بعد قطع خدمات الانترنت والاتصالات في سوريا، صارع الثوار لمقاومة هذا التعتيم وإثبات قدراتهم على التواصل من خلال تكنولوجيا الأقمار الصناعية، فأصبح برنامج quot;سكايبquot; على هواتفهم أحد أهم مكونات الثورة.


لميس فرحات من بيروت: رد الثوار السوريون على قطع الاتصالات بالانتقال إلى تكنولوجيا الأقمار الصناعية من أجل التنسيق داخل البلاد والتواصل مع الناشطين في الخارج.

تبادل الثوار ونظام الرئيس بشار الأسد الاتهامات حول مسؤولية انقطاع الاتصالات يوم الخميس الماضي، فالحكومة ألقت باللوم على هجمات الثوار التي أدت إلى قطع كابلات رئيسية، بينما اتهم النشطاء بدورهم النظام الذي يهدف إلى تضييق الخناق على الثوار.

خطوة مرتقبة

المعارضة التي نجحت في التعامل مع الانقطاعات المنتظمة في الكهرباء منذ بداية الثورة، كانت تترقب الإقدام على خطوة إغلاق شركات الإنترنت السورية، وبالتالي استعدت لهذه المرحلة من خلال تهريب معدات الاتصالات مثل أجهزة الهاتف النقال والهواتف المتصلة بالأقمار الصناعية.

يقول الناشط براء عبد الرحمن (27 عامًا) من بلدة سقبا في ضواحي دمشق: quot;نحن مجهزون تجهيزاً جيداً للغايةquot;، مشيراً إلى أنه على اتصال بخبير في حمص ساعده على تجهيز الاتصالات في مكتبه إضافة إلى 10 مكاتب أخرى داخل دمشق وحولها.

هذه الشبكة التي وضعها عبد الرحمن ورفاقه سهلت التواصل بينهم، فالنشطاء في سقبا يتحدثون مع مقاتلي الثوار عبر برنامج quot;سكايبquot; وينقلون إلى زملائهم في الخارج تفاصيل الصدامات والاشتباكات مع قوات النظام.

اعتمد الثوار على الانترنت لنقل أحداث ثورتهم إلى العالم، ووضعوا احتياطات تمكنهم من الاستمرار في مهمتهم على الرغم من التعتيم الرسمي.

أظهر تسجيل فيديو غرفة بسيطة يحتمي بها بعض الثوار، و4 بطاريات احتياطية يمكنها تشغيل جهاز كومبيوتر محمول لمدة 8 ساعات، إضافة إلى مولد كهربائي تم وضعه فوق شرفة مرتفعة من أجل تأمين استمرار خدمة الانترنت.

سكايب في خدمتكم !

منذ أشهر، بدأ الثوار الذين يقاتلون من أجل إسقاط الرئيس بشار الأسد باستخدام برنامج quot;سكايبquot; للتواصل الفردي عبر الإنترنت، واستغلوا هذه الشبكة من أجل التنظيم والتحدث مع المؤسسات الإخبارية في الخارج ومع الناشطين أيضاً.

منذ بضعة أيام، بعث الناشط جاد اليماني من حمص رسالة إلى المقاتلين الثوار يحذرهم فيها من تحرك بعض الدبابات باتجاه إحدى نقاط التفتيش التابعة للنظام، كما أخبر المقاتلين الآخرين بذلك كي يتمكنوا من مراقبة نقطة التفتيش.

يقول اليماني: quot;أنت تعرف من خلال برنامج سكايب كيف يتحرك الجيش أو كيف يمكنك إيقافهquot;.

بعد يوم من انقطاع الاتصالات في سوريا، استخدم داوود سليمان (39 عاماً)، وهو عضو في quot;كتائب أحرار الشامquot; التابعة للجيش السوري الحر، برنامج quot;سكايبquot; في التواصل مع أعضاء آخرين بجماعة الثوار التي ينتمي إليها كانوا متمركزين في قاعدة quot;وادي الضيفquot; العسكرية التابعة للنظام في محافظة إدلب.

وذكر سليمان، الذي يعيش في تركيا، أن الجيش السوري الحر توقف منذ أشهر عن استعمال شبكات الهواتف الجوالة والخطوط الأرضية وأصبح يعتمد بالكامل تقريباً على برنامج quot;سكايبquot; بدلاً منها، مضيفاً: quot;أفراد الكتائب يتواصلون عبر الأجهزة الجوالةquot;.

واستخدم الثوار quot;سكايبquot; هذا الأسبوع، لإرسال تعميم على النشطاء من أجل إلقاء القبض على رئيس الاستخبارات في إدلب المتهم بقتل 5 من الثوار، وذكرت الرسالة: quot;سوف تقدم مكافأة مالية كبيرة لأي شخص يحضر رأس ذلك الرجل، وهذا المبلغ تبرع به واحد من إخواننا في الخارجquot;.

من تويتر إلى سكايب

وإذا كانت الثورة في كل من تونس ومصر قد اعتبرت quot;ثورة تويترquot;، فإن الثورة في سوريا في طريقها إلى أن تصبح quot;ثورة سكايبquot;، فمن أجل الالتفاف حول قطع الاتصال بالإنترنت في جميع أنحاء البلاد تقريباً، قام الثوار بتسليح أنفسهم بالهواتف الجوالة المتصلة بالأقمار الصناعية وأجهزة المودم الهاتفية.

وفي كثير من الحالات، يقوم أقارب ومؤيدون خارج سوريا بشراء المعدات وتدبير أمر تهريبها إلى الداخل، ويتم ذلك في الغالب عن طريق لبنان وتركيا.

وقد سمحت تلك المعدات للثوار بالاستمرار في التواصل معتمدين بالكامل تقريباً على برنامج quot;سكايبquot; على الرغم من قطع الاتصال بالإنترنت.

تقنية متطوّرة

وذكر ديفيد كلينش، وهو مدير تحرير في مؤسسة quot;ستوري فولquot; وهي جماعة متخصصة في التحقق مما يتم إرساله عبر وسائل الإعلام الاجتماعي لحساب المؤسسات الإخبارية، إنه لم يلاحظ أي انقطاع في الطريقة التي يتم بها استخدام برنامج سكايب.

امتنع الأسد عن التعرض لخدمة الإنترنت في البلاد طوال مدة الصراع الدائر منذ 20 شهراً مع الثوار، لكن يبدو أن النظام قد تخلّى عن هذه الاستراتيجية يوم الخميس الماضي، حين فقد معظم المواطنين إمكانية الدخول على الإنترنت، وإن كان بعض السوريين ما زال باستطاعتهم الاستفادة من هذه الخدمة من الشبكات التركية.

حرب التكنولوجيا

وقال المسؤولون السوريون إن سبب هذا الانقطاع يعود إلى مشكلات فنية، إلا أن هذا الانقطاع لا يعدو أن يكون أحدث تكتيك في حرب التكنولوجيا التي تستعر في بلدان الربيع العربي.

غير أن العديد من خبراء التكنولوجيا حذروا من استخدام الثوار في سوريا للإنترنت، حتى أولئك الذين يعتمدون على برنامج quot;سكايبquot;، لأنه قد يكون عرضة للمراقبة من قبل النظام.

نجح نظام الأسد خلال الأشهر الأخيرة، بمساعدة من إيران في الغالب، في تطوير أدوات لتثبيت برمجيات ضارة على أجهزة الكومبيوتر تسمح للمسؤولين برصد نشاط المستخدمين.

يقول رونالد دايبرت، مدير مؤسسة quot;سيتيزن لابquot;، وهي مؤسسة بحثية تابعة لجامعة تورونتو التي تتولى رصد قضايا حقوق الإنسان وأمن الإنترنت: quot;لقد تحول برنامج (سكايب) إلى الأداة الأوسع استخداماً من جانب الناشطين الحقوقيين، لكني أنصحهم بعدم استخدامه لأنه مكشوف وقابل للاختراق والمراقبةquot;.

quot;استخدام الهواتف المتصلة بالأقمار الصناعية ربما يجعل برنامج سكايب أكثر خطورة، نظراً إلى أن هذا يزيد من سهولة تعقب موقع المستخدمquot;، تقول إيفا غالبيرين من quot;مؤسسة الحدود الإلكترونيةquot; في سان فرانسيسكو، مشيرة إلى أن النظام السوري quot;انتقل من المراقبة السلبية إلى المراقبة الأكثر فعالية عن طريق الدخول إلى أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالمنشقين وأفراد المعارضةquot;.

ويقول العديد من الناشطين إن قوات الأسد بفحص أجهزة الكومبيوتر المحمولة بحثاً عن برامج تسمح للمستخدمين بتجنب برمجيات التجسس التي يطلقها النظام، وذلك عند نقاط التفتيش في المناطق التي يسيطر عليها النظام وفي المقاهي التي يتوافر فيها اتصال بالإنترنت.

وصرّح شايم هاس، المتحدث باسم شركة quot;سكايبquot; أن المكالمات التي تتم عبر هذه الخدمة بين أجهزة الكومبيوتر والهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة المحمولة يتم تشفيرها أوتوماتيكياً، لكن quot;تماماً كما يمكن أن يتعرض البريد الإلكتروني وخدمة الرسائل الفورية لتهديد برمجيات التجسس والفيروسات، فإن الأمر ذاته يمكن أن يحدث مع برنامج سكايبquot;.