قبل أسابيع قليلة، أرادت هيلاري كلينتون أن تنهي مسيرتها السياسية وزيرةً للخارجية بتأييد شعبي بلغت نسبته 70 بالمئة، وبضجّة سياسية توحي بأنها عائدة في العام 2016 مرشحة للرئاسة الأميركية. لكن حادثة بنغازي أجّلت موعد تقاعدها.


لميس فرحات: أتى الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، الذي أدى إلى مقتل السفير كريستوفر ستيفنز، ليدفع كلينتون إلى أن تضع جانبًا خطتها الختامية، واصفة ما حصل بواحد من أصعب الأحداث الرهيبة التي صادفتها طوال فترة عملها كوزيرة للخارجية.

في تلك اللحظة، انتقلت السياسة الخارجية الأميركية إلى واجهة الانتخابات الرئاسية، لتطغى على المخاوف الاقتصادية التي تسود البلاد. وقالت كلينتون إنها ستترك منصبها بعد فترة، لكن من المرجّح أن المأساة التي هزّت أيامها الأخيرة ستجعلها أكثر استعدادًا للبقاء لفترة أطول بقليل.

حاول الكثيرون إقناع كلينتون بالعدول عن قرارها، لكنها رفضت، مستبعدة أن تكون الأحداث الحالية سببًا في تغيير رأيها أو إطالة أمد بقائها على رأس عملها، وإن تركت الباب مفتوحًا لهذا الاحتمال على المدى القصير.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، يساعد بقاء كلينتون في مكتبها على بثّ شعور بالاستقرار في نفس الرئيس الأميركي باراك أوباما أثناء إلقاء مرافعته الختامية، خصوصًا أن وزيرة الخارجية تملك شعبية هائلة في أوساط النساء الأميركيات، الأمر الذي سيعتبر عاملًا حاسمًا في يوم الانتخابات.

تتحمّل المسؤولية
خلال الهجوم الذي نفذه عدد من المسلحين الغاضبين على القنصلية الأميركية في بنغازي، اتصلت كلينتون بالرئيس الليبي محمد المقريف، طالبة منه المساعدة الفورية على العثور على السفير الاميركي، الذي كان في ذلك الحين في عداد المفقودين.

في وقت لاحق، عقدت وزيرة الخارجية الأميركية اجتماعًا خاصًا لمدة ساعة كاملة مع المقريف في الأمم المتحدة لحثه على نزع سلاح الميليشيات وتحويل المأساة إلى quot;لحظة إيجابية لدفع ليبيا إلى الأمامquot;.

في هذه الأثناء، واجهت كلينتون موجة من العنف المتصاعد في العالم الإسلامي، وعلاقة معقدة مع الصين، وتصلب رئيس وزراء إسرائيل، الذي لم يكن ممتنًا من الموقف الأميركي تجاه نية بلاده توجيه ضربة عسكرية إلى إيران ردًا على تهديدها النووي.

اكتسبت هذه القضايا وغيرها مكانة بارزة في الأيام الأخيرة من سباق الرئاسة الأميركية، كما أدت إلى تشكيل إرث كلينتون في وزارة الخارجية وتوسّع آفاق مستقبلها السياسي.

انشغال الرئيس أوباما بالمناظرات الانتخابية ترك كلينتون وحيدة في حمل عبء السياسة الخارجية. ففي أعقاب مقتل السفير كريستوفر ستيفنز، وضعت كلينتون بصمتها الخاصة على النقاش من خلال قبول اللوم الذي وُجّه إليها بالقول: quot;أتحمّل المسؤوليةquot;.

شابة ورئيسة
في ظل ارتفاع منسوب الاضطرابات في الأسابيع الأخيرة، تزايدت الانتقادات للسياسة الخارجية، ووضعت تحت مجهر النقاش الرئاسي، بعدما قال المرشح الجمهوري ميت رومني إنها quot;تنفّر الحلفاء، وخصوصًا إسرائيل، ما يزيد من مخاطر التورّط في مغامرة عسكرية مع أعداء يعتقدون أن الولايات المتحدة لن تدافع عن أصدقائهاquot;.

واتهم رومني أيضًا فريق أوباما بأنه quot;كان فاترًا في دعم قوى المعارضة في محاولة طرد الطغاة، خصوصًا في إيران وسورياquot;، ما أفسح المجال أمام المتطرفين الإسلاميين للدخول إلى السلطة من خلال فراغ خلفته انتفاضات الربيع العربي.

على الرغم من ملاحظاتهم، أعرب بعض الجمهوريين في الكونغرس عن إعجابهم بموقف كلينتون لناحية تحمّلها اللوم في حادثة بنغازي، وبجهودها الشخصية في التعاون مع المشرعين في الكابيتول هيل ومتابعة الحادث لكشف ملابساته.

وسواء فاز أوباما أو خسر، فهو ينظر إلى كلينتون كمنافس قوي في العام 2016. وليلة وصولها إلى بكين في الشهر الماضي، قال عضو مجلس الدولة الصيني داي بينغ قوه خلال حفل عشاء مخاطبًا كلينتون: quot;ستكونين شابة بعد عندما تتسلمين الرئاسةquot;. ضحكت كلينتون من دون أن تعلّق.

تأييد شعبي
في حديث آخر، قالت كلينتون إنها لن تترشح للانتخابات الرئاسية، لأنها تريد أن تنهي مسيرتها المهنية التي كانت حافلة باللحظات الصعبة والتوترات، وأن الوقت قد حان لتقويم ما تبقى من حياتها.

على الرغم من ذلك، ثمة افتراض واسع النطاق داخل الحزب بإمكانية إقناعها بالترشح لمنصب الرئاسة، لا سيما أن الديمقراطيين يعتمدون على تصريحات كلينتون، التي تقول دائمًا إنها مستعدة quot;لفعل أي شيء يخدم الولايات المتحدةquot;.

في خلال سنوات عملها في مجلس الشيوخ، ثم في وزارة الخارجية، شهدت كلينتون تحولًا في الرأي العام تجاهها، مقارنة بالنظرة العامة إليها خلال رئاسة زوجها. فقد حازت تأييدًا شعبيًا بلغ 70 بالمئة وفقًا لإحصاء أجري قبل الهجوم على بنغازي، مقارنة بسنوات عملها كسيدة أولى عندما بلغت النسبة 43 بالمئة بعد فشل محاولتها لإصلاح الرعاية الصحية.

توازن القوى
مارست كلينتون ضغوطًا كبيرة في مجال حقوق الإنسان، لا سيما في سوريا، التي تشهد حربًا أهلية دموية، حيث لقي أكثر من 30 ألف شخص حتفهم في المعارك الطاحنة التي تدور في البلاد. وتوجهت أخيرًا إلى هايتي مع زوجها لافتتاح منطقة صناعية، وخلال وجودها هناك، تذكرت كلينتون شهر العسل الذي قضته وزوجها في الجزيرة، قبل 37 عامًا.

ويقول أصدقاء الزوجين إن quot;توازن القوةquot; أصبح أكثر مساواة أثناء وجود كلينتون في وزارة الخارجية، وبما أن كليهما يكافحان لتطبيق جدول أعمال مزدحم، من الصعب أحيانًا أن يكونا في البلد نفسه، ناهيك عن المدينة نفسها. وخلال أحاديثهما الخاصة، غالبًا ما يدور الكلام حول مشاكل العالم والزعماء السياسيين ورغبتهما في أن تنجب ابنتهما تشيلسي طفلًا يجعلهما quot;الجدين كلينتونquot;.