موسكو: في كانون الاول (ديسمبر) 2011 شهدت موسكو موجة احتجاجات غير مسبوقة مع تجمع نحو مائة الف متظاهر في شوارع العاصمة ضد رجل روسيا القوي فلاديمير بوتين. لكن بعد عام يبدو وكأن صوت هذه الحركة قد خف كثيرا بسبب القمع وتشرذم المعارضة.

وقال الكاتب بوريس اكونين، احد قادة المعارضة، ان quot;حركة الاحتجاج لم تنته، لكنها انتقلت من مرحلة تفجر الى مرحلة مزمنةquot;.

وفي حدث اثار الدهشة، احتشد الالاف من ابناء موسكو في الخامس من كانون الاول (ديسمبر) الماضي احتجاجا على تزوير الانتخابات التشريعية وذلك غداة فوز حزب بوتين في هذه الانتخابات بحوالى 50%.

ولم تكن المعارضة قد حشدت قبل ذلك سوى بضع مئات من المتظاهرين الذين سرعان ما كانوا يتفرقون او تعتقلهم قوات الامن.

وفي 24 كانون الاول (ديسمبر)، نزل مائة الف متظاهر الى الشوارع احتجاجا على بوتين الذي كان انذاك رئيسا للوزراء، في اكبر تجمع تشهده موسكو منذ بداية تسعينات القرن الماضي. وللمرة الاولى بدا وكأن المعارضة تشكل تهديدا للكرملين.

لكن بعد مرور عام خمدت جذوة الحماسة حيث لم تشهد التظاهرات الاخيرة حشدا كبيرا.

وقال الصحافي المعارض سيرغي برخومينكو quot;اهم شيء ان الكثير من الناس ادركوا ان السياسة تعنيهم مباشرة. وهذا شيء جديد في روسيا التي لم تكن شهدت مثل هذا الحدث منذ بداية التسعيناتquot;.

واضاف اكونين ردا على سؤال لوكالة فرانس برس quot;ستاخذ الامور بعض الوقت مع التطور ببطء لكن الاستبداد في روسيا مرفوضquot;.

ويرى الخبير السياسي ليونيد راجيكوفسكي، الاكثر انتقادا، ان quot;حركة الاحتجاج عادت الى نقطة البداية، اي الانترنت، والمعارضة غير قادرة على تجييش الاستياء الشعبي مجدداquot;.

وكثيرا ما توجه انتقادات حادة لحالة التشرذم التي تعيشها المعارضة التي تضم خليطا من اقصى اليمين الى اقصى اليسار مرورا بالليبراليين وايضا لعجزها عن تبني برنامجا سياسيا حقيقيا.

من جهتها ردت السلطات بحزم على حركة الاحتجاج مع توقيف المئات من المتظاهرين واعتقال وسجن العشرات منهم حيث يواجه بعضهم عقوبة الايداع في معسكرات عمل لسنوات بتهمة quot;الاشتراك في اضطرابات مكثفةquot;.

ويواجه اليوم ثلاثة من زعماء المعارضة التهديد بالحبس: بطل العالم السابق للشطرنج غاري كاسباروف المتهم بانه عض رجل شرطة والمهدد بالاعتقال لمدة خمس سنوات، وسيرغي اودالتسوف زعيم جبهة اليسار المهدد بعشر سنوات بتهمة quot;الاعداد لاثارة اضطرابات مكثفةquot;، والمحامي المناهض للفساد الكسي نافاني الذي يواجه المصير نفسه لاتهامه بquot;اختلاس اموالquot;.

اما النائب غينادي غودكوف وهو من القلة في الدوما (مجلس النواب) الذين انحازوا الى المتظاهرين، فقد حرم في ايلول (سبتمبر) الماضي من ولايته النيابية لاتهامه بممارسة quot;انشطة تجارية لا تتفق مع وضعهquot; كنائب.

من جهة اخرى، اعتمد البرلمان في الاشهر الاخيرة عدة قوانين نددت بها المعارضة، اذ يرغم احدها المنظمات غير الحكومية التي تحصل على دعم خارجي على اعلان نفسها quot;عناصر للخارجquot; فيما يوسع اخر بصورة مبهمة تعريفي الخيانة والتجسس، وثالث يعزز العقوبات في حال وقوع حوادث خلال التظاهرات.

والجديد فرار العديد من المعارضين من روسيا وطلب اللجوء السياسي سواء في استونيا، اوكرانيا او هولندا.

واكد احدهم وهو ليونيد رازفوزييف المعتقل حاليا في موسكو انه خطف من كييف التي هرب اليها طلبا للجوء السياسي واعيد قسرا الى روسيا بعد تعرضه للتعذيب وتهديده بالموت.

وقال الخبير السياسي ديمتري اوريشكين ان quot;السلطات اظهرت ان التظاهرات المشروعة في الشارع غير فاعلةquot;، متوقعا ان quot;يسعى الناس الى ايجاد اشكال اخرى للتعبير: العصيان، التطرف او استراتيجيات جديدةquot;.

ويرى الكاتب بوريس اكونين ان quot;المعارضة لم تنجح في اخافة النظام ليدرك ضرورة اصلاح نفسه لضمان بقائهquot;.

واعيد انتخاب فلاديمير بوتين الذي اتهم المعارضة بالحصول على تمويل من الخارج والاعداد لقلب النظام بالقوة، رئيسا في اذار (مارس) الماضي لست سنوات. ويمكن ان يتقدم لولاية اخرى ليبقى بذلك في الحكم حتى العام 2024.

وكان بوتين تولى الرئاسة لولايتين من اربع سنوات من 2000 الى 2008 ثم تولى منصب رئيس الوزراء لاربع سنوات نظرا لان الدستور لا يسمح له باكثر من ولايتين رئاسيتين على التوالي.