قدمت الصين مبادرة سلام من أربع نقاط لحل الأزمة السورية، تتضمن فقرات مستعارة من مبادرات سابقة قدمتها الجامعة العربية والأمم المتحدة. لكن المفارقة هذه المرة تتمثل في أن الصين التي وقفت مع روسيا في رفض مبادرات سابقة هي صاحبة المبادرة الجديدة.
عبد الاله مجيد: نقلت وكالة أنباء شينخوا الصينية عن وزير الخارجية الصيني يانغ جيه تشي أن التسوية السياسية هي الحل الوحيد الممكن في سوريا. واستعرضت الوكالة نقاط المبادرة الأربع، وهي ضرورة قيام الأطراف المتنازعة ببذل كل جهد لوقف القتال وأعمال العنف والتعاون بنشاط مع جهود الوساطة التي يقوم بها المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي.
تدعو المبادرة الأطراف المتنازعة إلى تعيين محاورين مفوضين يتمكنون، بمساعدة الإبراهيمي والمجتمع الدولي، من صياغة خارطة طريق تفضي إلى الانتقال السياسي عبر المشاورات، وإقامة جهاز حكم انتقالي ذات قاعدة عريضة، وتنفيذ الانتقال السياسي من أجل إنهاء الأزمة السورية في أقرب وقت ممكن، مع الحفاظ على استمرارية مؤسسات الحكومة السورية وعملها.
كما تنصّ المبادرة على أن يتعاون المجتمع الدولي بسرعة ومسؤولية مع وساطة الإبراهيمي، وأن يدعم جهوده لإحراز تقدم حقيقي في تنفيذ بيان وزراء الخارجية، الذين شاركوا في اجتماع جنيف لمجموعة العمل الخاصة بسوريا، وخطة كوفي أنان ذات النقاط الست، وقررات مجلس الأمن الدولي ذات العلاقة.
وأكدت الصين على ضرورة اتخاذ الأطراف المعنية خطوات ملموسة لتخفيف الأزمة الإنسانية في سوريا، وتحرك المجتمع الدولي لزيادة المساعدات الإنسانية للشعب السوري، وضمان إعادة توطين ملائمة للمهجرين داخل سوريا. كما شددت الصين على عدم تسييس أو عسكرة القضايا والمساعدات الإنسانية.
أفكار صينية قليلة
أثارت المبادرة تساؤلات عمّا إذا كانت تمثل فعلًا نقطة انعطاف في مسيرة إنهاء الحرب الأهلية المستعرة منذ 18 شهرًا، أم إنها اعتراف بأن بكين تعبت من رفض حليفها السوري وقف حملته العسكرية القاسية على المعارضة المسلحة، وما يسببه ذلك من مقتل عشرات آلاف المدنيين حتى الآن، أم هي مجرد تصريحات لتأكيد موقعها الفاعل في حلّ الأزمة السورية أمام الإبراهيمي الذي زارها أول الأسبوع المنصرم؟.
كانت الصين حرصت طيلة أشهر النزاع السوري على إبعاد الأنظار عنها، مقدمة القليل من الأفكار لحلّ الأزمة حين يجتمع مجلس الأمن وراء أبواب مغلقة، مع التمسك في التصريحات العلنية بالموقف الرسمي الداعي إلى حل الأزمة بالطرق السلمية واحترام سيادة سوريا.
واللافت أن الصين، بالرغم من موقعها الدولي كقوة كبرى، كانت لاعبًا ثانويًا في الأزمة السورية، تتبع موقف روسيا التي رفضت تشديد الضغط على الرئيس بشار الأسد للتنحّي. لكنها كانت بين حين وآخر ترسل وفدًا رفيع المستوى إلى عواصم الشرق الأوسط، للدفاع عن موقفها واستخدامها حق الفيتو ضد قرارات مجلس الأمن، وشرح أسباب هذا الموقف، من أجل تفادي ردود الأفعال التي تضرّ بالمصالح الصينية في المنطقة.
خلل قاتل
يرى محللون مفيدًا أن تبدو بكين داعمة لوساطة الإبراهيمي، لافتين إلى أن المبادرة الصينية تتضمن دعوة ملموسة إلى وقف إطلاق النار على مراحل. ولكن الإمعان في بنود المبادرة يكشف أن بكين عمليًا تكرر مواقف اتفق عليها المجتمع الدولي سابقًا، بدعم من القوى الدولية الخمس، بما في ذلك خطة أنان ذات النقاط الست وبيان جنيف.
كما تتحاشى المبادرة الصينية التطرق إلى قضايا خلافية، مثل مصير الأسد في نهاية الانتقال السياسي. ولا يرد في المبادرة دعمٌ يُذكر لدعوة الإبراهيمي في موسكو إلى انتقال حقيقي، وليس إصلاحات تجميلية في سوريا. فالصين كانت من القوى الدولية الرئيسة التي تدعم نظام الأسد منذ اندلاع الانتفاضة في آذار (مارس) 2011.
ونقلت مجلة فورين بوليسي الأميركية عن دبلوماسي في مجلس الأمن قوله إن المبادرة الصينية تنطوي على موطن الخلل القاتل نفسه الذي اعترى موقفها المعروف من الأزمة السورية، وهو رفضها الضغط على دمشق لوقف أعمال القتل.
لكن إطلاق المبادرة الصينية بعد يوم على إعلان الولايات المتحدة حاجة المعارضة السورية إلى قيادة جديدة يؤكد حدوث تغيير في المواقف من حل النزاع.
في هذا الإطار، نقلت فورين بوليسي عن ستيفن هايدمان، الباحث في معهد السلام الأميركي، الذي يعمل مع المعارضة لإعداد خطط انتقال ممكنة، قوله: quot;إن تحولًا عامًا حدث باتجاه الإدراك بأن التطورات على الأرض أتاحت المجال أمام ظهور قيادات جديدة، وأطر تنظيمية جديدة، وإدارة جديدةquot;، في إشارته إلى خروج مناطق سورية عن سيطرة النظام، انبثقت فيها قيادات ومجالس محلية بوصفها إدارة بديلة يمكن التفاوض معها.
أميركا تريد قيادة جديدة
في غضون ذلك، اصطدمت التحركات المدعومة من الولايات المتحدة لتشكيل مجلس جديد يمثل المعارضة السورية بمقاومة شديدة، سلطت الضوء على العقبات التي تعترض توحيد قوى الانتفاضة السورية.
وتعرّض مشروع استحداث مجلس جديد لانتقادات لاذعة من معارضي النظام التقليديين، الذين يمكن أن يضعف أي إطار معرض جديد مواقعهم، خصوصًا إذا شارك فيه ناشطون ميدانيون يتحركون على مستوى القواعد الشعبية. وأعرب العديد من هؤلاء المعارضين عن شكهم في إمكانية توحيد تشكيلات مسلحة تتمتع باستقلالية متزايدة في قتالها على الأرض، وتعبئتها في إطار تنظيمي جديد.
تريد واشنطن أن يتفق اجتماع فصائل المعارضة في قطر على الإطار الجديد، بعد إخفاق الإطار الحالي ممثلاً في المجلس الوطني السوري في كسب تأييد واسع من القوى السياسية والمكونات المذهبية المختلفة في سوريا، بحسب صحيفة فايننشيال تايمز.
وتنقل هذه الصحيفة عن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلنتون قولها إن المجلس الوطني السوري لم يعد quot;القيادة المرئية للمعارضة السوريةquot;، داعية إلى مشاركة أوسع quot;للذين يقاتلون ويموتون على خطوط الجبهةquot;.
مشاجرة قطر
من المتوقع أن يبحث اجتماع قطر مقترحًا قدمه قبل أسابيع المعارض رياض سيف، الذي يحظى باحترام واسع في أوساط المعارضة، بتشكيل مجلس من 50 عضوًا يمثلون فصائل المعارضة، تتمخض عنه لاحقًا حكومة انتقالية، أعضاؤها من التكنوقراط.
وتردد أن رئيس الوزراء السابق رياض حجاب، الذي انشق في آب (أغسطس) من الأسماء المقترحة لعضوية المجلس الجديد، الذي من المفترض أن يضم ممثلين عن المجالس الثورية المحلية والمجلس الوطني السوري نفسه، بالرغم من أن حصته من مقاعد المجلس الجديد لم تُحدد حتى الآن.
وأبدى أعضاء في المجلس الوطني السوري معارضتهم للمبادرة الجديدة، فيما حذر سلمان شيخ، مدير مركز بروكنز الدوحة، من أن يتحول اجتماع قطر إلى quot;مشاجرة، لأن العديد من فصائل المجلس الوطني السوري لا تريد التخلي عنه أو عن مواقعها فيهquot;.
صعوبة الشرعنة
قال رضوان زيادة، القيادي في المجلس الوطني السوري، إن المبادرة المقترحة ستواجه صعوبة في نيل الشرعية. ونقلت فايننشيال تايمز عن زيادة قوله: quot;حتى إذا أرادت كلنتون أن تدعم هذه المبادرة، فإنها لن تنجح من دون تأييد الداخلquot;.
وأضاف زيادة، الذي يعمل على خطة إنعاش تتضمن استحداث هيئة منتخبة لتمثيل المعارضة: quot;على المبادرة أن تأتي من القاعدة إلى القمة، ويتعيّن أن يشعر من هم في داخل سوريا بأنهم جزء من المبادرةquot;.
وشكك عمرو العزم، المعارض المقيم في الولايات المتحدة، أيضًا في أن يكون المجلس المقترح إطارًا فاعلًا من دون تمثيل الفصائل المسلحة على الأرض. وقال إن دعاة الإطار الجديد quot;لا يريدون وجودًا عسكريًا مكشوفًا، بالرغم من أن الفصائل المسلحة هي التي تتصدر الكفاح ضد النظامquot;.
وقال سمير الطاقي، المعارض المقيم في أبوظبي، إن quot;خطة سيف نافعة للدبلوماسيين الأجانب، ولكنها لن تكون من مصلحة سورياquot;، مستبعدًا إمكانية تنفيذها.
واشنطن مع سيف
لكن محللين آخرين يرون أن لمبادرة سيف أفضلية على المحاولات السابقة لتشكيل إطار أشد فاعلية، إذ يعتبر إيجاده الآن مهمة ملحّة مع تردي الوضع على الأرض بوتيرة تبعث على القلق.
ولاقى مقترح سيف، بوصفه شخصية ذات مصداقية في المعارضة، تأييدًا في واشنطن، لأنه تزامن مع بحث الولايات المتحدة عن طرق لتعزيز تواصلها مع المعارضة السورية، وسط مشاعر تذمّر واسعة النطاق من أداء المجلس الوطني السوري.
ويُعتقد أن قطر نفسها، التي تعتبر من أقوى داعمي المجلس الوطني السوري، قبلت بفكرة الحدّ من نفوذها في إطار معارض جديد له قاعدة أوسع تمثيلًا، بحسب صحيفة فايننشيال تايمز.
وقال ملهم الدروبي، عضو المجلس الوطني السوري عن جماعة الإخوان المسلمين، إن المجلس لم يتوصل إلى اتخاذ موقف جماعي حتى الآن. وأضاف quot;من الصحيح القول إن المجلس الوطني السوري كان ينبغي أن يكون أشمل، ونحن نرحّب بمساهمة أشد فاعلية من جانب المجتمع الدولي والولايات المتحدة من أجل القضية السوريةquot;.
التعليقات