أنفقت تركيا نحو 270 مليون دولار على اللاجئين السوريين منذ اندلاع الثورة. وترتب على تحول أنقرة، التي تستقبل أكثر من 210 آلاف لاجئ، إلى ملاذ للنازحين هبوط في التجارة وارتفاع تكاليف إيوائهم.


عندما هرع ناصر حكاسم إلى البيت لإنقاذ عائلته بعد أن هاجم جنود النظام السوري مطعمه، تذكر نصيحة سمعها أيام الطفولة، أن يلوذ بالماء طلبًا للأمان.

وعملا بهذه النصيحة أخذ حكاسم (58 عاما) زوجته وابناءه التسعة وانطلقوا من بلدة عزاز خائضين في نهر صغير لعبور الحدود إلى تركيا هربًا من قوات بشار الأسد التي كانت تطارده لرفضه التجسس على زبائنه من ناشطي المعارضة. وانتهى به المآل الآن في مخيم يضم 13600 لاجئ.

وقال حكاسم quot;كان والدي كثيرا ما يقول quot;لن تكون هناك ألغام في الماء، إمش في الماءquot; فمشينا نخوض في ماء جدول حتى وصلنا إلى تركيا في ضوء النهار. وكان أحد سبقنا إلى تدمير الأسلاك الشائكةquot;.

40 % من لاجئي سوريا في تركيا

واستقبلت تركيا حتى الآن أكثر من 210 آلاف لاجئ أو نحو 40 في المئة من إجمالي عدد اللاجئين في دول الجوار، بمن فيهم عائلات مقاتلين في فصائل مسلحة ومؤيدين للمعارضة. وترتب على تحول تركيا إلى ملاذ للنازحين هبوط في التجارة وارتفاع تكاليف إيوائهم ومخاوف متزايدة من تعرض الأراضي التركية إلى صواريخ النظام السوري في هجوم تأديبي.

وأنفقت أنقرة 482 مليون ليرة (270 مليون دولار) على اللاجئين منذ اندلاع الانتفاضة السورية في آذار (مارس) 2011، كما أعلن وزير المالية التركي محمد شمشك في البرلمان هذا الاسبوع. وهبطت الصادرات التركية إلى سوريا بنسبة 70 في المئة خلال الأشهر التسعة الأولى، بحسب وكالة أنباء الاناضول نقلا عن شمشك.

ظلال الأزمة السورية

وقال اوزغور اونلوهي سرجقلي مدير صندوق مارشال الالماني للولايات المتحدة في انقرة quot;ان لدى تركيا القدرة على التعامل مع العبء المالي غير المتوقع ولكن الأزمة تسمم علاقاتها مع جيرانها. فإن معارضة تركيا الشديدة للأسد تهدد علاقاتها مع روسيا وإيران والعراقquot;.

ويتمتع حكاسم وهو سوري تركماني، بحماية تركيا منذ نزوحه هاربا من جنود النظام السوري قبل تسعة أشهر. وقال حكاسم في مقابلة مع موقع بلومبرغ بين كل نفس يأخذه من سجائره التي يدخنها بنهم quot;كان يوم احد، حين جاء نحو 20 منهم ورشوا المكان بأسلحة آلية ثم قلبوا الثلاجة والموائد. ولكني هربت من الباب الخلفيquot;.

وكانت علاقة تركيا بسوريا قبل اندلاع الانتفاضة منذ 21 شهرًا متينة حتى أن الأسد ورئيس الوزراء رجب طيب إردوغان أمضيا الإجازة معا بصحبة عائلتيهما في عام 2008. واشتدت حدة التوتر حين بدأت تركيا تدعو الأسد إلى الكف عن قتل شعبه والتنحي.

تعزيزات تركية

وتصاعدت حدة التوتر حين أسقطت قوات النظام السوري طائرة استطلاع تركية وقُتل خمسة اتراك بقذيفة هاون أُطلقت من سوريا في تشرين الأول (اكتوبر).

ودفعت تركيا بتعزيزات ومعدات عسكرية من دول أطلسية حليفة إلى منطقة الحدود التي تمتد 900 كلم. واعلنت كل من الولايات المتحدة والمانيا في 14 كانون الأول (ديسمبر) عن إرسال بطاريتين من صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ ونحو 400 جندي إلى تركيا. وبدأت هذه المنظومات بالوصول فعلا.

وأبدت روسيا وإيران معارضتهما لنشر هذه البطاريات على أساس انها تصب الزيت على النار. ورد وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو قائلا ان الوقت حان لأن توجه ايران رسالة واضحة إلى النظام السوري بوقف الحرب.

وقال نهاد علي أوزجان المحلل العسكري في معهد أبحاث السياسة الاقتصادية في أنقرة لموقع بلومبرغ quot;ان تركيا تدرك ان دعمها مقاتلي المعارضة ينطوي على مخاطر وهي تستعد لهجوم محتمل من سوريا. ورغم ان خطر وقوع هجوم سوري خطر ضئيل فان المخططين العسكريين لا يستطيعون تجاهلهquot;.

quot;من أجل سوريا حرةquot;

في هذه الأثناء فتح حكاسم مطعما صغيرا لبيع الشاورما قرب مخيم اونجوبينار على بعد نحو 500 متر من المدافع التركية المصوبة نحو الأراضي السورية. وأكد حكاسم إصراره على العيش بعرق جبينه في بلد اللجوء.

وزيَّن حكاسم ثلاجته المستعملة في المطعم بملصق كُتبت عليه بالفرنسية عبارة quot;من أجل سوريا حرةquot; وبعلم الثورة السورية. وعلى الجدار ملصق آخر يطل منه اردوغان والرئيس عبد الله غُول مبتسمين.

معاناة

ولكن اللاجئين السوريين ليسوا كلهم محظوظين مثل حكاسم. فان آخرين قُلبت حياتهم رأسًا على عقب ومنهم محمد كنو وهو صاحب متجر سابق كان حكاسم يترجم كلامه من العربية إلى التركية رافضا ان يأخذ منه ثمن القهوة. وقال كنو (48 عاما) انه اضطر إلى ترك السوبرماركت الذي كان يملكه في اعزاز. واضاف كنو quot;عالمنا توقف ونحن الآن تعساءquot;.

المواطن السوري علي اسماعيل تمكن من دفع 4 ليرات (2.25 دولار) ثمن سندويشة الشاورما التي كانت فطوره. وقال انه ينفق آخر ما تبقى من الخمسة آلاف دولار التي جمعها ببيع سيارته السوزوكي في آب (أغسطس) قبل أن يهرب إلى تركيا.

ويعيش نحو 139 الف لاجئ سوري في مخيمات داخل الأراضي التركية، كما أعلنت سلطة ادارة الكوارث التركية يوم الاثنين. واستأجر اكثر من 70 الف سوري بيوتا فيما ينتظر نحو 25 الف سوري آخرين العبور إلى تركيا، بحسب الحكومة التركية.

وفي حين أن لدى حكاسم مدفآت كهربائية في وحدته السكنية مسبقة الصنع فان مئات السوريين يرتجفون تحت البطانيات في خيم نُصبت قرب بلدة أطمة السورية الحدودية، كما افادت وكالة انباء الاناضول. وقال حكاسم quot;إن الحرب انتهت بالنسبة لي عندما قالوا لي ان بامكاني ان افتح مطعما هنا. ولكن من يغادر وطنه بإرادته؟quot;.