يفضل أرباب العمل توظيف العمالة الأجنبية لأنها أقل كلفة من الوطنية، لكن هذه العمالة تعمل في وظائف لا يرغب فيها العراقيون، تمنعهم منها ثقافة العيب. وعلى الرغم من ذلك، يغضبون منها وتريد الحكومة ترحيلها.


في الوقت الذي يجد فيه البنغالي رياض واحد أن سعادته اكتملت بحصوله على عمل في مطعم في منطقة الشيخ عمر في بغداد، الا أنه بدأ يشعر أن مبلغ مئتي دولار الذي يتقاضاه شهريًا لم يعد يكفيه، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة في العراق، على الرغم من أن رب العمل يوفر له سكنًا مجانيًا حيث يعمل.

بالإضافة إلى الراتب القليل، يواجه واحد تحديًا آخر، وهو عدم تجديد الاقامة له بسبب قوانين العمل الجديدة، على الرغم من أن الحكومة العراقية وافقت في أيلول (سبتمبر) الماضي على دخول العمال الأجانب العاملين في الشركات الأجنبية المتعاقدة مع الحكومة إلى العراق، من دون إنتظار صدور إجازات العمل من وزارة العمل والشؤون الإجتماعية.

باقٍ لا تثنيه الصعوبات

مضى على واحد نحو ثلاث سنوات في العراق، شهد خلالها بعض الاحداث الاليمة، لكنه مازال متمسكًا بالبقاء في البلاد، quot;لأن العراقيين يعاملونني معاملة طيبة، ساعدوني ووفروا لي المأكل والمسكن حين كنت بلا عملquot;.

وعلى الرغم من انتشار البطالة في العراق، إذ بلغت نسبتها نحو 16 في المئة بحسب إعلان وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي في العام 2012، الا أن الايدي العاملة الاجنبية وجدت فرص عمل لها كثيرة في مختلف المجالات، لا سيما في قطاع الخدمات، بسبب انخفاض تكاليفها مقارنة بالأيدي العاملة المحلية.

إلى ذلك، لا تتهيّب الايدي العاملة الاجنبية العمل في مختلف المجالات، لا سيما في تلك التي ينأى العراقيون عنها بأنفسهم، مثل خدمة المطاعم وتنظيف الشوارع والمرافق الصحية.

اندماج وطاعة

تعلّم واحد اللهجة العراقية وأتقن التعامل مع الآخرين من خلالها، مثله مثل أترابه من أبناء وطنه، وهم كثر يعملون في العراق من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. وعمر عبد المؤمن بنغالي آخر يعمل في التنظيف في أحد فنادق بغداد. يقول: quot;ساعات العمل طويلة والدخل قليل، لكنه عمل يوفر لي قوتي اليومي وسكني، وهذا أمر مهم جدًاquot;.

وعلى الرغم من أن قوانين العمل العراقية الجديدة لا تتيح للعامل تجديد إقامته بصورة تلقائية، إلا أن عمر يأمل ذلك كما وعده رب العمل. يقول سعد الزبيدي، وهو صاحب مطعم، إن توظيف ثلاثة عمال من سريلانكا أتاح له تطوير عمله، مؤكدًا أن قدرة هؤلاء على الاندماج في المجتمع جيدة، لا سيما أنهم عمال مطيعون لا يفرضون شروط عمل باهظة التكاليف.

ثلاثة ملايين مصري

منذ العام 2003، وفد إلى العراق آلاف العمال الأجانب، بصورة فردية أو بموجب عقود مع الشركات الخاصة التي دخلت إلى البلاد. لكن فترة التسعينيات شهدت انحسارًا للعمالة الاجنبية في العراق، بعدما اكتظ بها العراق منذ نهاية السبعينيات، حيث وفد إلى العراق الملايين من العمال العرب والأجانب.

يرى الخبير الاقتصادي جعفر حسين أن الاقتصاد العراقي خلال فترة الحرب العراقية الايرانية (1980 - 1988) اعتمد على الاجانب كعمالة تدير متطلبات الانتاج في الداخل، في وقت تركت فيه الايدي العاملة المحلية اعمالها للمشاركة في القتال. ومع نهاية الحرب، اتبعت الدولة سياسات اجبرت العمالة الاجنبية على الرحيل.

أبرز عمالة كانت في العراق هي المصرية التي بلغت ثلاثة ملايين عامل خلال سنوات الحرب مع ايران. وبحسب حسين، لا احصاءات معلنة حول عدد العمال الاجانب في العراق، بسبب عدم اعتماد سياسة واضحة ومخطط لها في هذا المجال بعد العام 2003، لكنه يرى أن أعداد العمالة الاجنبية في كردستان تبلغ الآن أضعاف الموجودة في وسط العراق وجنوبه.

ثقافة العيب

يقول أحمد فاروق، وهو صاحب مكتب لاستقدام العمال، إن غالبية أصحاب المعامل والمطاعم والقطاعات الخدمية يرغبون في العمالة الاجنبية، لا سيما الهنود والبنغال والفيلبينيين، بسبب انخفاض تكلفتها التشغيلية.

يتابع: quot;اتوقع أن يرتفع عدد العمالة الأجنبية في العراق، على الرغم من ارتفاع نسب البطالة، لا سيما بين الشباب العراقيين، ومن المؤكد أن الكثير من المهن والوظائف لا يرغب الشباب العراقي فيها، وهذا هو السبب الذي يجذب اصحاب المشاريع إلى الايدي العاملة الاجنبيةquot;.

في خط موازٍ، يشدد الخبير الاقتصادي احمد هاتف على ضرورة استقدام عمالة ذات خبرة، quot;تساهم في التنمية والاعمار لأن اغلب العمالة الموجودة الآن غير ماهرة وينحصر عملها في الخدماتquot;.

لكن لماذا يأنف العراقي العاطل عن القيام بالكثير من الاعمال التي يشتغلها الاجانب. يجيب الباحث الاجتماعي سعيد الجبوري بقوله إن الكثير من العادات والتقاليد تصنف هذه الأعمال ضمن ثقافة العيب. ويضرب الجبوري مثلا في القطاع الصحي، اذ تأبى المرأة العراقية العمل ممرضة او عاملة في المستشفى، ما استدعى التعاقد مع نساء آسيويات لسد النقص.

غير ماهرة

على الرغم من الإيجابية التي يبديها أرباب العمل حول الايدي العاملة الاجنبية الرخيصة، فإن الجهات المختصة تصنفهم أيدي عاملة غير ماهرة يتوجب عليهم المغادرة. وكانت وزارة العمل العراقية قد قررت في وقت سابق طرد العمالة البنغالية من العراق، لأنها عمالة غير ماهرة ولا تحتاجها، فضلًا عن أنها دخلت العراق بصورة غير مشروعة.

يتحدث كريم الطائي، صاحب معمل إعادة تدوير النفايات البلاستيكية، عن عدم قدرته على العثور على أيدٍ عاملة مناسبة و رخيصة ومطيعة، الا عبر التوجه إلى مكاتب العمل بغية توظيف عمال بنغال. وهو يمنح الطائي العامل راتبًا يعادل 250 دولارًا، إضافة إلى السكن والطعام. لكن رب العمل قدوري يقر باستحالة تشغيل الايدي العاملة المحلية في المرافق التي يديرها العمال الاجانب، ليس بسبب الفارق في الرواتب فحسب، وإنما بسبب التقاليد الدينية والاجتماعية أيضًا.

فرص إسلامية

يرى العامل البنغالي رضا مولى أن فرص عمل العمالة المسلمة في العراق أفضل من نسبتها بين الجنسيات الاخرى غير المسلمة، اذ لا يشعر العامل المسلم بالغربة في المحيط العراقي، بسبب الطبيعة المحافظة للمجتمع التي تتلاءم مع عاداته وتقاليده ومعتقداته. يضيف: quot;أكثر العمال البنغال والهنود المسلمين يذهبون إلى الجوامع لأداء الفرائض الدينية، ما يساهم في حسن اندماجهم في المجتمعquot;.

وتشير الاستطلاعات إلى أن اغلب العمال في الدول الاسلامية الفقيرة يرغبون في العمل في العراق والخليج ودول اسلامية اخرى، لأن ذلك يجعل فرصة عملهم في تلك البلدان اكبر، إضافة إلى أن الصعوبات أقل مما لو عملوا في بلدان غير إسلامية.

يقول حسام الدين مصطفى، وهو صاحب مكتب عمل، إن قطاع الخادمات متخم بالعمالة الوافدة quot;ولا يمكن أن نجد نساءً عراقيات يرغبن بالعمل في هذا القطاع، ما يجعل من الاستغناء عن العمالة الوافدة أمرًا مستحيلاًquot;.

أقل كلفة

هذه الاسباب لم تقنع كثيرين من العاطلين عن العمل في العراق، بل أثار وجود عمالة اجنبية في العراق حنقهم بينما هم يبحثون عن العمل بكل جد.

سمير محمد، عمل في شركة بناء تركية اسمها شركة (أم أن آر) لعدة اشهر، لكنه اضطر إلى ترك عمله حين فضلت هذه الشركة توظيف عمالة أجنبية أرخص، على الرغم من قلة خبرتها.

وتعتمد اغلب الشركات الاجنبية المستثمرة في العراق على الكادر الاجنبي من الايدي العاملة الماهرة أو غير الماهرة الرخيصة في انجاز مشاريعها، مقارنة بالنسبة القليلة من العمال العراقيين الذين يعملون لديها.