54 عاما مرت على سقوط النظام الملكي في العراق، لكن حتى الآن لا زال هناك من يشتعل الحنين في قلبه إلى quot;أيام الملكيةquot; فيما يرى آخرون أنها حقبة سوداء في تاريخ العراق الذي انتقل لاحقا للحكم الجمهوري، وقد أعاد معرض للصور في بغداد ذاكرة العراقيين إلى تلك الأيام.


بعد اكثر من 54 عاما على اسقاط النظام الملكي في العراق بانقلاب عسكري يحاول العراقيون ان يفهموا على نحو أفضل فصلا مثيرا للجدل من تاريخهم يرى البعض انه كان عصرا ذهبيا مر به العراق.
ويجري الاحتفال بيوم 14 تموز/يوليو الذي قُتل فيه الملك فيصل الثاني وعدد من افراد عائلته عام 1958 وهو يوم عطلة رسمية بوصفه يوم تأسيس الجمهورية. وتحمل جسور وشوارع اسم هذا اليوم.
ولكن دعوات تُطلق الآن من بعض السياسيين لالغاء الاحتفال بذكرى 14 تموز/يوليو. واصدر البريد العراقي ، استجابة لمطلب بعض الأوساط ، طوابع تحيي ذكرى الملك فيصل الأول ونجله وحفيده اللذين جلسا على العرش من بعده. وفي معرض للصور الفوتوغرافية والوثائق والمقتنيات والطوابع والنقود التي تؤرخ العهد الملكي هو الأول من نوعه ، كان مئات العراقيين يتوافدون كل يوم لزيارة المعرض المقام وسط بغداد والتأمل في تاريخ بعضهم لا يعرف عنه شيئا ، أو الحنين الى أيام كان العراقيون يعيشون فيها بسلام مقارنة مع ما جرى ويجري.
رغد السهيل ، الاستاذة الجامعية والكاتبة ، اصغر سنا من الجيل الذي عاصر العهد الملكي ولكنها كانت تمعن النظر في الصور الفوتوغرافية وكأنها تبحث عن اصدقاء قدامى.
وتقول رغد ان والدها كان آخر شخص لعب كرة المضرب مع الملك فيصل الثاني قبل مقتله وعدد من افراد العائلة المالكة برصاص الانقلابيين. وانها تكاد تبكي عندما ترى الصور الفوتوغرافية.
ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن رغد السهيل قولها quot;كنتُ احب الملك فيصل بل عائلتي كلها كانت تحبه. فهو الذي صنع العراق وهو الذي بنى العراق.... من جاء بعد الملك فيصل وماذا فعلوا لنا؟ ان الذي بنى العراق وقال للعالم quot;لدينا مكان اسمه العراقquot; كان الملك فيصلquot;.
ويظهر آخر ملوك العراق شابا في كل صور المعرض ، الفتى والبلد كلاهما بعمر كان كل شيء يبدو فيه جديدا وزاخرا بالوعد المنشود. وفي بعض الصور يقف الملك مزهوا في السيارات الجديدة التي كانت تتقاسم الطرق مع العربات التي تجرها الخيول. وفي صور اخرى يظهر فيصل صبيا يلعب الكرة مع اصدقائه أو طفلا يحاول تصليح دراجته الهوائية.
كان فيصل الثاني في الثالثة من العمر عندما قُتل والده الملك غازي في حادث سيارة واعتلى العرش في سن الثامنة عشرة لمدة خمس سنوات فقط قبل ان يُقتل في ثورة 14 تموز/يوليو التي انهت الحكم الملكي المدعوم من بريطانيا.
وفي زمن كانت صناعة النفط العراقية في بدايتها عاشت العائلة المالكة حياة مرفهة ولكن من دون بذخ رغم ان البعض يرى ان الفوارق الطبقية التي اسهمت في اشعال الثورة ما زالت قائمة. وقال كاظم العقالي من سكان بغداد quot;كنا نموت من الجوع ، كنا معدمين ، وكنا حفاة. أنعود الى الملكية؟ ابداquot; ثم شرع في القاء قصيدة وطنية عصماء. ويروي العقالي ان الملك اعطاه زوج احذية لأنه كان الأول على صفه في المدرسة.
ومهدت ثورة 14 تموز/يوليو الطريق الى قيام جمهورية حكمها فيما بعد حزب البعث وصدام حسين. وكانت صورة صدام الصورة الوحيدة التي يمكن تعليقها بأمان حتى سقوطه بعد الغزو الاميركي عام 2003.
وكان المعرض الذي أُقيم في شارع المتنبي وسط بغداد اول مناسبة يرى فيها العراقيون حياة الملك موثقة ومعروضة للجمهور.
وفي باحة الكلية العسكرية التي بُنيت في زمن العثمانيين تلتمع سيارة رولز رويس موديل 1923 ما زالت تحتفظ بتألقها كما كانت يوم تقديمها الى الملك غازي. وبجوارها مرسيدس فضية موديل 1936 كانت هدية من هتلر الى الملك.
ومن المعروضات الأخرى عربة ذات لون كستنائي صُنعت في بريطانيا ، ودراجة صينية كانت هدية بمناسبة عيد ميلاد الملك من الوصي عبد الاله في مؤشر الى زمن كانت الحياة بسيطة فيه.
والى جانب المعرض الرسمي للصور الفوتوعرافية عُرضت مئات الصور في الباحة بمبادرة من الفنان هاشم محمد طراد رئيس منظمة المتحف الثقافي المتجول. وتمثل صور طراد قصة خيالية لا تلوثها النهاية المأساوية في الحياة الواقعية. ورغم امتلاك طرد صورا لجثث افراد العائلة المالكة فانه يرفض عرضها. وقال طراد quot;لم يقتلهم اشخاص بل قتلتهم السياسةquot;.
وفي قاعات المعرض الرسمي في الطابق العلوي كانت عراقيات ملفعات بالعباءة ينظرن الى صور نساء عراقيات بتنورات قصيرة وفساتين مفتوحة الصدر بين مقتنيات من الأوسمة والنياشين والآنية الفضية التي سلمت من نهب القصر الملكي عام 1958.
ولاقى المعرض الذي يحيي ذكرى العائلة المالكة في العراق دعما حتى من اولئك الذين ما كانوا ليحلموا بالمجيء الى السلطة لولا الثورة التي أسقطت الملكية. ويقول فوزي اكرم من التيار الصدري والعضو السابق في البرلمان quot;حتى الآن يعتز اجدادنا بعهدهم ذاك. ونحن نأسف لسفك الدماء والمجزرة التي ارتكبت بحق العائلة المالكةquot;.
وكان صلاح عبد الرزاق محافظ بغداد التي نظمت المعرض بالتعاون مع امانة العاصمة ، دعا حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الى الاعتذار رسميا عن المجزرة.
وتوزع افراد العائلة المالكي الذين لم يُقتلوا في عام 1958 على المنافي والمهاجر وغادر البلاد هربا من كانوا قريبين منهم ايضا.
وقدمت تمارة الداغستاتي التي كانت تربطها صداقة عائلية بالملك غازي 250 صورة فوتوغرافية ساهمت بها في المعرض الرسمي من مجموعتها الخاصة التي تقول انها تضم 8000 صورة.
وكان والد تمارة سُجن بعد الثورة ولجأ افراد العائلة الآخرون الى الاردن. وفي زيارة الى بغداد بعد عام 2003 تصفحت تمارة البومات عمتها. وتتذكر تمارة في منزلها في عمان قائلة quot;جلستُ انظر اليها وفكرتُ انها في الحقيقة ليست صور عائلتنا فقط بل هي تاريخ العراق مصورا وعلينا ان نشارك به العراقيينquot;.
ونشرت تمارة مؤخرا الصور الفوتوغرافية على فايسبوك لإيصالها الى الجيل الجديد من العراقيين.
وقالت تمارة الداغستاني لصحيفة كريستيان ساينس مونتر انها لا تعرف إن كان البؤس الذي عاشه العراقيون هو الذي يجعل العهد الملكي يبدو ورديا الى هذا الحد. وأكدت ان معرض بغداد يضم صور الثورة ايضا. إذ يظهر في احدى الصور جنود يقفون وسط الدمار وفي أخرى حذاء معلق من خيوطه على كرسي ملكي تعبيرا عن رفض النظام الملكي.
وفي غرفة المعيشة في منزل تمارة الداغستاني كانت القطط تتجول حول صور ذات اطارات فضية. ومن بين اكوام الصور المكدسة على الطاولات والمندلقة من الأكياس سحبت تمارة صور حفلات زفاف وحفلات ميلاد اطفال. وقالت تمارة quot;لكل صورة قصة ولكل صورة معناها. وأن أكون قادرة على تعليقها في بغداد فان هذا يعني الكثير بالنسبة لي. لم اصدق اني نقلتها الى بغداد والناس كانوا يأتون لرؤيتهاـ هذه العائلة التي كانت منسية طيلة 54 عاماquot;.