اكد دبلوماسيون اسرائيليون أن الحكومة الإسرائيلية خسرت كثيراً عندما اتخذت قرارات عقابية ضد الفلسطينيين بعد حصولهم على مقعد دولة مراقب لدى الامم المتحدة، وقال الدبلوماسيون السابقون إن العالم بات ينظر الى اسرائيل على أنها دولة تثير الازمات، ولا تستمع لأصوات المجتمع الدولي وتستخف به.

خرج دبلوماسيون اسرائيليون سابقون عن صمتهم، حينما ابدوا اعتراضاً على قرارات الحكومة الإسرائيلية، الرامية الى بناء ما يربو على 3000 وحدة استيطانية في المنطقة المعروفة بـ E1، واتخاذ قرارات عقابية ضد السلطة الفلسطينية، رداً على حصول الفلسطينيين على مقعد دولة مراقب في الامم المتحدة.

اللعب بالنار الدبلوماسية
وقال الدبلوماسيون الاسرائيليون في احاديث منفصلة مع صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية، إن اسرائيل خسرت باتخاذها قرارات احادية الجانب، واثارت ضدها العديد من ردود الافعال الغاضبة في المجتمع الدولي خاصة الدول الاوروبية، واوضحت الكوادر الدبلوماسية الاسرائيلية: quot;نحن نلعب بالنار الدبلوماسية، إذ ان أي تصرف احادي الجانب تتخذه اسرائيل هو بمثابة خلق صدام مع المجتمع الدوليquot;.
من جانبه، قال مدير عام الخارجية الاسرائيلية السابق البروفيسور quot;الون لئيلquot;، إنه بعد يوم طويل، تم خلاله استدعاء خمسة سفراء اسرائيليين في دول اوروبية، لتقديم ايضاحات حول القرار الاسرائيلي الجديد، وادانة الولايات المتحدة عينها لتلك الخطوة الاستفزازية، يبدو أنه طرأ تحول لقواعد اللعبة الدولية منذ اعتراف المجتمع الدولي بفلسطين دولة غير عضو في الامم المتحدة.
واشار الدبلوماسي الاسرائيلي السابق الى quot;أنه في الوقت الذي اقنعنا نفسنا زيفاً بأن حصول الفلسطينيين على مقعد مراقب في المنظمة الاممية مجرد خطوة رمزية، وأن ذلك لا يتعارض مع قيامنا بإجراءات احادية الجانب ضد الفلسطينيين، رأى العالم الامور بصورة أخرى، وبدا اعتراض العالم للمرة الاولى بهذا الاجماع على بناء مستوطنات على ارض دولة أخرىquot;.
وبعبارة اخرى، اكد الدبلوماسي الاسرائيلي السابق، أن العالم لم يعد يتعامل مع الفلسطينيين بأنهم مجرد كيان هلامي، وانما بات يتعامل معهم على انهم دولة ذات سيادة ويُحظر المساس بتلك السيادة، خاصة أن اغلبية دول العالم اعترفت بها في الامم المتحدة، فكان من اللازم أن لا تقلل اسرائيل من قيام الفلسطينيين بتلك الخطوة.
وفي اعقاب رد الفعل الدولي على مواصلة اسرائيل سياستها الاستيطانية في القدس، يؤكد الدبلوماسي الاسرائيلي quot;الون لئيلquot; quot;أن المجتمع الدولي اضحى يتعامل مع اسرائيل بعد قراراتها الاخيرة على أنها تستخف بالمجتمع الدولي، كما لو أنه لم يحدث اي شيء خلال الايام القليلة الماضية في الامم المتحدة، فإسرائيل بقراراتها الاخيرة جلبت على نفسها سخطاً بالغاً، خاصة لدى اصدقائها قبل الدول الاخرى، بالاضافة الى أن اسرائيل لم تحفظ جميل الدول التي تعارض قراراتها حالياً، حينما وقفت الى جانب اسرائيل في الامم المتحدة ضد حركة حماسquot;.
اجراءات اكثر عُنفاً
ويستشرف السفير الاسرائيلي السابق المستقبل، مشيراً الى أن الايام القادمة ستحمل من المجتمع الدولي اجراءات اكثر عنفاً حيال اسرائيل، وعلى حد قوله: quot;لن تصطدم دول العالم مع اسرائيل بشكل مباشر، ولكننا سنواجه في غضون ستة اشهر أو عام على الاكثر دائرة جديدة في الامم المتحدة، يتم خلالها الاعتراف الكامل بالفلسطينيين، ويبدو حالياً أن هناك دولاً عدةفي مجلس الامن الدولي، تعكف على تقديم اقتراح بذلك، وسيكون لهذا الاقتراح دعم غير مسبوق في مجلس الامن، وليس من المؤكد أن الولايات المتحدة ستتمكن من استخدام الفيتو ضد الاقتراح في هذه المرة، وحتى اذا استخدم الاميركيون حق الفيتو، فستضعهم اسرائيل حينئذ في ورطة وموقف حرج للغاية امام المجتمع الدوليquot;.
رئيس شعبة الحكومة والسياسات في جامعة تل ابيب، البروفيسور quot;يوسي شيينquot;، لم يخالف الرأي الاخير، وزاد عليه أن اسرائيل حققت وبتوفيق كبير فشلاً كبيراً، واضاف: quot;ما نراه حالياً هو عملية اوروبية مناهضة لاسرائيل هي الاولى من نوعها، غير أنه ليس من الواضح ما يمكن الاتفاق عليه بين اسرائيل واوروبا خلف كواليس المشهد والتصريحات المعلنةquot;.
واكد البروفيسور شيين أنها تقف على اعتاب ازمة دبلوماسية، ولن يمكنها ذلك من المضي قُدماً في تبني تلك السياسة، خاصة أن التحديات والتهديدات المستقبلية التي ستواجهها، تجعلها في حاجة ماسة الى دعم واسع من المجتمع الدولي. ولم يستبعد البروفيسور الاسرائيلي ان تقود رود الفعل الاوروبية الغاضبة الى ادانة واسعة لاي نشاط تقوم به اسرائيل في المستقبل القريب او البعيد داخل الاراضي الفلسطينية.
البروفيسور شيين، الذي يعمل محاضراً في قسم العلاقات الدولية بجامعة جورج تاون الاميركية، اعرب عن اعتقاده بأن رد الفعل الاوروبي، جاء في وقت يسود الاعتقاد خلال السنوات الاخيرة، بأن اسرائيل دولة تثير الازمات، ولا تستمع لاصوات المجتمع الدولي، الامر الذي يعطي مبرراً للعالم بالمساس باسرائيل مستقبلاً أو في الوقت الراهن.

العقاب كعمل دبلوماسي
واضاف شيين: quot;تسببت سياسة اسرائيل quot;الصبيانية quot;في انتفاضة الاوروبيين والاميركيين ضدها، خاصة أن الدولة العبرية باتت تتبنى استراتيجية quot;العقاب كعمل دبلوماسيquot;، دونما تكون لذلك أية علاقة بالقضايا الجوهرية لاهداف اسرائيل، ومن دون أن تضع رؤية سياسية واضحة لانهاء النزاع، فالعالم بات يتعامل مع اسرائيل كدولة رافضة للسلام، وأنها تتحدث عن رؤية دولتين لكلا الشعبين، دون أن تفعل شيئاً لتنفيذ تلك الرؤية على ارض الواقعquot;.
ويعتقد البروفيسور شيين أن اسرائيل لن تستطيع مواصلة وضع سفراء الدول على مقاعد منخفضة خلال اللقاء الخاصة، كما حدث مع سفير تركيا لدى اسرائيل، فلم تفتقد الدولة العبرية الحد الادنى للدبلوماسية فقط، وانما خسرت ايضاً المباحثات التحريضية ضد الفلسطينيين، الذين وصل التعاطف مع ضعفهم الى اقصى مداه لاعلان دولتهم المستقلة، كما منحت السياسة الاسرائيلية الفلسطينيين فرصة للحصول على حقوق، كانوا على استعداد للتنازل عنها املاً في التوصل الى تسوية، وانهاء النزاع المحتدم منذ عشرات السنين.
شيمعون شتاين الذي شغل منصب سفير اسرائيل لدى برلين في الفترة ما بين 2001 حتى 2008، فاعرب من جانبه عن اعتقاده بأن اسرائيل فوجئت بالانتقادات اللاذعة التي وجهت لها، وعلى حد قوله: quot;يتضح من ردود فعل دوائر حكومية، ومستويات عمل في وزارة الخارجية الاسرائيلية، أن حكومة نتانياهو لم تتوقع رد الفعل العنيف من دول صديقة مثل فرنسا وبريطانيا والمانيا، خاصة أن اسرائيل اتبعت سياسة الاستيطان في السابق، ولم تواجه برد فعل دولي مماثل للردود الحالية، وكانت في حينه تتعامل بمنطق quot;الذئاب تعوي والقافلة تسيرquot;.
شتاين الذي يعمل اليوم باحثاً كبيراً في مركز دراسات الامن القومي الاسرائيلي، قال إن اسرائيل لم تتوقع أن يكون رد الفعل الدولي على سياستها الاستيطانية مختلفاً عن الماضي، الا أن رد الفعل الدولي الاخير ربما جاء بعد دراسة وقرارات تم تأجيلها في الماضي، وكانت اسرائيل quot;الرسميةquot; على يقين بأن احداث الربيع العربي والملف النووي الايراني، ربما سيغضان طرف المجتمع الدولي عن ردود فعل ضد قضايا اقل اهمية من وجهة نظر اسرائيلية مثل الاستيطان.