يرى محللون أن معركة غزة الرئيس المصري اختبار عسير لمرسي لالتزاماته تجاه أشقائه الإسلاميين في حركة حماس ومعاهدة السلام مع إسرائيل. وبدا أن مرسي، الذي دان الإسرائيليين يستخدم كل ثقل مصر الدبلوماسي من دون تهديد معاهدة السلام.


إعداد عبدالاله مجيد: بدلاً من طبول الأعراس التي تُسمع عادة وقت المساء في قطاع غزة اخترقت أجواء القطاع مساء الخميس طلقات احتفالية بإعلان حركة حماس بأن أحد صواريخها أسقط طائرة إسرائيلية.

رغم نفي الجيش الاسرائيلي إصابة إحدى طائراته فإن الشريط الذي بثه تلفزيون حماس وظهر على موقع يوتيوب بدا مقنعًا أكثر من أقوال الجيش الاسرائيلي.

وبصرف النظر عمّن يقول الحقيقة فإن رد فعل الفلسطينيين في مدينة غزة يجسد المعركة غير المتكافئة بين هذا الشريط الضيق المكتظ بالسكان والفقر وقوة إسرائيل العسكرية، التي تبدت عندما طغى هدير طائراتها المقاتلة من طراز اف ـ 16 على طلقات الفرح في اجواء المدينة.

وقال الدكتور حسن خلف مدير مستشفى الشفاء، الذي نُقل اليه العديد من القتلى والجرحى الفلسطينيين، quot;ان معنويات الأهالي عالية رغم الحصار ورغم العدوان الاسرائيليquot;.

واضاف الدكتور خلف quot;أن تُقتل مبتسمًا أو واثقا أو غير واثق فان المحصلة النهائية هي الموتquot;. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الدكتور خلف قوله quot;على الأقل نشعر الآن بأننا نستطيع أن نؤذي الاسرائيليين عندما يحاولون إيذاءناquot;.

وبعد نحو أربع سنوات على عملية الرصاص المصبوب الإسرائيلية التي قتل فيها الجيش الاسرائيلي نحو 1400 فلسطيني في 22 يومًا من القصف الجوي والعمليات البرية تبدو الجولة الجديدة من المواجهات مختلفة، والسبب لا يعود فقط إلى إعلان اسرائيل محاولتها قصر هجماتها على الضربات الدقيقة، إذا صح الإعلان. فالقوات الاسرائيلية تقاتل هذه المرة حركة حماس ذات ثقة متجددة، تدعمها قوى اقليمية كبيرة، مثل تركيا ومصر وقطر، تستعرض قوتها على النقيض من ضعف السلطة الفلسطينية المثقلة بالأزمات، على حد تعبير صحيفة نيويورك تايمز.

وبعد أشهر من التزام حماس بالتهدئة ومحاولة إقناع الفصائل الأخرى بعدم اطلاق صواريخ على اسرائيل، ردت الحركة بقوة على اغتيال اسرائيل مسؤول حماس العسكري احمد الجعبري يوم الأربعاء.

واطلق الجناح العسكري للحركة اكثر من 300 صاروخ على اسرائيل في غضون 24 ساعة، اخترق بعضها قلب المراكز السكانية الاسرائيلية حول مدينة تل ابيب. وقُتل ثلاثة اسرائيليين في عمارة سكنية على بعد نحو 24 كلم فقط شمال غزة، وأُصيب ثلاثة جنود في هجوم منفصل.

لا تتطلع حماس بالضرورة الى نصر عسكري، بل هدفها إحراز نصر دبلوماسي باختبار تحالفها المتعاظم مع القيادة الاسلامية الجديدة في مصر وعلاقاتها الأخرى في العالم العربي وخارجه.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الباحث المتخصص في النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني في مجموعة الأزمات الدولية نيثان ثرول quot;ان النزاع يبين كم تغيرت المنطقة منذ مجيء الربيع العربي. وحين تكون غزة تحت النار كما الآن، فإن أعلى الأصوات لا تأتي مما يُسمّى محور الممانعة ـ ايران وسوريا وحزب الله ـ بل من حلفاء للولايات المتحدة مثل مصر وقطرquot;.

واشار ثرول الى انه بالإمكان ايجاد مخرج من الأزمة باتفاق ثلاثي، تتعهد فيه حماس باحتواء الفصائل الأخرى، مقابل تطوير التبادل التجاري عن طريق معبر رفح الحدودي مع مصر ومعبر كيريم شالوم (كرم ابو سالم) التجاري الذي تسيطر عليه اسرائيل.
وقال الباحث ديفيد ماكوفسكي من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن مصر طرف في المعادلة الآن، وان حماس تأمل بإيصال رسالة الى اسرائيل، مؤداها quot;كفي عن ضربنا في غزة، لأنك ستضرين بعلاقتك مع القاهرةquot;.

الرئيس المصري بين مطرقة حماس وسندان السلام مع اسرائيل
ويرى محللون ان معركة غزة تواجه الرئيس المصري محمد مرسي باختبار عسير لالتزاماته تجاه أشقائه الإسلاميين في حركة حماس ومعاهدة السلام مع إسرائيل.

وعلى امتداد يومين بدا أن مرسي، الذي دان الإسرائيليين، بوصفهم quot;مصاصي دماءquot;، يستخدم كل ثقل مصر الدبلوماسي من دون تهديد معاهدة السلام.

واعلن مرسي يوم الخميس quot;ان الشعب والقيادة والحكومة في مصر تقف بكل امكانياتها لمنع العدوان الاسرائيلي وإراقة الدماءquot;. واضاف ان على اسرائيل ان تدرك quot;أننا لا نقبل العدوان الذي يؤثر سلبا على الأمن والاستقرار في المنطقةquot;.

ولكن الرئيس المصري يجد نفسه في موقف صعب إزاء تصاعد الهجمات المتبادلة بين اسرائيل وحماس واستعدادات الجيش الاسرائيلي لاجتياح قطاع غزة في هجوم ارضي واسع. فان مرسي بوصفه أول رئيس مصري منتخب يواجه مطالب شعبية بالقطيعة مع ما يُعد بنظر المصريين تخاذل الرئيس المخلوع حسني مبارك خلال حرب اسرائيل على غزة قبل اربع سنوات، ولكنه في الوقت نفسه بحاجة ماسة الى الحفاظ على السلام البارد مع اسرائيل، لضمان مساعدات الغرب واستنهاض الاقتصاد المصري من ركوده.

وإذ تدرك إسرائيل وحماس هذه الاعتبارات التي تتجاذب مرسي، يبدو ان الطرفين يختبران موقفه. فان حماس التي خرجت من عباءة جماعة الاخوان المسلمين تريد أن تعرف حجم الدعم الذي تستطيع الرهان عليه من شقيقتها العقائدية الكبرى التي تحكم الآن اكبر دولة عربية، وقيادة اسرائيل الصقورية تبدو عازمة أن تسبر عمق التزام مرسي المعلن بمعاهدة السلام.

وقال البروفيسور افرايم عنبار مدير مركز بيغن ـ السادات للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار ايلان quot;نحن نختبر المصريين. فالاميركيون معنا بشأن حماس، ومن الواضح ان مرسي يدعم حماسquot;.

وفي مصر يبدو ان رد مرسي الحازم حشد الرأي العام المصري وراءه. فان ادانة الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية ومعاناة سكان هذه الاراضي هي القضية الوحيدة التي توحّد الإسلاميين والعلمانيين، بل وحتى قيادة الكنيسة القبطية في مصر. وأثنى على موقف مرسي بعض خصومه ومنافسيه، مثل المرشح الرئاسي السابق عمرو موسى.

وقال استاذ العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في القاهرة عماد شاهين quot;ان مرسي يفعل كل ما بوسعه ضمن الالتزامات القانونية لعلاقة مصر مع اسرائيلquot; مشيرًا الى ان رد مرسي السريع على اسرائيل سيمكنه من تحجيم الدعوات الى المضي أبعد.

لكن الغضب الشعبي والمطالب الشعبية بتحرك أقوى قد تتعاظم، رغم ما فعلته القيادة المصرية حتى الآن، وخاصة إذا قامت اسرائيل باجتياح القطاع. واصدرت جماعة الاخوان المسلمين بيانًا دانت فيه quot;العدوان الإجراميquot;، وانتقدت الدول العربية quot;التي ترى نزيف الدم الفلسطيني ولا تحرّك ساكنًاquot;. وقال البيان quot;أننا لا نرى أقل من قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع هذا الكيان الغاصبquot;.

وذهب حزب النور السلفي الى ان الخطوات التي اتخذها مرسي ليست كافية، والمطلوب اتخاء اجراءات اضافية quot;لردع المعتدي وملاحقة المجرمين قانونيًا وجنائيًا حتى يُقتص منهمquot;.

وكانت العلاقات بين جماعة الاخوان المسلمين في مصر وحماس تعززت وازدادت تشابكا منذ سيطرة الجماعة على غالبية مقاعد البرلمان المصري، وابتعاد حماس عن النظام السوري، راعيها السابق. واستقبلت جماعة الاخوان المسلمين طوابير من قادة حماس في القاهرة، ولكنها دعت ايضًا الى الحفاظ على التهدئة مع اسرائيل لمساعدة مصر على عبور مرحلة الانتقال الصعبة التي تمر بها بما يخدم الطرفين.

وقال قياديون في حزب الحرية والعدالة الإخواني إنهم يعتزمون إبقاء مسافة بينهم وبين حماس للمساهمة في جهود المصالحة مع حركة فتح التي تسيطر على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وفي حين ان حماس لا تعترف باسرائيل فان جماعة الاخوان المسلمين تؤيد حل الدولتين كما تنص عليه اتفاقيات كامب ديفيد.

ويرى مراقبون ان الرئيس مرسي ربما خيّب أمل حماس من بعض النواحي، مشيرين الى انه لم يفتح حدود مصر مع غزة، بل تحرك بحزم أشد من مبارك لغلق أو تفجير أنفاق التهريب التي تستخدمها حماس للالتفاف على الحصار الاسرائيلي، بدعوى ان هذه الأنفاق تشكل خطرًا أمنيًا على مصر.

لكن قادة حماس سجلوا منذ يوم الخميس انتصارات دبلوماسية لا تُنكر بإعلان مرسي وقوفه معهم يوم الخميس وزيارة رئيس وزرائه هشام قنديل القطاع يوم الجمعة. وقال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في مؤتمر الحركة الاسلامية السودانية في الخرطوم ان القيادة المصرية تنتهج نهجًا جديدًا برؤية جديدة وان quot;زمن العربدة الاسرائيلية انتهىquot;.