نصحت القاضية تهاني الجبالي نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا العسكري بعدم تسليم السلطة إلى مدنيين قبل الانتهاء من كتابة الدستور. ثم أصدرت المحكمة الدستورية العليا قرارها الذي أتاح للمجلس العسكري حل البرلمان وإمكانية الإشراف على عملية إعداد الدستور.


إعداد عبد الإله مجيد: كشفت قاضية مصرية كبيرة أن العسكر الذين يمسكون مقاليد السلطة في مصر كانوا يخططون للاحتفاظ بالسلطة رغم وعودهم بتسليمها إلى قادة منتخبين.

قالت القاضية تهاني الجبالي نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا إنها نصحت المجلس العسكري الحاكم بعدم تسليم السلطة إلى مدنيين قبل الانتهاء من كتابة الدستور. ثم أصدرت المحكمة الدستورية العليا قرارها الذي أتاح للمجلس العسكري حل البرلمان وإمكانية الإشراف على عملية إعداد الدستور.

تسلط هذه الاتصالات وراء الكواليس التي لم تُكشف للرأي العام المصري ضوء جديدًا على ما يُسميه بعض المصريين انقلابًا قضائيًا. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن القاضية الجبالي ان قادة الجيش من اللحظة التي تسلموا فيها مقاليد السلطة من الرئيس المخلوع حسني مبارك، لم تكن لديهم نية quot;بكل تأكيدquot; في التنازل عن السلطة قبل الإشراف على عملية كتابة الدستور.

القاضية تهاني الجبالي نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا

وتابعت القاضية الجبالي إن خطة المجلس العسكري الحاكم لتسليم السلطة كانت تقوم على إعداد الدستور أولاً ليعرف العسكر quot;إلى مَنْ يسلمون السلطة وعلى أي أساسquot;.

وحين استولى الجيش على السلطة قدم نفسه حاميًا للثورة السلمية وقوة تسهم في تحقيق أهدافها لبناء مصر ديمقراطية. ولكن مراقبين يشيرون الى ان الأدلة أخذت تتكدس منذ ذلك الحين، على أن العسكر لم يكن في نيتهم قط الرضوخ لسلطة منتخبة ديمقراطيًا.

والآن إذ يحاول رئيس مصر المنتخب محمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمين، أن يجد لنفسه دورًا كرئيس دولة فإنه يواجه مجلسًا عسكريًا يحتفظ عمليًا بكل السلطات التنفيذية والتشريعية. وتعهد العسكر مرة أخرى بتسليم السلطة بعد انتخاب برلمان جديد وكتابة دستور جديد.

وقال أنور السادات ابن أخ الرئيس الراحل وعضو البرلمان المنحل لصحيفة نيويورك تايمز إن العسكر quot;يريدون التوثق قبل أن يغادروا بأن الدستور لا تحتكره أية جماعة أو اتجاهquot;، في إشارة إلى الإسلاميين الذين فازوا بغالبية المقاعد ثم فازوا بالرئاسة أيضًا.

وقالت القاضية الجبالي إن اتصالاتها بالعسكر بدأت في أيار/مايو 2011 بعد تظاهرة نظمها ناشطون ليبراليون وعلمانيون مطالبين بدستور جديد أو إعلان مبادئ اساسية على الأقل قبل الانتخابات. وكشفت الجبالي quot;أن هذا أحدث تغييرًا في رؤية المجلس العسكري بعدما كان يعتقد أن القوة الشعبية الوحيدة في الشارع هي الاخوان المسلمونquot;.

وتابعت القاضية الجبالي انها في ذلك الوقت تقريبًا بدأت تساعد الحكومة التي يقودها الجيش على إعداد مجموعة من المبادئ الدستورية الملزِمة. وقالت ان هذه المبادئ تحمي الحريات المدنية، ولكنها منحت الجيش حصانة ضد أي مراقبة مدنية وصلاحية دائمة للتدخل في السياسة. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن القاضية الجبالي قولها quot;ان المجلس العسكري قبِل بذلك، واصدر موافقته على اصدار الاعلان الدستوريquot; معهquot;.

ولكن بعد اعلان المجلس العسكري عن هذه المبادئ التي أُطلق عليها اسم quot;وثيقة سلميquot;، اثارت بنودها المتعلقة بصلاحيات الجيش معارضة شديدة تكللت بأسبوع من الاشتباكات مع قوى الأمن قرب ميدان التحرير وأسفرت عن مقتل نحو 45 شخصًا.

وأوضحت القاضية الجبالي ان الوثيقة quot;كانت تُجهَض كل مرة بالضجيج والتعبئة الشعبية والتظاهرات المليونيةquot; متهمة الإسلاميين، رغم انهم كانوا قوة واحدة من القوى المشاركة، كما تلاحظ صحيفة نيويورك تايمز.

ويقول قانونيون مصريون الآن ان العسكر نصبوا عمليًا مصيدة في الانتخابات البرلمانية بإبقائها مكشوفة للنقض القضائي في أي وقت، إذا أجاز العسكر تطبيق سوابق في هذا المجال.

وقالت القاضية الجبالي انها حذرت وقتذاك من quot;السم القاتلquot; في الانتخابات. وعندما حاول البرلمان المنتخب ان يسيطر على الحكومة الانتقالية هدد رئيس الوزراء المعين من العسكر كمال الجنزوري أعضاء البرلمان بحله قضائيًا، كما اعلن رئيس البرلمان في حينه سعد الكتاتني. وقال الكتاتني مخاطبًا النواب في آذار/مارس ان الجنزوري ابلغه بأن القرار في أدراج المحكمة الدستورية ويمكن إخراجه في أي وقت. تراجع البرلمان وأثبت التحذير صحة توقعاته. ولكن الجنزوري نفى إطلاق مثل هذا التهديد.

يتفق مؤيدو ما تمخضت عنه هذه التطورات ومعارضوها على أن ما يفعله العسكر حاليًا يهدف الى اقامة نظام مماثل لما شهدته تركيا عام 1981 بعد انقلاب عسكري. فحينذاك احتفظ مجلس أمن قومي يسيطر عليه الجيش بسلطات واسعة على أية حكومة منتخبة تحت يافطة الحفاظ على هوية الدولة العلمانية.

وعمد العسكر المصريون أخيرًا الى إيقاظ مجلس الدفاع الوطني من سباته للقيام بدور مماثل، لا سيما وأنه معبأ بالعسكريين. وكان تركيز العسكر على تأمين حصانتهم ونفوذهم الدائم موضوعة غير منطوق بها وراء مجيئهم الى السلطة. واتضحت نياتهم بالقرار الأخير الذي منحهم السيطرة على السلطة التشريعية والموازنة حتى انتخاب برلمان جديد. كما ان القرار سلم القضاة المعينين في المحكمة الدستورية من زمن مبارك سلطة تتيح لهم ان ينقضوا أي بنود في الدستور المقبل.

نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن نيثان براون الخبير القانوني في جامعة جورج واشنطن الاميركية وصفه مثل هذه الصلاحية التي منحها قرار العسكر للمحكمة الدستورية بأنها quot;فحش دستوريquot;.

وكان المصريون صوّتوا في استفتاء على خطة انتقالية تحدد تاريخ المصادقة على الدستور الجديد بعد تسليم سلطة العسكر الى مدنيين منتخبين. ولكن العسكر نقضوا أحاديًا نتيجة الاستفتاء، واصدروا قرارا ينص على ان المجلس العسكري هو الذي يتولى عملية تشكيل الجمعية الدستورية وليس البرلمان المنتخب. وكان هذا أول مؤشر إلى ما يضمره العسكر.

وقالت القاضية تهاني الجبالي في الاسبوع الماضي انها كانت تعرف quot;ان الانتخابات ستأتي بغالبية من حركات الإسلام السياسيquot;، وانها ارسلت الى العسكر مذكرة تحثهم فيها على تأجيل كل الانتخابات. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الجبالي قولها quot;ان الديمقراطية ليست مجرد الإدلاء بأصوات، بل هي إنشاء بنية تحتية ديمقراطية، ونحن وضعنا العربة قبل الحصانquot;.

واضافت ان الحركات الإسلامية، بما فيها جماعة الاخوان المسلمين، اكبر القوى السياسية في مصر، مارست ضغوطا شديدة، مؤكدة quot;ان الجيش هو القوة الصلبة في المجتمع، وكان من مصلحة الاسلاميين ألا يضعوا الدستور مع وجود هذه القوة الصلبة في السلطةquot;.

وقالت الجبالي ان العسكر اعترفوا لها في ما بعد بأنهم ارتكبوا خطأ حين مضوا قدمًا بإجراء الانتخابات البرلمانية. واعتبرت القاضية quot;ان الاعتذار كان واضحًاquot; بقولهم لها quot;أنتِ كنتِ على حقquot;.