رغم إقدام الشاب التونسي محمد بوعزيزي على إحراق نفسه اعتراضا على الوضع الاقتصادي والمعيشي في بلاده، إلا أنه على ما يبدو لم يشكل عبرة للمسؤولين هناك حيث أن الحالة لم تتحسن بشكل ملحوظ.


القاهرة : بعد مرور ما يقرب من عامين على بدء ثورات الربيع العربي، عقب إضرام الشاب التونسي محمد بوعزيزي، من مدينة سيدي بوزيد، النار في نفسه، اعتراضاً من جانبه على مصادرة أحد المسؤولين المحليين السلع التي كان يبيعها ويقتات من ربحها، وهي الواقعة التي كانت بمثابة الشرارة التي أدت في الأخير إلى الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وكانت البداية التي أشعلت فكرة التمرد والثورة ضد الطغيان والاستبداد في بلدان مجاورة، منها مصر وليبيا واليمن وسوريا، يبدو أن الآمال التي كان يعقدها التونسيون لم تتحقق حتى الآن.

ورغم تكريم بوعزيزي بإطلاق اسمه على ميدان في باريس وإقامة تمثال له في سيدي بوزيد وطرح تونس طوابع بريد تحمل صورته وشعار quot;ثورة الكرامةquot;، فإن اللافت حتى الآن هو أن السعي وراء الكرامة في تونس مازال مطلباً بعيد المنال، رغم مرور حوالي عامين على وفاة بوعزيزي، التي جاءت لتكشف كذلك عن أمور مازالت مختلفة إلى حد بعيد عما كان يتوقعه المواطنون التونسيون العاديون.

وفي مفارقة مؤثرة، عبّر المواطنون في مدينة سيدي بوزيد التي لا تزال فقيرة، عن سخطهم وامتعاضهم من الرئيس منصف المرزوقي حين ذهب إلى هناك بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لتضحية بوعزيزي بنفسه، حيث علت أصواتهم quot;إرحل، إرحلquot;.

وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن المحتجين رشقوا المرزوقي ورئيس البرلمان مصطفى بن جعفر بالحجارة خلال تلك الزيارة، وهو ما دعا بالمرزوقي إلى مناشدة الحشود والتأكيد لهم أن استقرار الحكومة سوف يعمل عما قريب على معالجة المشكلات التي تواجهها البلاد، وذكّرهم بقوله quot; للمرة الأولى لدينا حكومة لا تسرق الناسquot;.

وبينما أسفرت الانتخابات التي جرت في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2011 عن أول حكومة ديمقراطية، فإن الحرية لم تفعل شيئاً يذكر لمواجهة المظالم الاقتصادية التي كانت سبباً في نشوب الثورة قبل عامين، وسط مخاوف من استمرار حالة عدم الاستقرار والاحتقان الموجود في الشارع بسبب حال البلاد في تلك الأثناء.
وفي نفس السياق ، أكد تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية أن ديمقراطية تونس الهشة تعتبر أكثر قوة وحيوية من عديد الديمقراطيات الموجودة بالفعل في دول الجوار، وبعدها مضت تتحدث عن متغيرات المشهد السياسي والشعبي في البلاد خلال الفترة الأخيرة، وما شاب العملية الديمقراطية هناك من اضطرابات وتخبطات.

ونقلت عن الرئيس منصف المرزوقي تحذيره قبل أيام من أن الفقر يهدد تونس الجديدة، مضيفاً quot; سيكون لدينا ثورة داخل ثورة. فسوف ينزل الناس إلى الشوارع إذا لم نمنحهم سبباً للأمل وما لم نعمل على تحسين أوضاعهم وترقيتها إلى ما هو أفضلquot;.

بيد أن الصحيفة نوهت إلى أن الانتقال في جبهات أخرى على مدار العامين الماضيين في تونس كان أكثر ايجابية. فيما عبر كثير من العلمانيين التونسيين عن قلقهم بشكل خاص من أن يفرض حزب النهضة ديكتاتورية أيديولوجية ويحظر حرية التعبير.

وعبروا عن تخوفهم من أن تتحول تونس إلى الهيمنة الاستبدادية الخانقة التي ميزت فترة حكم الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي على مدار 23 عاماً.

أما حزب النهضة، المنتعش بالفوز الانتخابي الذي حققه العام الماضي، فكان يأمل أن يقدم مرجعاً للشريعة في الدستور الجديد، لكنه قام سريعاً بسحب الاقتراح. وقال رشيد غنوشي، رئيس الحزب، إن الشريعة مسببة لكثير من الخلافات وأنها تشكل مفهوماً مازال quot;غامضاًquot; لمعظم التوانسيين. وبالنظر لثقله في البرلمان، فقد كان يأمل حزب النهضة أن يرسخ لديمقراطية برلمانية من منطلق أنها الطريقة المثلى لمنع العودة إلى أنظمة الحكم الاستبدادية. وختمت الغارديان بقولها إن التسويات الخاصة بحزب النهضة ترتبط كذلك بقدر كبير من العملية الخاصة بإدارة وقائع السياسة، منوهةً إلى أن حريات تونس السياسية مصانة، وأن تصاعد الأزمة الاقتصادية من الممكن أن يعمل كذلك على تقويض ما تم تحقيقه على الصعيد السياسي.