عندما منحت الولايات المتحدة ضوءا أخضر لقطر من أجل إيصال أسلحة إلى الثوار الليبيين، كانت الدوحة توصل شحنات إلى مقاتلين إسلاميين، الأمر الذي رفضته أميركا لكنها لم تمنعه.

أعطت إدارة أوباما العام الماضي ضوءًا سريّا أخضر لإرسال شحنات سلاح الى الثوار الليبيين من قطر، ولكن القلق انتاب الأميركيين عندما أخذت أدلة متزايدة تظهر على أن قطر تسلم بعض الأسلحة الى متطرفين إسلاميين ، كما افاد مسؤولون اميركيون ودبلوماسيون أجانب.
ولم تظهر أدلة تربط الأسلحة التي قدمها القطريون خلال الانتفاضة الليبية ضد العقيد معمر القذافي بالهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي في ايلول/سبتمبر الماضي ومقتل اربعة اميركيين. ولكن إدارة اوباما كانت قلقة على نحو واضح في الأشهر التي سبقت الهجوم من نتائج يدها الخفية في المساعدة على تسليح متطرفين ليبيين ، وهي مخاوف لم تشر اليها التقارير في السابق. وبحسب المسؤولين الاميركيين، فإن أسلحة قطر وأموالها أدت الى تقوية مجموعات متطرفة وتحول هذه الجماعات الى عامل عدم استقرار منذ سقوط نظام القذافي.
واكتسبت خبرة الولايات المتحدة في ليبيا طابعا أشد إلحاحا في وقت تتدارس إدارة اوباما القيام بدور مباشر في تسليح مقاتلي المعارضة في سوريا التي يتدفق عليها السلاح من قطر وبلدان أخرى.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين اميركيين سابقين وحاليين ان ادارة اوباما لم تبد في البداية اعتراضات عندما شرعت قطر في إرسال السلاح الى فصائل معارضة في سوريا وان لم تكن تشجع عليها. ولكن المسؤولين اضافوا ان لدى الولايات المتحدة مخاوف متزايدة من قيام القطريين بتسليح متطرفين كما حدث في ليبيا.
وكانت لدى الولايات المتحدة اعداد صغيرة من عناصر وكالة المخابرات المركزية في ليبيا خلال الانتفاضة ولم تكن تمارس رقابة تُذكر على شحنات السلاح. وفي غضون اسابيع من الموافقة على خطة قطر لإرسال السلاح الى الثوار الليبيين في ربيع 2011 بدأ البيت الأبيض يتلقى تقارير بأن هذه الأسلحة تذهب الى مجموعات اسلامية متطرفة. وقال مسؤول سابق في وزارة الدفاع الاميركية عن هذه المجموعات quot;انها كانت أشدّ عداء للديمقراطية وأكثر تطرفا وأقرب الى نسخة متطرفة من الاسلامquot; بالمقارنة مع التحالف الرئيس لقوى المعارضة الليبية.
ويقول مراقبون ان المساعدة القطرية الى مقاتلين تنظر اليهم الولايات المتحدة على انهم معادون لها تبين المصاعب التي ما زالت تواجهها ادارة اوباما في التعامل مع انتفاضات الربيع العربي في مجرى محاولتها دعم حركات الاحتجاج الشعبية مع تفادي تورط الولايات المتحدة عسكريا. وان الاعتماد على وكلاء يتيح للولايات المتحدة إبقاء أصابعها بعيدة عن العمليات الميدانية ولكنه يعني ايضا ان نتائجها قد تتعارض مع المصالح الاميركية.
وقال ولي نصر المستشار السابق لوزارة الخارجية الاميركية وعميد كلية بول نيتشة للدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز quot;ان القيام بذلك على الوجه الصحيح يتطلب وجود استخبارات على الأرض quot;وان الاعتماد على بلد ليس فيه هذه الأشياء هو في الحقيقة بمثابة طيران أعمىquot;. وأضاف quot;أن العمل من خلال وسيط يفقدك السيطرةquot;.
وأكد نصر أن قطر ما كانت لتمضي قدما بشحن السلاح لو اعترضت عليها الولايات المتحدة ولكن مسؤولين حاليين وسابقين في إدارة اوباما قالوا ان واشنطن لم تكن لديها وقتذاك أدوات يُعتدّ بها للضغط على المسؤولين القطريين. وقال مسؤول رفيع سابق في وزارة الخارجية لصحيفة نيويورك تايمز ان القطريين quot;يسيرون على ايقاع طبلهمquot;. وامتنع البيت الأبيض ووزارة الخارجية عن التعليق.
وكان لاعبون من أصناف مختلفة سعوا الى مساعدة الثوار الليبيين ضد العقيد القذافي خلال الشهر الأول من الانتفاضة الليبية مدفوعين بأهداف سياسية أو منافع مادية ، بمن فيهم تاجر سلاح أميركي اقترح إرسال شحنات من السلاح عبر مراسلات الكترونية مع دبلوماسي اميركي قُتل لاحقا في بنغازي.
ولكن بعد أن قرر البيت الأبيض تشجيع قطر على ارسال السلاح الى المعارضة الليبية شكا الرئيس اوباما في نيسان/ابريل 2011 لأمير قطر من ان الدوحة لا تنسق نشاطها في ليبيا مع الولايات المتحدة ، كما قال المسؤولون الاميركيون. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول رفيع سابق في الادارة الاميركية مطلع على هذه الاتصالات quot;ان الرئيس نقل الى الأمير أننا نحتاج الى شفافية بشأن ما تفعله قطر في ليبياquot;.
وفي ذلك الوقت تقريبا، أعرب محمود جبريل رئيس وزراء المجلس الانتقالي الليبي حينذاك عن شعوره بالإحباط قائلا لمسؤولين أميركيين إن الولايات المتحدة تسمح لقطر بتسليح جماعات متطرفة تعارض القيادة الجديدة ، بحسب عدة مسؤولين أميركيين تحدثوا لصحيفة نيويورك تايمز طالبين عدم ذكر اسمائهم مثلهم مثل نحو 12 آخرين من مسؤولي البيت الأبيض والمسؤولين الدبلوماسيين والعسكريين والاستخباراتيين والأجانب الذين وافقوا على الحديث لأغراض هذا التقرير.
وقال مسؤولون ان الادارة لم تعرف قط أين كانت كل الأسلحة تذهب في ليبيا. ويُعتقد ان قطر شحنت جوا وبحرا اسلحة خفيفة بينها رشاشات وبنادق آلية وذخيرة طالبت بثمنها من الحكومة الليبية الجديدة. ونُقل بعض الأسلحة في هذه الأثناء من ليبيا الى متطرفين يرتبطون بتنظيم القاعدة في مالي حيث فرضت جماعات جهادية نسختها من الشريعة على الشمال ، كما قال مسؤول سابق في وزارة الدفاع الاميركية فيما ذهب البعض الآخر الى سوريا ، بحسب عدة مسؤولين اميركيين واجانب وتجار سلاح.
ورغم الغطاء الجوي الذي وفره حلف شمالي الأطلسي للثوار الليبيين فان ادارة اوباما كانت تريد ان تتجنب الانغماس في حرب أرضية كان المسؤولون الاميركيون يخشون ان تجر الولايات المتحدة الى مستنقع آخر في الشرق الأوسط ، على حد تعبير صحيفة نيويورك تايمز.
وبعد مناقشات جرت بين اعضاء مجلس الأمن القومي وافقت ادارة اوباما في النهاية على شحنات السلاح القطرية ، بحسب مسؤولين سابقين في الادارة مطلعين على هذه النقاشات.
وقالت مصادر مطلعة على طبيعة هذه الشحنات ان قطر ارسلت اسلحة مصنوعة خارج الولايات المتحدة بينها اسلحة فرنسية وروسية.
ولكن دعم الولايات المتحدة لشحنات السلاح ما كان ليبقى سريا بالكامل ولا سيما انه كان يتعين تنبيه قوات الأطلسي الجوية والبحرية الى عدم اعتراض طائرات النقل وسفن الشحن التي كانت تحمل السلاح الى ليبيا قادمة من قطر ، كما قال مسؤولون اميركيون.
وكشف مسؤولون آخرون ان واشنطن سرعان ما بدأت تشعر بالقلق من الجماعات التي تدعمها قطر. واستأثرت مناقشة ما يجب عمله إزاء شحنات السلاح بأعمال اجتماع واحد على الأقل عقدته ما تُسمى quot;لجنة النوابquot; التي تضم المسؤول الثاني أو نائب مدير كل جهاز من اجهزة الاستخبارات الاميركية الرئيسة المعنية بقضايا الأمن القومي. ويتذكر احد المسؤولين انه quot;كان هناك قلق بالغ من ذهاب الأسلحة القطرية الى جماعات اسلاميةquot;.
وكان القطريون يوفرون السلاح والمال والتدريب لمجموعات مختلفة من المعارضة في ليبيا. وكانت احدى الميليشيات التي تلقت مساعدات كهذه بقيادة عادل حكيم بلحاج ، الذي كان زعيم الجماعة الاسلامية الليبية المقاتلة واعتقلته وكالة المخابرات المركزية عام 2004 لكنه يعتبر الآن سياسيا معتدلا في ليبيا. ولا يُعرف من هم المتطرفون الآخرون الذين تلقوا مساعدات.
وقال المسؤول السابق في وزارة الدفاع الاميركية quot;لم يكن أحد يعرف من هم على وجه التحديدquot;. واضاف المسؤول quot;ان القطريين حلفاء أخيار على ما يُفترض ولكن الاسلاميين الذين يدعمونهم ليسوا من مصلحتناquot;.
ولم تظهر أدلة على وصول أسلحة الى جماعة انصار الشريعة المتهمة بالمسؤولية عن الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي.
وتبين قضية مارك توري تاجر السلاح الاميركي الذي حاول إرسال سلاح الى ليبيا ان الولايات المتحدة كانت تواجه تحديات أخرى في التعامل مع ليبيا. فان توري يبيع السلاح الى مشترين في الشرق الأوسط وافريقيا معتمدا بالدرجة الرئيسة على مجهزي اسلحة روسية الصنع في اوروبا الشرقية.
وفي آذار/مارس 2011 ، مع تصاعد المواجهات بين قوات القذافي والثوار ، أدرك توري ان ليبيا يمكن ان تكون سوق سلاح مربحة وطلب من وزارة الخارجية الاميركية ترخيصا بتوفير السلاح للثوار هناك ، بحسب مراسلات الكترونية ووثائق أخرى وضعها توري تحت تصرف صحيفة نيويورك تايمز.
كما بعث توري برسالة على البريد الالكتروني الى كريستوفر ستيفنز الذي كان وقتذاك المبعوث الخاص الى تحالف قوى المعارضة الليبية. وقال ستيفنز انه سينقل مقترح توري الى زملائه في واشنطن. وكان ستيفنز الذي اصبح سفير الولايات المتحدة في ليبيا احد الاميركيين الأربعة الذين قُتلوا في الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي في 11 ايلول/سبتمبر الماضي.
ورُفض طلب توري منحه ترخيصا لبيع السلاح في اواخر آذار/مارس 2011. ولكن هذا لم يثنه عن المحاولة وقدم طلبا آخر مكتفيا هذه المرة بالقول انه يعتزم شحن اسلحة تزيد قيمتها على 200 مليون دولار الى قطر. وفي ايار/مايو 2011 حصل طلبه على الموافقات المطلوبة. وقال توري في مقابلة معه ان وجهة السلاح كانت قطر وان quot;ما كانت حكومة الولايات المتحدة وقطر تسمح بوصوله من هناك كان شأنهماquot;.
ولكن بعد شهرين دهم محققون من وزارة الأمن الداخلي منزل توري قرب مدينة فينكس. ويقول مسؤولون في الادارة انه ما زال يخضع للتحقيق بالارتباط مع تجارته بالسلاح. وامتنعت وزارة العدل عن التعليق.
وقال توري انه يعتقد ان المسؤولين الاميركيين أغلقوا القناة التي اقترحها لإيصال السلاح الى ليبيا لأنها كانت تعترض طريق تعاملات ادارة اوباما مع قطر. وشكا توري قائلا ان القطريين فرضوا ضوابط على مَنْ يتلقى السلاح. وقال quot;انهم كانوا يوزعونها كما يوزعون الحلوىquot;.