محاطات بمتطوعين مكلفين حمايتهن تسير مجموعة من المصريات باتجاه ميدان التحرير للتنديد بالتحرشات الجنسية المتزايدة التي يتعرّضن لها في هذا الميدان، رمز quot;الثورةquot; الذي أصبح اليوم خطرًا على النساء.


القاهرة: تقول طبيبة الأمراض النسائية رشا كامل (38 عامًا)، إحدى منظمات هذا التحرك الرمزي، الذي اطلق عليه اسم quot;ميدان تحرير آمنquot; لوكالة فرانس برس quot;نريد ان نعامل كمواطنات، وليس كإناثquot;، قبل ان تكتب بالخط الأسود العريض على لافتة عبارة quot;انا مثل اختكquot;.

وفي شوارع القاهرة يعتبر التحرش بالنساء، سواء أكن محجبات ام لا، ظاهرة مستشرية، وهو يتراوح من مخاطبة الفتاة او المرأة بعبارات تخدش الحياء وصولاً الى تصرفات مشينة اكثر بكثير. ولكن أخيرًا كثرت روايات الشهود التي تتحدث عن حالات اعتداء جنسي حقيقية حصلت في ميدان التحرير وصلت حتى الى حالات اغتصاب.

وخلال الثورة التي اطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في شباط/فبراير 2011 تعرّضت نساء كثيرات، من مصريات وصحافيات أجنبيات، لتحرشات في ميدان التحرير، وقفت في غالب الأحيان عند حدود الملامسات.

متظاهرات مصريات ينددن بالتحرش الجنسي الذي يتعرضن له في ميدان التحرير

ولكن في 11 شباط/فبراير 2011 وبينما كانت الجموع الغفيرة المحتشدة في الميدان تحتفل بتنحي مبارك، تعرّضت مراسلة شبكة quot;سي بي اسquot; الأميركية لارا لوغان لاعتداء جنسي عنيف عندما انقض عليها جمع من الرجال يتراوح عددهم بين 200 الى 300 رجل وquot;اغتصبوها بأيديهمquot;، على حد تعبيرها.

وفي تشرين الاول/اكتوبر 2011 روت الصحافية في القناة الفرنسية الثالثة كارولين سينز لوكالة فرانس برس كيف انها، واثناء وجودها في ميدان التحرير، تعرّضت لضرب مبرح ولاعتداء جنسي وحشي من قبل quot;شبان صغار في الرابعة عشرة او الخامسة عشرة أخذوا يتحسسون جسديquot;، قبل ان ينقضّ عليها quot;حشد من الرجالquot;.

واضافت quot;تعرّضت للضرب من مجموعة من الشباب والكبار الذين قاموا بنزع ملابسي وبالإمساك بأعضاء جسدي بشكل يعدّ اغتصابًاquot;، مؤكدة ان quot;بعض الاشخاص حاولوا مساعدتي، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك. تعرّضت للضرب لنحو ثلاثة ارباع الساعة الى ان امكن سحبي. اعتقدت انني سأموتquot;.

هذه الاعتداءات حظيت بتغطية إعلامية واسعة وسلطت الاضواء على التحرشات الجنسية التي تتعرّض لها النساء في مصر، ولكنها لم تحرك ساكنا لدى السلطات او تؤدي الى تراجع هذه الظاهرة، لا بل انها على العكس في تزايد على ما يبدو.

ففي 2 حزيران/يونيو روت شابة اجنبية لجمعية نظرة للدراسات النسوية، وهي منظمة غير حكومية، كيف ان quot;كل الرجال الذين كانوا حولنا بدأوا فجأة بتحسس اجسادنا (...) لقد انزلوا سروالي، واغتصبوني بأصابعهم. كانوا كالأسُود وهي تنهش قطعة لحمquot;.

وبعد ايام تم الاعتداء جنسيًا على مجموعة صغيرة من النساء كنّ يتظاهرن ضد التحرش الجنسي. ومن ثم كان دور الطالبة البريطانية في الصحافة ناتاشا سميث، التي اكدت بدورها تعرضها لاعتداء جنسي.

بالنسبة الى الكثيرين فإن اوجه الشبه في هذه الاعتداءات وكون معظمها يقع في المكان عينه قرب مطعم للوجبات السريعة في ميدان التحرير، يعطي الانطباع بانها اعتداءات تحصل عن سابق تصور وتصميم. وبحسب جمعية نظرة فان هذه الاعتداءات quot;محسوبة، وتم الاعداد لها لكي تزرع الخوف في صدور النساء وتبعدهن عن الحياة العامة، وتعاقبهن على مشاركتهنquot; في التظاهرات.

اما احمد نيازي الذي شارك في التظاهرة ضد التحرش الجنسي في ميدان التحرير فيقول ان quot;النظام، الذي لم يسقط ابدا، يستخدم التحرش الجنسي لقمع حرية التعبير. بالنسبة اليهم فإن النساء يشكلن الحلقة الاضعف، وهذه طريقتهم في الضغط علينا. وقد نجحوا في تشويه سمعة الميدانquot;.

وفي هذا تقول نانا الحريري (22 عاما) quot;كم من مرة لم انزل الى ميدان التحرير لأنني لم أرد ان اشعر بأياد بين فخذيquot;. واليوم تتسلح الكثير من الفتيات والنساء بمسدسات مائية يملأنها بمحلول ميركوروكروم (الدواء الأحمر المستخدم لتطهير الجروح) وذلك بقصد إبعاد المعتدين عنهن وايضا بقصد صبغهم بلون يسهل للجموع التعرف إليهم وإلقاء القبض عليهم.

وبوصول التظاهرة النسائية الى ميدان التحرير محاطة بالمتطوعين الرجال الذين ارتدى معظمهم سترات فوسفورية اللون، تحولت انظار الكثير من الفضوليين اليها، في حين لم يوفرها بعضهم من تعليقاته الساخرة. ولكن التظاهرة النسائية جذبت اليها ايضًا رجالاً اتوا لاستيضاح الهدف منها.وقال احد المارة مخاطبا احدى المتظاهرات: quot;عذرًا، ولكن ما هو التحرش الجنسي؟quot;.

وقلل آخر من شأن هذه الظاهرة، وقال بينما كانت احدى المتظاهرات ترمقه بنظرة ملؤها خليط من الغضب والأسف: quot;هذا ليس بالأمر الخطر، انهم مراهقون، هذا عمرهم، عندما يقولون لك يا حلوتي فهذا غزلquot;.

وبحسب مسؤول أمني فإن أحدًا لم يعتقل على خلفية الاعتداءات الجنسية التي وقعت في الميدان. وتؤكد الشرطة، الغائبة تمامًا عن الميدان، ان هناك استحالة لالقاء القبض على المعتدين من بين عشرات الاف المتظاهرين.