الزمن وحده لا يتكفل بمحو الآثار القديمة في كل الأحوال. فبعد قرابة 60 سنة من وفاة عالم أحياء أميركي في نيويورك، ترفع أسرته حاليا قضية على laquo;سي آي ايهraquo; جاء فيها أنها خدّرته وقتلته بعدما اعترض على استخدامها أبحاثه في تعذيب وقتل خصومها في أوروبا.


دفع عالم أحياء أميركي حياته ثمنا لإحاطته علما بأن laquo;سي آي ايهraquo; توظف أبحاثه في شبكة معتقلات سريّة للتعذيب والقتل أقامتها في أوروبا. فقد خدّره عملاؤها ثم ألقوا به الى حتفه من الطابق الثالث عشر بفندق في مانهاتن، نيويورك، تبعا لفحوى دعوى قضائية رفعتها أسرته على وكالة المخابرات الأميركية.

الضحية هو الدكتور فرانك اولسون الذي يزعم ابناؤه أنه قُتل على ذلك النحو البشع في 1953 لأنه اكتشف وجود تلك المراكز في المانيا الغربية (وقتها) والنرويج على الأقل. وتبعا للدعوى القضائية ،التي نقلت فحواها الصحف البريطانية الرصينة، فعندما أبدى اولسن اعتراضه القاطع على هذا الأمر، خدّره عملاء الوكالة الاستخباراتية بعدما دسوا له عقار الهلوسة laquo;إل إس ديraquo; في مشروبه قبل أن laquo;يعدموهraquo; بإلقائه 13 طابقا الى حتفه المخيف. وتقول الأسرة إن وكالة المخابرات فعلت المستحيل لحفظ الجريمة طي الكتمان على مدى كل تلك العقود منذ ارتكابها وحتى الآن.

يذكر أن اولسن انخرط في صفوف الأبحاث العلمية بوكالة الاستخبارات في بداية الخمسينات، وكان مجهوده ينصب على الأسلحة البيولوجية القابلة للانتشار عبر الهواء. ويرد في الدعوى القضائية، التي اكتملت إجراءات رفعها في واشنطن دي سي الأربعاء، أنه زار النرويج وفرنسا والمانيا الغربية وبريطانيا في إطار أبحاثه العلمية.

لكنه لاحظ خلال زياراته هذه أن وكالة المخابرات الأميركية توظف مواد بيولوجية طوّرها هو بنفسه لأغراض التعذيب والقتل في مراكز سرية أقامتها بتلك البلدان. وشكّل هذا الأمر صدمة عميقة لأولسن فعاد الى بلاده بنية قطع روابطه كافة مع laquo;سي آي ايهraquo; في ما يبدو.

لكنه كان يكتب بذلك نهايته بيده إذ دعاه عملاء الوكالة الى اجتماع سرّي في فندق laquo;ديب كريك ليكraquo; بميريلاند حيث خلطوا مشروبه بعقار laquo;إل إس ديraquo;. ثم أخذوه لاحقا الى الغرفة 1018a بالطابق 13 في فندق laquo;ستاتلرraquo;، مانهاتن، حيث ألقوا به الى حتفه عبر النافذة. وقالت سي آي ايه لأسرته إنه كان قد أخذ الى هذه الغرفة للقاء طبيب نفسي بعدما ابدى اضرابات عقلية وصار عنيفا وإنه، في غمرة اهتياجه، انتحر بإلقاء نفسه عبر نافذتها.

وجاء في محاضر سي اي ايه الرسمية وقتها أن موته laquo;حادثةraquo;. ولكن، في السبعينات، خلال التقصي الذي فرضته فضيحة laquo;ووترغيتraquo; في ممارسات الوكالة، أقر القائمون على شؤونها بأن اولسون خُدّر على ايدي عملائها وأن laquo;انتحارهraquo; ربما كان نتيجة لهذا.

وحينها دفعت الوكالة تعويضا ماليا لأسرة العالم، ودعاها الرئيس جيرالد فورد للقائه في البيت الأبيض حيث اعتذر لها عن قيام الحكومة بتخديره (ورفض الإقرار بقتله كما هو متوقع). لكن الأسرة ظلت غير مقتنعة بمسألة laquo;انتحارهraquo; هذه، وتمكنت في 1996 من استصدار أمر بنبش رفاته. وأثبتت فحوص الطب الشرعي أنه تلقى ضربة في الرأس قبل سقوطه من النافذة.

وتبع هذا أن قرر مكتب الادعاء في نيويورك إعادة التحقيق في ملابسات وفاته. ورغم ان المكتب عجز عن الإتيان بدليل على قتله، فقد غيّر سبب الوفاة الرسمي من laquo;انتحارraquo; إلى laquo;غير معروفraquo;. ووصلت تطورات هذا الأمر الى أن الأسرة قررت رفع دعوى قضائية على الحكومة الأميركية قائلة إن سي اي ايه laquo;تخبئ ملفات حاسمة تتعلق بوفاتهraquo;.

ونقلت الصحف عن ابنه إيريك قوله: laquo;الدلائل تشير الى أن أبانا مات مقتولا بينما كان محتجزا لدى سي آي ايه. ونحن نتهمها أيضا بالكذب علينا وحجب وثائق وملفات مهمة تلقي الضوء على هذا الأمر، وبأنها ظلت تغيّر روايتها للأحداث كلما كان هذا يتفق مع مصالحهاraquo;. ومن جهته قال ناطق باسم سي آي ايه إن الوكالة أجرت تحقيقا شاملا في عملياتها السرية خلال الخمسينات، وإنها أفرجت عن آلاف الوثائق المتعلقة بتلك العمليات للتداول العام.

ولا ترد في دعوى أسرة اولسون تفاصيل جرائم القتل التي ارتكبتها الوكالة في أوروبا. كما ان الصحف البريطانية التي اهتمت بالنبأ لم تستطع من جهتها الحصول على معلومات من وزارة الدفاع في لندن تلقي الضوء على زيارات العالم بلادها.

لكن ناطقا باسم الوزارة قال إن بورتون ديفون (البريطانية التي شملها العالم الأميركي في زياراته الأوروبية) كانت مركزا لتطوير أسلحة مضادة للأسلحة البيولوجية. وقال إن جزءا من هذا البرنامج laquo;كان يقتضي التعاون مع حلفائنا الدوليين بمن فيهم الولايات المتحدةraquo;.