اللورد آشداون سياسي ودبلوماسي بريطاني كان زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي البريطاني وممثل البوسنة السامي سابقا. وفي مقالة جريئة له يطرح رأيه في ما يعتبره الأرضية التي تمهد الآن لحرب بين السنة والشيعة يلهب لظاها العالم بأكمله.


تزعّم السياسي والدبلوماسي البريطاني، بادي آشداون (البارون آشداون) حزب الليبراليين الديمقراطيين (المؤتلف في الحكم الآن مع المحافظين) عشر سنوات من 1988 حتى 1999. لكن نجمه سط على الساحة الدولية عندما عُيّن ممثلا ساميا لشؤون البوسنة والهرسك. وهذا منصب استُحدث العام 1995 في أعقاب حرب البلقان وlaquo;اتفاقية دايتونraquo; من اجل وضع بنودها المدنية موضع التنفيذ.

وفي مقالة مطولة على صفحات laquo;تايمزraquo; اللندنية يخوض آشدون في ما يسميه laquo;هذه الحرب بين السنة والشيعةraquo; ويتساءل عما إن كان على الغرب أن يقف الى جانب أحد الفريقين ضد الآخر. فيبدأ بالقول إن مجريات الأحداث السورية laquo;ليست صراعا بين الطغيان والحرية وإنما صراع من أجل السيطرة بين تأويلين مختلفين للإسلامraquo;.

ويحكي البارون عن laquo;صديق مسلم ذكي وحكيمraquo; قال له معلقا على الوضع العراقي إن الأثر الذي أحدثته إطاحة صدام حسين هو laquo;توسيع الحدود الإيرانية بمسافة 400 ميل في اتجاه الغربraquo;. وبالنظر الى تعاظم الدور الذي تؤديه حكومة بغداد الحالية نيابة عن طهران، كما يقول آشداون، laquo;فلربما كان هذا الصديق يتحدث في السياسة. لكنني اعتقد أنه كان يتحدث في الدينraquo;.

والنضال الأكبر في الشرق الأوسط الآن، يقول، ليس من أجل السيطرة على سوريا، وإنما هو المواجهة الأكبر بين التأويلين السني والشيعي للإسلام... الذي يجب أن تُرى فيه سوريا نفسها مجرد جزء من هذه المواجهة.

ويقول إن تاريخ السياسة الغربية في العالم الإسلامي laquo;يعج بالأمثلة التي تحركنا فيها ليس بناء على الواقع الملموس وإنما على ما نأمل أن يكون هو الواقع. ففي الثمانينات تمنينا إزاحة السوفيات من أفغانستان. لكننا وجدنا - بدلا عن ذلك - أننا نموّل ونسلّح ما صار حركة تمرد إسلامي عالمية قاتلة. وفي عراق الثمانينات ايضا ساعدنا صدام حسين العلماني ضد ملالي ايران الشيعة، ثم أزحناه باعتباره دكتاتورا وحشيا. والآن نجد أننا سمحنا بتوسع نفوذ طهران على نحو لم يكن في حسباننا أو مرادنا.

laquo;وكم تمنينا أن يقود laquo;ربيع العربraquo; الى استنارة علمانية جديدة. لكننا نرى الآن تناميا سريعا للسلفية السنية التي تنشر الإسلام المتطرف من مالي عبر ليبيا ومصر الى مجموعات الثوار المبتلاة يوما بعد آخر بالمزيد من التشرذم والراديكالية في سوريا. وصرنا نرى مانحين أثرياء، في دول خليجية كنا نعتبرها صديقة، يصرفون من جيوبهم الخاصة كل ما من شأنه تأجيج لهب هذه الثورة المضادة الجامحة ضد بشار الأسد ونظامه. فهل فقدنا السيطرة على الأمور وصارت جهات أخرى تتلاعب بنا كما شاءت؟... ربما!

laquo;ثمة شيء غريب ومنطوٍ على الخطر يحدث في عالم الإسلام السنّي. فقد بدا أولا أن الأمور تسير نحو نوع من الإسلام الديمقراطي laquo;العقلانيraquo; المتسامح الشامل الذي يجد أفضل تمثيل له في النموذج التركي. وحتى الحكومات التي انتخبت في دول ربيع العرب الجديدة، بما فيها مصر، بدت وكأنها تسير في هذا الاتجاه. لكن ثمة أطرافا قوية في المنطقة اعتبرت في الإسلام بتلك الصفات خطرا هائلا عليها. فراحت تتحرك بهدوء مدروس وخلقت ثورة مضادة لا تزال عجلتها تدور الآن.

laquo;ففي شمال مالي المبتلى بالحرب، والذي كان حتى وقت قريب موطنا للإسلام الصوفي المسالم، تنامى دور السلفيين حتى صاروا القوة المهيمنة. وفي ليبيا تجدهم يحركون العديد من العصابات العاملة خارج نطاق السيطرة الحكومية. وفي مصر بدأ نفوذهم يتكشف سريعا حتى أن استطلاعا للرأي أظهر أن 61 في المائة من أهل البلاد يؤيدون إقامة حكومة ملكية. وفي سوريا تتعاظم الجهادية الراديكالية وسط الثوار حتى أن رشاشها بدأ يصيب تركيا المجاورة. وفي الأردن تتنامى المعارضة السلفية للملك لأنها تراه موغلا في مولاته للغرب.

laquo;لكن من الخطأ اعتبار الشعور المعادي للغرب هو الدافع المباشر الوحيد، لأنه في الواقع عامل ثانوي. ذلك أن الأيام التي كان السنيون السلفيون يدافعون فيها عن أنفسهم بمعاداة الغرب ولّت الآن. فقد كشفت حربا العراق وأفغانستان أن الغرب ليس laquo;تلك القوة التي لا تُقهرraquo;، وتبع ذلك أن هذا الغرب laquo;لم يعد مهمّا الى كل ذلك الحدraquo; في الشرق الأوسط.

laquo;فالمعطيات الجديدة غيّرت اتجاه دفاع العالَم السُنّي ضد laquo;الشيطان الأميركي الأكبرraquo;، على منوال أسامة بن لادن، الى دفاع ضد laquo;الهرطقة الكبرىraquo; ممثلة في الشيعة. هذا هو الصراع الذي يعد له السنة العدة حاليا... ونحن في الغرب نساعدهم مجددا من حيث لا نعلم أو نقصد.

laquo;بالنسبة لنا فإن الصراع السوري حدث لا نستطيع مقاومة التدخل فيه لأننا نتصور أنه، ببساطة، صراع بين الطغيان والحرية. لكن الحقيقة هي أنه صراع أكثر تعقيدا من هذا لأن جوهره هو الثورة السلفية المضادة التي لا شأن لها بمبدأ الديمقراطية وإن كانت ذات صلة بمفهوم الطغيان. والصراع السوري، على هذا النحو، هو كابينة القيادة التي يسعى عبرها هؤلاء السلفيون للسيطرة على العالم السني بأكمله ويوجهون من خلالها الصراع ضد الأعداء الشيعة.

laquo;في عدد laquo;صنداي تايمزraquo; (البريطانية) الأخير جاء أن الولايات المتحدة تقدم في السر مالا وسلاحا للثوار السوريين... ربما كان الأمر كذلك فعلا. وربما كان الشيء نفسه ينطبق على فرنسا... ولكن ليس بريطانيا. على أن هذه الأخيرة تقدم الضوء الأخضر للثوار والدعم الضمني لاولئك الذين يمولونهم.

laquo;لكن علينا في الغرب أن نفتح أعيينا واسعة على مخاطر صراع اقليمي في هذه المنطقة وأن نبذل الجهد من أجل إقناع أصدقاءنا في الأنظمة الملكية العربية بأن أفضل ردة فعل إزاء laquo;ربيع العربraquo; هي الإصلاح من أجل نيل أهدافه، وأن تكبح هذه الأنظمة جماح مواطنيها الذين يسعون الى تقوضه.

laquo;نحن نتمنى السلام لسوريا. ولكن - حتى في حال سقوط الأسد قريبا - هناك سبب قوي يقنعنا بأن السلام الشامل ليس واردا. ذلك ان سوريا ليست هي بيت القصيد وإنما فقط واجهة الصراع الكبير والمتعاظم وطويل الأمد بين السنة والشيعة. وهو هو الصراع الذي سيحدد مستقبل الشرق الأوسط.

laquo;والروس يدركون هذا جيدا. ومن هذا المنطلق فإن دعمهم للأسد لا ينبع من كونه laquo;رجلهم الوحيد الباقي في المنطقةraquo;، وإنما من خوفهم من العدوى السلفية التي تجتاح الآن أيضا جمهوريتيهما الإسلاميتين الشيشان وداغستان... والصينيون، من جهتهم، قلقون أيضا من انتشارها الى مواطنيهم الإيغور السُنّة.

laquo;وفي حال استحال الفوران العربي الحالي - وهذا هو المرجح - الى صراع أكبر بين السنة والشيعة، فعلى الغرب أن يمعن النظر جيدا وأن يلزم الحذر في مسألة وقوفه الى جانب دون الآخر. ذلك أن الأرجح ايضا أن يضعه خياره في مواجهة مباشرة مع الروس.

laquo;وأخيرا فقد كان الزعيم الصيني ماوتسي تونغ يسمي الحربين العالميتين الأولى والثانية laquo;حربي أوروبا الأهليتينraquo;. ونعم، من المفيد حقا أن ينظر المرء الى الأشياء بعينين مختلفتين... خاصة إذا كان هذا يذكّرنا بأن حربا إقليمية في الشرق الأوسط اليوم يمكن - مثلما كان الحال عليه في أوروبا القرن الماضي - أن تصبح حربا عالميةraquo;.