إذا كانت المعارضة المصرية موحدة هذه الأيام ضد مخططات جماعة الإخوان المسلمين ومشروع الدستور، فإنها مختلفة أيضاً في آلية التعامل مع الواقع الحالي.
القاهرة: فيما ذهب المصريون الى مراكز الاقتراع يوم السبت الماضي للتعبير عن موقفهم تجاه مشروع الدستور، بعد ما يقرب من عامين على الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، فإنهم كانوا أمام اختيار صعب سواء بتمرير أو رفض تلك المسودة مثار الجدل التي قد تحدد مسار الحياة العامة والخاصة في أكبر الدول العربية كثافة سكانية.
ورأت مجلة فورين بوليسي الأميركية في هذا الصدد أن النتيجة لن تمثل حكماً فحسب على الدستور، وإنما سينظر إليها جزئياً أيضاً باعتبارها استفتاء على الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، التي فرضت هيمنتها على عملية صياغة الدستور.
كما قد تقدم النتيجة حكماً على المعارضة المنقسمة تاريخياً، التي بدت للمرة الاولىمنذ الثورة أنها أمام فرصة لقلب مكاسب القوى الإسلامية التي تهيمن حالياً على المشهد السياسي المصري. غير أن خصوم الإخوان مازالوا يحظون الآن بفرصة للحشد بقوة لكلمة quot;لاquot;، وذلك إذا تمكنوا عمّا قريب من تنظيم صفوفهم على نحو جيد.
وقدمت بعض شخصيات المعارضة في مقابلات أجرتها معهم المجلة قبل بدء التصويت في المرحلة الأولى للاستفتاء صورة للحركة التي صححت بعض ثغراتها الكبرى، لكن قادتها مازالوا مختلفين بشأن أساسيات المشاركة في ديمقراطية مصر المهتزة.
وقال بهذا الشأن نجيب أبادير، وهو عضو مؤسس لحزب المصريين الأحرار، الذي دعا إلى مقاطعة الاستفتاء :quot; بغض النظر عن المشكلات التي نواجهها .. بدأ يدرك الناس في نهاية المطاف أن بمقدورنا دفع حدودنا أكثر وأكثر. ويمكنني القول إن الواقع يفرض نفسه وأنه قد تم تقليص بعض الغرور عقب إخفاقات الأشهر القليلة الماضيةquot;.
وتابع أبادير حديثه بالقول :quot; وأنا أرى نوراً في نهاية النفق. فأنا أرى رئيساً ضعيفاً للغاية. ولننتظر لنرى ما إن كان سيكون بمقدوره أن يخرج من تلك المشكلة أم لاquot;.
ولفتت المجلة لحقيقة تجمع ائتلاف كبير مكون من عدة أحزاب غير إسلامية، للمرة الأولى منذ سقوط مبارك، خلف فكرة الاتفاق على الرأي قبل بدء الاستفتاء. ورغم اختلاف الرأي حول مسألة المقاطعة في ما بين قادة هذا الائتلاف، إلا أنهم سرعان ما بادروا بتوجيه دعوة عامة لجموع المصريين للتصويت بـ quot;لاquot; قبل الاستفتاء بثلاثة أيام.
وفي نهاية المرحلة الأولى من الاستفتاء، مساء يوم السبت الماضي، بدأ يخرج قادة هذا الائتلاف الذي عرف بجبهة الإنقاذ الوطني، ليتحدثوا عن وجود تزوير منهجي وقمع غير قانوني للناخبين، وأن نسبة من صوتوا بـ quot;لاquot; قد بلغت حوالي 65 %.
ومضت المجلة تقول إن الاستفتاء جاء في وقت خرجت فيه جماعة الإخوان عن حالة التوازن، بعد أن خرجت تظاهرات ونشبت أعمال عنف في الشارع أواخر الشهر الماضي.
وقال خالد داوود المتحدث باسم جبهة الإنقاذ quot; ليس أمامنا خيار سوى الاستمرار في التظاهر والتصعيد، ونحن إذ نأمل أن نتمكن من رؤية الضوء في نهاية الطريقquot;.
وأعقبت فورين بوليسي حديثها بالقول إن الخلافات الموجودة داخل جبهة الإنقاذ الوطني جعلت من الصعب سواء حشد هؤلاء الناخبين أو تنظيم مقاطعة. وبعد يوم واحد فقط من دعوة مرسي للاستفتاء، خصصت جبهة الإنقاذ فريقاً لتنظيم حملة موسعة للترويج لرفض الدستور. فأنتجوا إعلانات تنتقد مواد الدستور، وصوروا لقاءات في الشوارع، وطوروا موقعاً على الإنترنت بعنوان quot;لا للدستور دوت كومquot; وقاموا بإنشاء مجموعة على موقع quot;فايسبوكquot; بعنوان الحركة الشعبية لرفض الدستور.
وأشار في هذا الإطار روبرت بيكر، المستشار السياسي الموجود في القاهرة، إلى أن التردد ليس بالسمة الجديدة على المعارضة المصرية، التي تفتقد للغريزة القاتلة وبنية القيادة الفعالة منذ البداية. وتابع بقوله quot; المعارضة موجودة من الناحية الإحصائية، لكنها بحاجة لرسالة وتنظيم لكي تفوز بهذا الاستفتاء. وهو ما يحدث من الناحية العضوية، لكن هذا ليس بسبب الاتجاه الذي تسلكه أي من تلك الأحزاب الليبراليةquot;.
وختمت المجلة بقولها إن قادة المعارضة يواجهون الآن لحظات حاسمة إذا لم تستغل التصدعات التي تعانيها حالياً جماعة الإخوان على صعيد الهيمنة، فضلاً عن أنها غير مؤلفة فحسب من شخصيات ثورية معروفة منذ مدة طويلة، وإنما كذلك من هؤلاء الذين سبق لهم دعم أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء لمبارك والمنافس الرئيسي لمرسي في انتخابات الرئاسة، وكذلك آخرين مرتبطين بعلاقات بنظام الحكم السابق.
التعليقات