خلاف حول المادة الثانية من الدستور المصري الجديد

تجري خلافات في مصر بين التيارات الليبرالية والأقباط من جهة والتيارات الاسلامية من جهة أخرى، حول المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الرئيعة الاسلامية هي مصدر التشريع الرئيسي.


القاهرة:تشهد مصر خلافات وجدلاً واسعاً حول المادة الثانية من الدستور، التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، واندلعت الخلافات ما بين التيارات الليبرالية والأقباط من جانب، والتيارات الإسلامية، ولاسيما السلفيين من جانب آخر، كما انتقدت منظمات حقوقية عدم اعتراف الدستور المصري الجديد بأصحاب الديانات غير السماوية.

التمسك بالشريعة

وقال الدكتور عادل عفيفي رئيس حزب الأصالة السلفي، إن جميع الأعضاء السلفيين في الجمعية التأسيسية متمسكون بأن تكون الشريعة الإسلامية مصدر التشريع، وأضاف لـquot;إيلافquot; أن حزب الأصالة تقدم باقتراح لللجنة التأسيسية بأن يكون نص المادة الثانية من الدستور quot;الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، والشريعة الإسلامية مصدر التشريع، وللمصريين غير المسلمين من اليهود والمسيحيين الحق في الاحتكام إلى شرائعهم الخاصة، في مسائل الأحوال الشخصية بما لا يخالف النظام العام، وينظم القانون هذا الحقquot;، مشيراً إلى أن هناك فريقا من الليبراليين يريد تحويل مصر إلى دولة علمانية، ولذلك يعملون بكل جهد على ألا تكون الشريعة الإسلامية مصدر التشريع، وتابع: نحن نحذر أعضاء الجمعية من الإنصياع لمن ينادي بعلمانية البلاد، وسوف يقوم حزب الأصالة بحملة شعبية، لرفض الدستور في حالة كتابة المادة الثانية دون نص quot;الشريعة مصدر التشريعquot; كما كان في دستور 1971.

حقوق أصحاب الديانات الأخرى

وعبر الدكتور يونس مخيون، عضو الهيئة العليا لحزب النور والجمعية التأسيسية عن وجهة نظره لـquot;إيلافquot; قائلا إن هناك إجماعا داخل لجنة الحريات بالتأسيسية، بأن تنص المادة الثانية من الدستور على أن quot;الشريعة الإسلامية مصدر التشريع بما تضمن الحق لأصحاب الديانات الأخرى اللجوء إلى شريعتهمquot;، وبذلك يكون قد تم التغاضي عما جاء في نص المادة الثانية من دستور 71 بأن مبادئ الشريعة هي مصدر التشريع، كما أن السلفيين قد تغاضوا أيضا عن وضع كلمة أحكام، وأضاف: quot;نحن نرى أنه من الأفضل الإكتفاء بنص الشريعة الإسلامية مصدر التشريع، حيث أن ذلك أشمل، ولكن إذا كان هناك ضرورة لوضع إضافة للديانات الأخرى فيكون بالنص السابق. ولفت مخيون إلى أن الأزهر ليس لديه اعتراض على ذلك، فقد وافق الدكتور نصر فريد واصل المفتي الأسبق، والدكتور أسامة العبد عضوا الوفد الممثلان للأزهر في التأسيسية، ونفس الأمر بالنسبة للكنيسة، ولكنها طالبت باللجوء للأزهر في حالة حدوث خلل، وأن يضاف ذلك في نص المادة، والسلفيون وأعضاء اللجنة ليس لديهم إعتراض على مقترح الكنيسة، مشيراً إلى أنه ليس هناك خلاف داخل الجمعية التأسيسية على أن تكون التشريعات المصرية متوافقة مع الشريعة الإسلامية.

مخاوف بطلان التأسيسية

وينفي صبحي صالح، القيادي بحزب الحرية والعدالة وعضو الجمعية التأسيسية للدستور وجود أزمة كبيرة بشأن المادة الثانية من الدستور، مشيراً إلى أن هناك حالة توافق بين الأغلبية من أعضاء الجمعية على أن تظل صياغة المادة الثانية quot;الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريعquot;، كما هي في دستور 71 دون تعديل. وقال صالح لـquot;إيلافquot; إن المادة الثانية وردت في الدساتير المصرية منذ عام 1923ميلادية، وليست بحاجة إلى تعديل، وفي حالة صياغتها بأن الشريعة الإسلامية مصدر التشريع فإن المجلس العسكري أو خمس أعضاء التأسيسية سوف يطعنون في النص، لاسيما
أن الإعلان الدستوري المكمل منحهم هذا الحق، وسيتم اللجوء إلى المحكمة الدستورية للفصل في الخلاف، وسيكون الحكم المتوقع العودة لنص المادة كما جاءت في دساتير مصر السابقة.

إنتهاك حرية المعتقد

وانتقدت منظمات حقوقية الصياغة التي اقترحها حزب الأصالة السلفي للمادة الثانية من الدستور، لاسيما في الجزء الخاص بالإعتراف فقط بالديانتين المسيحية واليهودية، وقالت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في تقرير لها حول أعمال اللجنة التأسيسية للدستور، إن المؤشرات الأولية تشير إلى أن هناك تراجعا كبيرا فيما يخص حقوق الإنسان، وبالأخص فيما يخص حرية الدين والمعتقد، منوهة بأن لجنة الحقوق والحريات بالجمعية التأسيسية للدستور اتفقت على أن تنص المادة الخاصة بحرية العقيدة على عدم ممارسة الشعائرالدينية لغير الأديان السماوية الثلاثة لتنص على quot;حرية العقيدة مطلقة وتكفل الدولة حرية إقامة الشعائر الدينية لأصحاب الديانات السماويةquot;. غير أن بعض أعضاء اللجنة قد رفض ذلك، معربين عن مخاوفهم من هيمنة الغلبة الإسلامية بالجمعية على صياغة بنود الدستور.

ضد مبادئ حقوق الإنسان

وقال حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة إن مبادىء حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة وتتسم بالعالمية والشمولية لجميع البشر، مشيراً إلى أن مصر يتواجد على أرضها الكثير من غير أصحاب الديانات السماوية نظرا لكونها بلد سياحي، فضلاً عن تواجد العمال المهاجرة من دول مثل الصين وكوريا الجنوبية والهند، ويعملون في شركات مختلفة وأصحاب ديانات مختلفة، ونبه إلى أن مقترح لجنة الحقوق والحريات فيما يخص حرية الدين والمعتقد يعتبر مخالفة وانتهاكا لحقوق الإنسان وللمواثيق الدولية المعنية بذلك، لاسيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي اعتمدته الجمعية العامة عام 1948، و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المعتمد عام 1966، إذ تنص المادة 18 من الإعلان على أن quot;لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر، ومراعاتها، سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعةquot;.

وأكد أبو سعدة أنه تم تحويل هذا الحق إلى التزام قانوني للدول المصدقة ومن بينها مصر في المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على أن: quot;لكل فرد الحق في حرية الفكر والضمير والديانة. ويشمل هذا الحق حريته في الانتماء إلى أحد الأديان أو العقائد باختياره، وفي أن يعبر، منفرداً أو مع آخرين بشكل علني، عن ديانته أو عقيدته سواء أكان ذلك عن طريق العبادة أو التعبد أو الممارسة أو التعليمquot;.

معارضة كبيرة

ووفقاً للمستشار إدوارد غالب، عضو اللجنة التأسيسية للدستور، فإن تغيير المادة الثانية من الدستور يلقى معارضة كبيرة من المدنيين، ووفد الأزهر، وحتى الإخوان داخل التأسيسية الذين اتفقوا على أن وثيقة الأزهر الشريف التي ستكون المرجع الأساسي نصت على quot;أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر التشريعquot;، وقال لـquot;إيلافquot; ليس هناك خلاف على صياغة المادة الثانية كما جاء في دستور 1971، ولكن الخلاف حول الصياغة الجديدة التي ينادي بها بعض الأعضاء، مشيراً إلى أن القرار في النهاية لأغلبية الجمعية التأسيسية، ولا يعني بالضرورة مطالبة فصيل سياسي تعديل المادة الثانية أن يكون هذا المطلب واجب النفاذ. ونبه غالب إلى أن الإعلان الدستوري المكمّل وضع بندا يحل أزمة وجود أغلبية في اللجنة بوضع مادة تعطي الحق لـ 20 عضوا بالاعتراض على أي مادة مخالفة، وإحالة المادة للمحكمة الدستورية.

دولة دينية

فى السياق ذاته، قال الدكتور طارق سباق القيادي بحزب الوفد لـquot;إيلافquot; إن الأحزاب الإسلامية تريد تحويل مصر لدولة دينية وتطبيق الشريعة من وجهة نظرهم فقط، لذلك كانوا حريصين على السيطرة على الجمعية التأسيسية من أجل عمل أي شيء يصب في صالحهم، مشيراً إلى أن الخلاف حول المادة الثانية سيتسبب في بطلان الجمعية للمرة الثانية بسبب السلفيين. ولفت إلى أن الشعب سيرفض دستورا يحول البلاد لدولة دينية، والإخوان مضطرون للوقوف مع مطالب القوى الليبرالية بعد تعهد الرئيس محمد مرسي والجماعة من قبل بأن مصر دولة مدنية، مؤكدا أن الإخوان لن يقدرون على سداد فواتير الانتخابات للسلفيين وحزب النور طالما ذلك يتعارض مع مصالحهم وستكون الترضية في التشكيل الحكومي.

فيما دعا الناشط القبطي نجيب جبرائيل ممثلي الكنيسة إلى الإنسحاب من الجمعية التأسيسية للدستور، بسبب إصرار التيار السلفي على صياغة المادة الثانية، وقال لـquot;إيلافquot; إن الصياغة الجديدة ضد حقوق الأقباط، مشيراً إلى أن صياغة هذه المادة تعني أن مصر دولة دينية وليست مدنية، كما يريدها المصريون، ولفت إلى أنه من الأفضل إنسحاب ممثلي الكنيسة في حالة الإصرار على تلك الصياغة.