توحدت المعارضة المصرية حول رفض مشروع الدستور المصري الذي تم التصويت عليه ضمن المرحلة الأولى يوم السبت الماضي، لكنها بقيت عاجزة عن تنظيم صفوفها لمواجهة استحقاق المرحلة الثانية من الاستفتاء السبت المقبل.
القاهرة: استطاعت المعارضة المصرية رغم ضعف تظاهراتها الاخيرة، أن تشكل رأس حربة لمئات آلاف المصريين في معارضة مشروع دستور quot;غير توافقيquot; سواء في الشارع أو في المرحلة الاولى من الاستفتاء، غير أنها تظل بحسب محللين قوة غير منظمة استفادت ظرفيًا من ارتياب قطاع عريض من الاسلاميين.
وبحسب نتائج غير رسمية، حشدت المعارضة اكثر من 43 في المئة من الاصوات ضد مشروع الدستور الذي أعدته جمعية تأسيسية هيمن عليها الاسلاميون في المرحلة الاولى من الاستفتاء مقابل اكثر من 56 في المئة قالوا quot;نعمquot;.
وتنظم المرحلة الثانية من الاستفتاء السبت القادم.
وقال المحلل السياسي حسن نافعة لوكالة فرانس برس إن quot;المعارضة موحدة موقتًا وظرفيًا بسبب سوء ادارة الاخوان المسلمين للدولة (..) بالذات في قضية مهمة هي الدستورquot;.
واوضح quot;أن الاصرار على الصبغة الاسلامية والاستعجال المخل في وضع مشروع الدستور جعلا الناس تستشعر خطر التيار الاسلامي الذي بدا وكأنه يسعى بالخديعة لفرض نظام اسلامي وهو ما وحّد المعارضة فقط لاسقاط الدستورquot;.
ولاحظ اسكندر العمراني الباحث في المركز الاوروبي للعلاقات الخارجية في دراسة له أن جبهة الانقاذ الوطني quot;قامت للاحتجاج على قرارات مرسي فهي في افضل الاحوال قيادة موقتة تظل سلطتها على من يحتجون في الشوارع بعيدة عن أن تكون امرًا ثابتًاquot;.
وتشكلت هذه الجبهة بعد ساعات من اصدار الرئيس محمد مرسي الاعلان الدستوري السابق في 22 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، والذي منح فيه لنفسه صلاحيات استثنائية واسعة، في اجتماع طارىء في مقر حزب الوفد الليبرالي.
ويتزعم هذه الجبهة محمد البرادعي حائز جائزة نوبل للسلام والمدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتضم بالخصوص عمرو موسى وزير الخارجية الاسبق في عهد حسني مبارك والامين العام السابق للجامعة العربية، وحمدين صباحي الذي حل ثالثًا في الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية الاخيرة في ايار/مايو حزيران/يونيو ونال 4,8 ملايين صوت.
وتضم الجبهة العديد من الاحزاب والحركات والشخصيات ذات التوجهات اليسارية والليبرالية والعلمانية.
وبين اعضاء الجبهة حزب الوفد (ليبرالي) اعرق الاحزاب المصرية والحزب المصري الاجتماعي الديموقراطي بزعامة محمد ابو الغار (يسار وسط) وحزب المصريين الاحرار الذي أسسه الملياردير القبطي نجيب سويرس.
كما تضم الجبهة نقيب المحامين سامح عاشور والمعارض القديم جورج اسحق مؤسس حركة كفاية، اضافة الى حركة 6 ابريل التي تضم مجموعة من الشباب كانوا اسهموا في اطلاق الثورة على نظام حسني مبارك.
ولاحظ العمراني أن جبهة الانقاذ الوطني التف حولها quot;خليط يشمل مواطنين عاديين مرتابين من الاخوان المسلمين (..) وناشطين نقابيين وثوريين متشددين، بل وحتى متعصبين لفرق كرة القدم مغرمين بالصدام العنيف مع السلطاتquot;.
ويشير محللون وخصوم الجبهة ايضًا الى عدم تجانس قياداتها.
وفي الواقع فإنه من الصعب فهم التقاء محمد البرادعي الذي رفض الاعتراف بشرعية المرحلة الانتقالية منذ آذار/مارس 2011 وعمرو موسى الذي شارك في اعمال اللجنة التأسيسية للدستور حتى منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وحمدين صباحي الذي يعتبر من قيادات الناصرية الجديدة والقومية العربية.
ولاحظ العمراني أن البرادعي الشخصية المعروفة في العالم quot;ليس زعيم المحتجين في الشارع بل إنه اقرب الى متزلج على موجة من الغضب لا يمكنه السيطرة عليها. كما أن شركاءه في الجبهة لا يمثلون اطرًا منظمة ذات اهمية تملك القدرات التنظيمية والتمويلات القادرة على تحدي آلة الاسلام السياسيquot; المنظمة والممولة جيدًا.
ولعل ذلك ما جعل عبد الله الاشعل المرشح السابق للانتخابات الرئاسية والمقرب من مرسي يقول مؤخرًا في مقابلة مع صحيفة الوطن السعودية: quot;هناك من يزعمون أنهم قادة للمعارضة، وعلى رأسهم محمد البرادعي وعمرو موسى وحمدين صباحي، وهؤلاء جميعًا لا يجمعهم سوى كراهية التيار الاسلامي والاخوان المسلمينquot;.
لكن هذا الاتهام لا يخلو من تبسيط. فعداء هذه القوى للاخوان ليس سبب توحدها بل نتيجة منطقية لإيمانها بالدولة المدنية.
ويشير مصطفى كامل السيد استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة في هذا الصدد الى quot;أن المعارضة يجمعها الايمان بدولة مدنية يحكمها القانون وهذا يؤدي حتمًا الى اعتراضها على مشروع دستور يكرس الى حد ما مفهوم الدولة الدينيةquot; مؤكدا quot;ما يجمعها ليس مجرد العداء للاخوان بل الاعتراض على نوع المجتمع الذي يريد الاخوان فرضهquot;.
ومع فوز quot;نعمquot; المرجح بحسب مؤشرات المرحلة الاولى للاستفتاء، فإن مرسي سيدعو الى انتخابات تشريعية في غضون شهرين. فهل ستستمر هذه الجبهة بعد quot;معركةquot; الدستور؟.
يجيب السيد أنه quot;تحدٍ هائل للمعارضة لأن التفاصيل هي التي تثير المشاكل ومن غير المعروف الآن الى أي حد ستتمكن جبهة الانقاذ من التوفيق بين المصالح المختلفة لمكوناتهاquot;.
واعرب العديد من اعضاء الجبهة عن الامل بأن يظل هذا التحالف قائمًا حتى الانتخابات القادمة.
اما حسن نافعة فيؤكد أنه بعد حسم معركة الدستور، تحتاج المعارضة الى quot;قيادة موحدة وتنظيم قاعدي من خلال الاندماج في حزب واحد على اساس برنامجquot;، ويضيف quot;هذا قد لا يكون صعبًا لكن المشكلة الاساسية هي مخلفات الخراب السياسي والتجريف الذي حدث للمعارضة في عهد حسني مباركquot; بسبب الاستبداد والقمع.
ويوضح quot;اغلبها قوى وقيادات ليست لديها خبرة لا بالعمل السري ولا العلني ولا بالتحرك بين الجماهيرquot;، وهي بصدد مراكمة تجربتها وتحتاج فرزًا لقواها ومزيدًا من الوقت.
التعليقات