كشف مسؤولون استخباراتيون كبار النقاب عن أن ضباط أمن من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية quot;سي آي إيهquot; لعبوا دوراً محورياً في مقاومة المسلحين الذين هاجموا مقر البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي يوم 11 من شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، حيث قاموا بنشر فريق إنقاذ من قاعدة سرية في المدينة، وأرسلوا تعزيزات من طرابلس، وأعدوا قافلة عسكرية ليبية مسلحة لمرافقة الأميركيين الذين نجوا من الهجوم لنقلهم بسرعة لطائرات مستأجرة تقلهم خارج البلاد.


أشرف أبوجلالة من القاهرة: جاءت تلك التفاصيل على لسان هؤلاء المسؤولين الكبار، الذين رفضوا الإفصاح عن هوياتهم، لتقدِّم الوصف الأكثر دقة حتى الآن لدور السي آي إيه في بنغازي، وهو التواجد السري، الذي يبدو أنه كان يحظى بقدر أكبر من الأهمية عما كان معروفا علانيةً.

في غضون 25 دقيقة من تنبيههم بخصوص الهجوم الذي يستهدف البعثة الدبلوماسية، هرول حوالى 6 من ضباط السي آي إيه إلى هناك منطلقين من قاعدتهم التي تبعد بحوالى ميل، وطلبوا وهم في الطريق المساعدة من حفنة من المسلحين التابعين للميليشيات الليبية، على حسب ما ذكرته صحيفة النيويورك تايمز الأميركية.

عقب وصولهم إلى موقع الهجوم بعدها بـ 25 دقيقة، انضم ضباط السي آي إيه إلى مسؤولي أمن وزارة الخارجية في بحث عقيم عبر دخان كثيف وطلقات نار من جانب الخصم عن السفير كريستوفر ستيفنز، قبل ترحيل موظفي البعثة إلى قاعدتهم الآمنة، التي ينظر إليها المسؤولون الأميركيون باعتبارها مكانًا مرفقًا أو ملحقًا بالبعثة.

ثم سادت حالة من الهدوء على مدار أربع ساعات بعدها بفترة قصيرة، بعدما حلّ منتصف الليل، وبدا أن الأسوأ قد انتهى. وكانت طائرة آلية مسلحة استحوذت عليها السي آي إيه تقوم بوضع خرائط لطرق الهروب المحتملة، وترسل صوراً مطمئنةً إلى طرابلس وواشنطن.

لكن قبل الفجر مباشرةً، وفور وصول فريق تعزيزات بقيادة السي آي إيه، يضم اثنين من القوات الخاصة العسكرية، إلى طرابلس، فاجأ هجوم قاتل بقذائف الهاون الأميركيين. وهو ما أسفر عن مقتل اثنين من ضباط أمن السي آي إيه ممن كانوا يدافعون عن القاعدة.

وقال أحد مسؤولي الاستخبارات البارزين: quot;تعامل الضباط الميدانيون في بنغازي مع الموقف في ليلة 11 ويوم 12 من شهر أيلول/ سبتمبر الماضي بسرعة وفعالية قدر الإمكان. وذلك مع العلم أنه لم تصدر تعليمات لأي أحد بأن يهبّ إلى تقديم المساعدة والدعمquot;.

وبإبراز الدور الذي لم يكن معلناً من قبل للسي آي إيه في تعبئة جهود الإجلاء، بدا أن المسؤولين يستجوبون ضمنياً ترتيبات وزارة الخارجية الأمنية في بنغازي، وهو محور بحث 3 تحقيقات ينظرها الكونغرس بخصوص الهجوم على مقر البعثة الدبلوماسية.

وقد سلط بذلك أيضاً المسؤولون الكبار الضوء على دور السي آي إيه في ليبيا. ومضت الصحيفة تنوه في هذا السياق بأن الوكالة بدأت خلال الأشهر الأولى للانتفاضة، التي بدأت في ليبيا في شباط / فبراير عام 2011، بتكوين تواجد سري ومهمّ لها في بنغازي، حيث تتمركز جهود الثوار من أجل الإطاحة بحكومة العقيد معمّر القذافي.

وأضافت الصحيفة أن من بين الأهداف التي كانت تعنى الوكالة بمراقبتها في كل من بنغازي وشرق ليبيا هي جماعة أنصار الشريعة وكذلك أعضاء يشتبه في انتمائهم إلى فرع تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا، وهي الجماعة التي تعرف بالقاعدة في المغرب الإسلامي.

كما لفت مسؤولون أميركيون إلى أن عملاء المخابرات الأميركية ساعدوا كذلك المسؤولين الليبيين ومقاولي وزارة الخارجية الأميركية على تقفي أثر الصواريخ التي يتم إطلاقها من فوق الكتف، والتي تم الاستيلاء عليها من ترسانات الجيش الليبي سابقاً.

إلى ذلك، أشار مسؤولون إلى أن غياب مدير وكالة السي آي إيه، دافيد بيتريوس، عن مراسم استقبال جثامين السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين، وهم من راحوا ضحية الهجوم على مقر السفارة في بنغازي، برفقة الرئيس ومعاونين له في قاعدة أندروز الجوية، كان لرغبته في الابتعاد، وذلك في مسعى من جانبه إلى إخفاء دور الوكالة في تجميع المعلومات الاستخباراتية وتوفير الأمن في مدينة بنغازي.

وأوضح مسؤولون على إطلاع بالمعلومات الاستخباراتية أن الجهد الأميركي في بنغازي كان في الأساس عملية تخصّ السي آي إيه. حيث تبين أن من بين المسؤولين الأميركيين الذين تم ترحيلهم من بنغازي عقب الهجوم، والذين يزيد عددهم على 30، كان هناك 7 فقط يعملون لمصلحة وزارة الخارجية، بينما كان المتبقون يعملون تقريباً مع السي آي إيه، تحت غطاء دبلوماسي، وهو ما كان هدفاً رئيساً للقنصلية.

جاءت تلك الهجمات التي تعرّضت لها البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي لتثير عش الدبابير السياسي بخصوص ما إن كانت الإدارة الأميركية تقوم بتوفير إجراءات أمنية كافية، وما إن كانت ماضية في تقويمها لما حدث. ومع قرب الانتخابات، بدا واضحاً أن تلك التطورات ستلقي بظلالها على سجل أوباما الخاص بالسياسة الخارجية.

ورأت في هذا الإطار صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن الدور السرّي الذي كانت تقوم به السي آي إيه يساعد على تفسير الأسباب التي جعلت الحالة الأمنية تبدو غير كافية عند مقر البعثة الدبلوماسية الأميركية. وأضافت الصحيفة أن نطاق دور السي آي إيه في بنغازي، والدور المركزي الذي لعبته الوكالة في متابعة الهجوم والمرحلة الذي تلته، جاء ليلقي الضوء على بيتريوس الذي تولى المهمة في العام الماضي.

وكان من اللافت كذلك عدم حضور بيتريوس الجنازة التي أقيمت في وقت لاحق لاثنين من مقاولي السي آي إيه، ما أثار غضب بعض مسؤولي الإدارة ومخضرمي السي آي إيه.

بالاتساق مع العمليات والأنشطة التي كانت تقوم بها الوكالة هناك، نقلت الصحيفة عن مسؤولين ليبيين قولهم إنهم لم يكونوا على دراية بما كانت تفعله الوكالة في مدينة بنغازي. وفي أعقاب الهجوم، بدأت تثار العديد من التساؤلات داخل الإدارة الأميركية وفي الكونغرس بخصوص دور بيتريوس في الرد والتعامل مع ذلك الهجوم.