عاد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إلى بلاده من فرنسا، حيث قضى أسابيع عدة للعلاج، بعد تعرضه لإطلاق نار كاد أن يودي بحياته، اعتبرته الرواية الرسمية مجرد حادث، من دون أن تقنع العديد من متتبعي الشأن الموريتاني.


بوعلام غبشي من باريس: تعددت القراءات حول إصابة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بالرصاص، وهو الذي نفى في حوار لقناة فرانس24 قبيل عودته إلى بلاده أن يكون الحادث مخططًا من قبل جهات أجنبية، لأجل الإطاحة به، كما حاولت أن تروج لذلك بعض الصحف.

وطرحت في هذا الإطار مجموعة من الفرضيات جاء على رأس قائمتها أن العملية كانت نتيجة لصراع بين الجيش الموريتاني والقيادة في البلاد، عقب إعفاء الرئيس لعدد من قادته من مهامهم. إلا أن الدول الغربية لم تبدِ أي استعداد لتحول سياسي يغيّب ولد عبد العزيز من على رأس السلطة في هذا الظرف، وبالتحديد مراعاةً للمسألة المالية.

ما بعد الرئيس

تفيد المعطيات أن الجيش الموريتاني حاول الدخول في عملية الإعداد لمرحلة ما بعد ولد العزيز، لكنّ المناخين الداخلي والخارجي لم يسمحا بالذهاب بهذه العملية حتى نهايتها، فيما ظلت المعارضة السياسية تطالب بتحقيق محايد لمعرفة ما حدث.

تحدث موقع قناة فرانس 24 عن تسريبات تناقلتها وسائل الإعلام العربية خلال الرحلة العلاجية لولد عبد العزيز مفادها أن قيادة الجيش الموريتاني تلقت تقريرًا سريًا مفصلًا عن حالة الرئيس الصحية، وشرعت بعدها في اتخاذ عدد من التدابير التنظيمية داخل الجيش.

وأورد الموقع أن صحفًا عربية ذكرت أن قائد الأركان محمد ولد الغزواني ترأس قبل أيام اجتماعًا لكبار قادة الجيش، ناقش خلاله أحدث التقارير الطبية عن صحة الرئيس واحتمال عجزه، وبالتالي قرر اتخاذ الإجراءات الضامنة لعدم وجود فراغ في السلطة، في حالة عجز الرئيسquot;.

لا صلة لمالي

تمسك الدول الغربية بمحمد ولد عبد العزيز بسبب الأزمة المالية لا يبدو مقنعًا بالنسبة لبعض المراقبين، باعتبار أنه يعزف لحنًا مغايرًا لمعسكر دول الشمال بخصوص هذا الملف. ففي حوار لصحيفة لوموند الفرنسية، قال الرئيس إن بلاده غير مستعدة لخوض حرب في مالي، مبررًا ذلك بأن quot;بلاده تتقاسم مع مالي حدودًا مشتركة طولها 2400 كلمquot;.

كما حذر ولد عبد العزيز من التحاور مع جماعة أنصار الدين المتشددة التي قدمت أخيرًا مؤشرات على استعدادها للتفاوض، رافضًا في الوقت ذاته الحرب على هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة في شمال مالي قبل استنفاد جميع الوسائل الأخرى.

وأوضح أنه إن اشتعلت الحرب في المنطقة، quot;قد تجمع كل القوى في شمال مالي وحتى كل السكان ضد من يمكن اعتبارهم غزاةquot;.

ابن عمه لم يصب

يعتقد كلود أوليفي فولوز، الصحافي السويسري العامل في موريتانيا، أن ما حصل للرئيس الموريتاني هو quot;محاولة اغتيال ولو أنه لم يمكن لأي كان أن يثبت ذلك، على اعتبار أن كل قنوات المعلومة مقفلة في موريتانيا في الوقت الحاليquot;.

ويتابع فولوز، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، أنه بحسب الرواية الرسمية، أطلق جندي النار عن غير قصد على الرئيس، quot;لكن هذه الرواية لا تبدو صحيحة، ولا يثق فيها أي شخص في نواكشوط، فابن عم الرئيس الذي كان في نفس السيارة لم يصب، كما أن السيارة لم تعرض على الصحافة ولا يمكن بالتالي ملاحظة آثار الرصاص عليهاquot;.

وقال هذا المراسل الدولي العامل في نواكشوط: quot;الغريب في الأمر أن الرئيس سارع من فوق سريره بالمستشفى ساعات بعد الحادث للتصريح من خلال التلفزة أنه لم يتعرض لمحاولة اغتيال، وما حصل كان حادثًاquot;. أضاف: quot;تخيلوا أن رئيسًا ممددًا على السرير في المستشفى مرغم على تبرير ما حدث له على التلفزة، فليس لهذا الأمر أي مصداقيةquot;.

لم يحاكم

أكد فولوز أن quot;المعارضة طالبت بفتح تحقيق لكن السلطة رفضت ذلك، ولا يمكن أن تدعي أنك تمارس الشفافية وفي الوقت نفسهترفض أن يطلع محققون مستقلون على التحقيق quot;.

ويلفت الصحافي السويسري إلى أن الجندي الذي قدم على أنه أطلق الرصاص على الرئيس عن طريق الخطأ لم يحاكم، متسائلًا: quot;هل كان هو من قام بذلك؟quot;.

يتابع: quot;هذا الجندي حضر إلى التلفزيون محاطًا برؤسائه، ليصرح أنه أطلق النار خطأ على الرئيس، وتقول مصادر إنه نقل إلى الصين بعد ذلك، في إطار شراكة بين البلدين، ومنذ ذلك الحين لم يره أي شخص، ولم يتحدث بمفرده لوسائل الإعلامquot;.

دبره الجيش

quot;الفرضية الأقرب للحقيقة والتي تبدو أكثر مصداقية، هي فرضية هجوم من داخل الجيش الذي ينتمي إليه محمد ولد عبد العزيز نفسهquot;، بحسب ما يقول فولوز.

يضيف: quot;الفساد الذي يحيط بحكمه وبالمحيط المقرب منه بدأ يخلق موجة غضب عارمة، فالبعض يقدمون فرضية مشادة مع أحد مقربيه، والغريب في الأمر أن جميع ما يدور في نواكشوط يخرج للعلن بسرعة إلا في هذه المسألة، بفعل دور دول غربية في مقدمتها فرنسا، روّجوا فرضية الحادث ليسهلوا عودة عبد العزيز إلى السلطةquot;.

أما الغرض من ذلك، يخلص فولوز، quot;هو تفادي أي تحول في السلطة قبل أشهر فقط من تدخل محتمل في شمال ماليquot;.