تتصاعد الأزمات في دول الربيع العربي، لاسيما مصر وتونس، وهما أول دولتين استطاعتا إسقاط اثنين من أعتى الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي، ومع حلول الذكرى الثانية للثورة في كلا البلدين، وتولي تيار الإسلام السياسي الحكم فيهما، مازالت الأوضاع مشتعلة، بل تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ما اعتبره قرّاء إيلاف مؤشراً إلى فشل تلك التجربة، فيما قال خبراء سياسيون إنه من المبكر تقويم تجربة الحكم الإسلامي في دول الربيع العربي، لاسيما أنه لم يمر سوىأشهر قليلة على تقلد السلطة، فضلاً عن وجود معوقات كثيرة تهدد استقرار هذه الدول.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: فيما تحتدم الأزمات السياسية في مصر وتونس، قال قرّاء إيلاف إنها دليل على فشل تجربة الإسلام السياسي في الحكم، وجاء ذلك في سياق الإستفتاء الإسبوعي للجريدة والذي طرحته خلال السؤال الآتي: quot;هل تدل التظاهرات ضد الإسلاميين في مصر وتونس على فشل تجربة الإسلام السياسي في الحكم؟ نعم.. لاquot;.

شارك 5418 قارئاً في الإستفتاء، رأت الغالبية منهم أن تلك المظاهرات مؤشر إلى فشل تجربة الإسلام السياسي في الحكم، وبلغ عددها 3908 قرّاء، بنسبة 72.13%، فيما رفضت الأقلية هذا الطرح، وتقدر بـ1510 قرّاء، بنسبة 27.87%.

تجربة الإسلام السياسي في السلطة فشلت فشلاً ذريعاً، هذا ما انتهى إليه الدكتور عبد الرحيم علي، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، متفقاً في ذلك مع نتيجة الإستفتاء.

وقال لـquot;إيلافquot; إن المظاهرات المليونية وإنتشار مظاهر الفوضى في مصر وتونس، تؤكد بما لا يترك مجالاً للشك أن تجربة الإسلاميين في السلطة فاشلة، مشيراً إلى أن لجوء التيار الإسلامي السياسي في مصر إلى نظام الميلشيات، الخاصة بالإخوان أو بالشيخ حازم أبو إسماعيل، والتهديد بالبلاد والعباد وإحراق مقار الأحزاب وتهديد الإعلاميين، فضلاً عن تزوير الإستفتاء على مشروع الدستور، يشير إلى أن هؤلاء فشلوا، ولم يستوعبوا اللعبة السياسية الجديدة بعد الثورة، ولا يستطيعون العمل من دون إرهاب الأطراف الأخرى في المعادلة السياسية.

وأضاف علي أن مظاهر الفوضى في مصر وتونس وانتشار الإحتجاجات وتغول السلفيين وتكفيرهم للمخالفين لهم في الآراء السياسية لا تبشّر بالخير في ظل هذا النظام السياسي الجديد.

حول أسباب الفشل، أوضح علي أن السبب يرجع إلى أن تيار الإسلام السياسي في مصر وتونس، يستقي أفكاره ومراجعه من أحلك فترات الفقه الإسلامي إظلاماً في التاريخ، مشيراً إلى أن الإسلاميين في مصر وتونس يتخذون من ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب مرجعية لهم، وهما من أكثر شيوخ الإسلام تشدداً في التاريخ.

ونبّه إلى أن التجربة التركية سارت عكس الإسلاميين في مصر وتونس، وتستقي مرجعيتها الفكرية من فترات الإستنارة الإسلامية، ويعتبر ابن رشد ومحمد عبده من أهم المرجعيات لديهم.

ولفت إلى أن الإخوان لو ساروا على نهج رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وإستمعوا إلى نصيحته بـquot;لا تخافوا من العلمانيةquot;، ودعاهم إلى انتهاجها في الحكم، وقال لهم إنها تعني الوقوف على مسافة واحدة من كل الأفكار والتيارات السياسية، لكنهم لم يستمعوا إليه، وقالوا إن التجربة المصرية لها خصوصيتها، ففشلوا فشلاً ذريعاً.

وأضاف علي إن التجربة في مصر وتونس أقرب ما يكون إلى التجارب في السودان، التي أدت إلى تقسيمه لدولتين، مسلمة ومسيحية، وتجربة حماس في غزة، التي أدت إلى تقسيم مناطق الحكم الذاتي إلى رام الله وغزة، وتجربة إيران التي قسمت الوطن العربي كله إلى سنة وشيعة، وها هم الإخوان في مصر وتونس يقسمون الشعبين إلى إسلاميين وكفار أو إسلاميين وعلمانيين.

ويتوقع علي ألا يقف الشعب المصري أو الجيش مكتوف اليدين أمام هذا الفشل، الذي قد يجر البلاد إلى مستنقع الفوضى والحرب الأهلية، ما لم يعد الإسلاميون إلى رشدهم مرة أخرى.

الدكتور يسري العزباوي الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية، يرى أنه من المبكر الحكم على تجربة الحكم الإسلامي في مصر وتونس، وقال لـquot;إيلافquot; إن الدولتين مازالتا في مرحلة الثورة حتى الآن، ومازالت المرحلة الإنتقالية مستمرة، ولم يتبلور شكل نظام الحكم في كليهما، مشيراً إلى أن هناك صعودًا سياسيًا للإسلاميين، لكن ليس هناك حكم إسلامي كامل، رغم أن الإسلاميين يسيطرون على السلطة التنفيذية.

غير أن العزباوي يرى أن المؤشرات تؤكد أن هناك تخبطًا لدى التيار الإسلامي السياسي في البلدين، منوهاً بأنه يحاول الإنفراد بالسلطة، وفرض وجهة نظره المتشددة على نظام الحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية. في المقابل ثمة قوى سياسية وثورية تريد نصيبها منها، لاسيما أنها ناضلت وساهمت في الثورتين بفاعلية وقوة.

ولفت إلى أن التيار الإسلامي السياسي في البلدين يرغب في فرض التغيير من القمة، من أعلى هرم السلطة، وليس من القاعدة، وبالتالي فهو يصطدم بالشعب والتيارات السياسية الليبرالية التي ترفض التغيير جبراً، وترفض تهميشها، معتبراً أن هذا الفكر سيكتب له الفشل، لاسيما أن الحكم لا يكون إلا بالمشاركة، في ظل تغيّر قواعد اللعبة السياسية، وإنتهاء عصور الإستبداد. ولفت إلى أنه يجب على التيار الإسلامي أن يعي طبيعة الظروف الإستثنائية التي يمر بها البلدان، وأن يتعامل مع السلطة بمبدأ المشاركة لا المغالبة.