الدول ذات العلاقة بالعملية، فان هذا يتطلب اتفاقا عليه بين القوى الدولية. ولكن يكاد يكون من المؤكد ان الفشل سيكون مصير أي اتفاق سلام من دون عملية لحفظه، بحسب مجلة فورين بولسي.

قد يدفع وقف اطلاق النار خلال عطلة عيد الأضحى سوريا خطوة أقرب الى هدنة أطول أمدًا أو ينهار قبل ذلك. ولكن إذا تحققت مثل هذه الهدنة الأطول أمدًا وعندما تتحقق فان وجود قوة دولية لحفظ السلام سيكون ضروريًا لضمان السلام الوطيد في سوريا.