القاهرة: قال محللون سياسيون إن إعلاء قيمة الدولة المدنية والسعي الى التوافق مع باقي القوى السياسية يشكلان أبرز التحديات المطروحة حاليًا على الرئيس المصري الجديد محمد مرسي القادم من صفوف الاخوان المسلمين.
ولاحظ كمال المنوفي، استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، خلال ندوة quot;التحديات التي تواجه الرئيس المنتخبquot; التي نظمها في القاهرة المجلس الوطني لدراسات الشرق الاوسط، أن quot;خطاب الرئيس وعمله يجب ان يؤكدا صدقًا على الدولة المدنية وفحواها دولة ديمقراطية حديثة، لا دولة ثيوقراطية ولا دولة عسكرية، بل دولة المواطنة والمؤسسات وحكم القانون واستقلال القضاء، دولة الحقوق والحريات العامةquot;.
وكان تنامي حضور الاسلاميين، اخوان مسلمين وسلفيين، في المشهد السياسي المصري الذي توجه وصول محمد مرسي، القيادي السابق في الاخوان المسلمين، الى الرئاسة، اثار مخاوف شريحة واسعة من المواطنين وتوجسًا لدى قوى سياسية وحقوقية من التراجع عن قيم الدولة المدنية العريقة في مصر والتي تعود الى عهد محمد علي باشا الذي حكم مصر بين 1805 و1848.
ويثير سلفيون جدلاً في الساحة السياسية المصرية حول المادة الثانية من دستور 1971 حيث يطالبون باستبدال لفظ quot;مبادىء الشريعةquot; الواردة فيها بعبارة quot;احكام الشريعةquot;. وتنص المادة الثانية على أن quot;الاسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادىء الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريعquot;.
وفي هذا السياق، قال ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية في مقابلة نشرتها الخميس صحيفة الاهرام الحكومية، إن quot;فصل الدين عن السياسة مرفوض تمامًا لانه يتنافى مع عقيدتنا فالاسلام دين شامل لكل نواحي الحياة والضمان الاساسي لكل اصحاب الشرائع هو تطبيق الشريعة وعندما يأخذون حقهم دينيًا وشرعيًا افضل من أن ياخذوه سياسيًاquot;.
وبحسب المحلل عبد المنعم سعيد، الرئيس السابق لمجلس ادارة مؤسسة الاهرام والعضو السابق في مجلس الشورى، فإن quot;الاحكام هي اجتهادات فقهية نسبية متغيرة بتغير الازمنة والامكنة وهي غير المبادىء أو المقاصد القطعية الدلالة الواردة في القرآنquot;.
وأضاف سعيد استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن لفظ مدنية في توصيف الدولة جاء كـquot;حل عبقريquot; لمواءمة مفهوم وارد من بيئة الغرب الاوروبي مع الواقع العربي الاسلامي.
وأوضح quot;أن لفظ المدنية بمعناه عندنا تقابله في الغرب كلمة علمانية بمعنى ضد الفكر الديني والثقافة الدينية وضد أن يكون للدولة دين، وجاء كحل عبقري في البلاد العربية لمسألة أن الدولة عندنا لها دين، هو الاسلامquot;.
وأشار المنوفي إلى أنّه توجد اليوم في مصر quot;طبقة برجوازية ومتوسطة كبيرة وتملك اسسًا اقتصادية، عبرت عنها بشكل قوي جدًا 30 مدينة جديدة بنيت في السنوات الاخيرة، وهي تملك قيمًا محافظة لكنها ترفض النقاب والتطرف الديني وتريد الاستقرار والحرياتquot; في اطار دولة مدنية.
وهو يلمح بذلك خصوصًا الى تنامي تحركات ومضايقات في الشارع المصري للفتيات والنساء غير المحجبات كثيرًا ما تتهم بالوقوف وراءها تيارات سلفية اثبتت قوتها في الانتخابات التشريعية الاخيرة بحلولها ثانية خلف الاخوان.
وشدد احمد النجار رئيس تحرير التقرير الاقتصادي العربي على أنه quot;لا بد من حسم الجدل حول الشريعة فورًا لانه يعطل الاستثمار بالاعتماد بوضوح لفظ المبادىء وليس الاحكامquot;. من جهة اخرى أكد المشاركون على اهمية أن يركز الرئيس مرسي على التوافق وان يبتعد عن الخطاب الحزبي اذا اراد ان يكون quot;رئيسًا لكل المصريينquot;، كما اعلن.
ولاحظ النجار انه رغم أن خطابات مرسي quot;كانت ايجابية عموماquot; الا انه اخطأ في quot;نقطتين في منتهى الخطورةquot; برأيه.
وأوضح أن اولاهما quot;قوله أن نجاحه يكلل نضال الاخوان وهذا خطأ حيث أن الكتلة الانتخابية للاخوان لا تزيد عن خمسة ملايين في حين صوت له اكثر من 13 مليونًا وهي كتلة الرافضين لعودة النظام السابق، وبالتالي فإن نجاحه في الوصول الى منصبه جاء نتيجة كفاح شعب وينبغي أن ينعكس ذلك في خطاباته وفي تشكيل الفريق الرئاسي والحكومةquot;.
وأضاف أن النقطة الثانية هي quot;حديثه عن الستينات والانقضاض على الديموقراطية، متناسيًا أن ذلك تم بسبب تحالف الاخوان مع النظام ضد القوى الحزبية الاخرى وبينها الوفدquot; حينها. وكان يشير بذلك الى خطاب مرسي في ميدان التحرير في 29 حزيران/يونيو الماضي عشية توليه الرئاسة رسميًا.
وأضاف المنوفي في هذا السياق أنه quot;يجب أن يعتمد في التعيينات السياسية مقياس الكفاءة أي الدراية والدربة والتعويل على شخصيات مستقلة قدر الامكان وعلى شخصيات مؤمنة تمامًا باهداف الثورةquot; وليس الانتماء الحزبي والموالاة.
وأكد أنه يتعين على الرئيس الجديد quot;احترام المعارضة والسعي الى معرفة آرائها وطروحاتها بشأن قضايا الوطن، في المقابل على هذه القوى عدم السعي الى الافشال والافسادquot;.
وأضاف أن على الرئيس أن يطرح مشروعه الحزبي quot;مشروع النهضة على باقي القوى السياسية لتعديله ليصبح مشروع الدولةquot;، مشيرًا إلى أنّ الظرف في مصر لا يسمح للحزب الفائز بتطبيق برنامجه، وقال: quot;نحن في مرحلة ما بعد ثورة والرئيس بحاجة الى تكاتف باقي القوى والبلاد بحاجة الى توافقquot;. ويسعى مرسي لتشكيل فريق رئاسي وحكومة جديدة أكدت مصادر قريبة منه أن اعضاء الفريق الرئاسي ورئيس الحكومة لن يكونوا من الاخوان.
وحتى على الصعيد الاقتصادي الصرف شدد النجار على اهمية quot;بناء اقتصاد توافقي من خلال اقامة توافق الحد الادنى بين برنامج حزب الحرية والعدالة وبرامج باقي الاحزاب والقوى التي رفعت مرسي الى سدة الحكمquot;.
وتطرقت الندوة الى الكثير من التحديات الاخرى الاقتصادية والاجتماعية التي يتعين على الرئيس مرسي الاهتمام بها لتخفيف التوتر الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية وضمنها اصلاح نظام الاجور والنظام البنكي والبورصة والقطاع الزراعي والضمان الاجتماعي وتنمية سيناء وتفعيل الامن وسيادة القانون.
التعليقات