يرى خبراء ومحللون أن الوجود الروسي في سوريا يحول دون تدخل الغرب عسكريًا، فالأسد يمتلك شبكة دفاعات متينة يديرها خبراء روس، وهو يعني أن أي حملة غربية ضد نظامه ستكون باهظة الكلفة ومديدة ومحفوفة بالمخاطر.


يتولى مستشارون روس تشغيل دفاعات جوية متطورة لدى جيش النظام السوري، ويرى مراقبون أن من شأن هذا الوجود العسكري أن يشكل تحديا لأي تدخل أميركي في سوريا لاحقًا.

وعلمت صحيفة الغارديان أن المستشارين يتولون تشغيل منظومات ارض ـ جو متطورة ومنظومات قديمة جرى تحديثها، مشيرة إلى أن موسكو جهزت نظام بشار الأسد بهذه الأسلحة بعد اندلاع الثورة السورية قبل 21 شهرًا.

ويعني عمق دفاعات النظام الجوية وتعقيدها أن أي حملة غربية مباشرة لفرض منطقة حظر جوي أو أي ضربات جوية تأديبية ضد النظام ستكون باهظة الكلفة ومديدة ومحفوفة بالمخاطر. ويمكن أن تترتب على وقوع خسائر في ارواح العسكريين الروس تداعيات جيوسياسية لا يمكن التنبؤ بها، بحسب المراقبين.

في هذه الأثناء ظلت الفظائع التي تُرتكب بصورة يومية تقريبًا تمارس ضغوطا على الحكومات الغربية للتحرك. وكان عشرات المدنيين الذين يقفون في طابور على الخبز قُتلوا يوم الأحد في غارة جوية على بلدة قرب مدينة حماة وسط سوريا، كما افاد ناشطون حقوقيون.

واظهرت أشرطة فيديو صورها اشخاص غير محترفين من بلدة حلفايا جثثا ممزقة في احد الشوارع حيث قُتل اشخاص على دراجاتهم النارية وداخل سياراتهم. ويصور احد الشرطة صبيًا بلا ساقين ويمكن رؤية اكداس من الجثث تحت الأنقاض خارج مبنى ذي طابقين قال التعليق المصاحب للشريط انها مخبز. ولم يُعرف عدد الجثث بين الأنقاض التي يتصاعد منها الدخان.

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان اتهمت النظام في السابق باستهداف المخابز، وحذرت نظام الأسد من أن قصف المدنيين على هذا النحو يمثل جرائم حرب. ولكن بسبب الفيتو الروسي في مجلس الأمن لم يصدر المجلس تفويضا إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في فظائع ارتكبها كلا الطرفين. وتقدر الأمم المتحدة عدد الضحايا حتى الآن بأكثر من 40 الف قتيل مع استمرار الحرب في التصاعد.

ويعتقد مسؤولون اتراك صدقت توقعاتهم بأن يلجأ النظام إلى استخدام صواريخ سكود بعد أن اسقط مقاتلو المعارضة عددًا من طائراته، ان بشار الأسد كاد مرتين أن يستخدم اسلحة كيمياوية أيضاً بما في ذلك غاز الأعصاب المعروف باسم غاز السارين.

وكانت المرة الأولى بعد تفجير مبنى الأمن القومي في دمشق في تموز/يوليو ومقتل صهر الرئيس آصف شوكت في الهجوم، والمرة الثانية الشهر الماضي بعد المكاسب الكبيرة التي حققتها قوات المعارضة.

ونقلت صحيفة الغارديان عن مسؤولين اتراك وغربيين أن هناك دلائل على أن الأسد يعتبر استخدام الأسلحة الكيمياوية خطوة أخرى في تصعيد استخدام القوة وليس مقامرة مصيرية يمكن أن تُنهي نظامه.

وحذرت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا النظام من أن استخدام مثل هذه الأسلحة ستليه ضربة عسكرية عقابية. ولكن أي رد كهذا سيكون محفوفا بمخاطر. فان الضربات الجوية ضد مستودعات الأسلحة الكيمياوية يمكن أن تؤدي إلى انتشار غازات قاتلة على منطقة واسعة متسببة في وقوع كارثة انسانية.

ودُربت قوات خاصة اميركية وحليفة على احتلال قواعد عسكرية تُخزن فيها رؤوس حربية، ولكن لا يُعرف ماذا ستكون الخطوة التالية. وسيكون من المتعذر عملياً نقل مئات الرؤوس الحربية خارج سوريا في حين أن حراسة الترسانة الكيمياوية فترة قد تصل الى أشهر تتطلب نشر آلاف الجنود الذين في هذه الأثناء يمكن أن تستهدفهم جماعات اسلامية تقاتل قوات النظام حاليًا.

وسيتعين تدمير دفاعات النظام القوية تمهيدًا لأي ضربات جوية ضد اهدافه ردًا على استخدامه اسلحة كيمياوية أو بالارتباط مع أي محاولة لفرض منطقة حظر جوي من اجل حماية مخيمات اللاجئين ضد القصف مثلاً. وكان النظام عمل على تعزيز هذه الدفاعات بدرجة كبيرة منذ الغارة الاسرائيلية على المفاعل النووي المفترض في الكبر عام 2007 ومرة أخرى بعد اندلاع الانتفاضة السورية في آذار/مارس 2011.

وكان مصدر هذه التعزيزات والتحديثات موسكو التي تعتبرها سدًا ضد أي تغيير في النظام يفرضه الغرب وحماية لاستثمار روسي مديد في سوريا. إذ توجد في مدينة اللاذقية على الساحل السوري أكبر محطة روسية للتجسس الالكتروني خارج روسيا ولديها قاعدة بحرية في طرطوس تعتبر موطئ قدمها في البحر المتوسط.

ودأب المسؤولون الأمنيون والعسكريون الروس الذين يمتنعون عادة عن التعليق على عملياتهم في الخارج، على نفي تزويد نظام الأسد بأي دعم عسكري مباشر.

وقال قائد قوات الدفاع الجوي الروسي الميجر جنرال الكسندر ليونوف في تصريح لإذاعة ايكو موسكفي quot;إن منظومة الدفاع الجوي السورية قوة لا يُستهان بها. ونتيجة لذلك لم يستخدم احد قوة جوية قتالية جدية ضدهاquot;.

وتتألف هذه القوة التي quot;لا يُستهان بهاquot; من فرقتين ونحو 50 الف جندي أو ضعف نظيرتها التي كانت لدى العقيد معمر القذافي، مع آلاف المدافع المضادة للجو وأكثر من 130 بطارية صواريخ مضادة للجو.

وبحسب رئيس تحرير مجلة جينز المختصة بالشؤون الأمنية والعسكرية جريمي بيني فان التعزيزات الروسية الأخيرة تشتمل على منظومات صواريخ ومحطات رادار متنقلة من طراز بوك ـ أم 2 وبانتسير ـ أس 1 أو أس أي ـ 22 كما يسميها حلف شمال الأطلسي. ولم تتأكد التقارير التي تحدثت عن وصول شحنة من صواريخ أس ـ 300 الحديثة بعيدة المدى ولم يكشف جيش النظام أياً من هذه الصواريخ في استعراض عسكري هذا العام. ومن الجائز ان تكون هذه الشحنة وصلت الى النظام لكنها ليست جاهزة للعمل حتى الآن.

ونقلت صحيفة الغارديان عن الباحث غاي بن آري من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن أن الروس quot;لا يبيعون المعدات فحسب، بل يساعدون في تشغيلها وتدريب أطقمها أيضاً. فاحيانًا لا تكون القدرات المحلية متوفرة لتشغيل هذه المنظومات وهكذا هي الحال في سوريا حيث لا تستطيع الأطقم السورية استخدام المنظومات بكامل طاقتهاquot;.

وأكدت مصادر مطلعة على العلاقة العسكرية بين موسكو ودمشق وجود أطقم روسية لتشغيل منظومات الدفاع الجوي في سوريا. وسيؤخذ وجودهم في الاعتبار لدى اعداد أي خطط غربية للتدخل، بحسب هذه المصادر.

وستتطلب مثل هذه الشبكة الكثيفة والمتداخلة ومتعددة المستويات من الدفاعات الجوية حملة جوية ضخمة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على آلاف الصواريخ الموجهة ذات الدقة العالية. وكانت بريطانيا وفرنسا ودول اوروبية أخرى حليفة للولايات المتحدة استهلكت مخزونها من هذه الأسلحة في ليبيا ورغم أن مثل هذه التفاصيل مصنفة فان تقارير أفادت أن مخزون هذه الاسلحة لم يعد حتى الآن إلى مستواه قبل الحرب في ليبيا.

وقال بن آري quot;نحن نعرف إن هذه الدول استنفدت ما لديها في نهاية الحملة الليبية ونظرًا للاجراءات التقشفية التي يعمل الاوروبيون في ظلها وحيث كل يورو يُنفق على الدفاع يخضع للتمحيص والتدقيق فان من الصعب رفد هذه المخزونات بمنظومات جديدةquot;. واضاف quot;أن اعادة هذه الأسلحة الى مستواها قبل الحملة الليبية لن تكون كافية بل ستكون هناك حاجة الى اكثر منها بكثير في سورياquot;.

كما ستتطلب أي حملة جوية في سوريا طائرات شبحية وقدرا كبيرا من العمليات التجسسية وصور الاقمار الاصطناعية والاستطلاعات الجوية، وكلها اختصاصات اميركية. ولهذه الأسباب مجتمعة لن تكون واشنطن قادرة على quot;القيادة من الخلفquot;، كما فعلت في ليبيا.

وأبدت ادارة اوباما حتى الآن حذرا شديدا من التورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط لا سيما وانها تدرك ان ازمة البرنامج النووي الايراني المستمرة منذ زمن طويل يمكن ان تشعل نزاعا في منطقة الخليج في أي وقت، كما يرى محللون. وبعد استقالة مدير وكالة المخابرات المركزية ديفيد بترايوس الشهر الماضي يقول هؤلاء المحللون ان الادارة فقدت أقوى دعاة التدخل في سوريا.

وكان المرشح لمنصب وزير الخارجية جون كيري دعا الى زيادة الدعم المقدَّم الى مقاتلي المعارضة السورية المسلحة ولكنه لم يذهب الى حد الدعوة الى تدخل اميركي أو أطلسي مباشر. وفي غياب مرشح لمنصب وزير الدفاع فان اشهرا قد تمر قبل ان يكتمل الطاقم الجديد ويعد نهجا جديدا واضح المعالم.

ويلاحظ المحللون أن متانة الدفاعات الجوية للنظام السوري ودعم موسكو وتشظي المعارضة تسهم كلها في تفسير الحقيقة الماثلة في ان تدخل الغرب بقيادة الولايات المتحدة، الذي كان مؤيدوه ومعارضوه يتوقعون حدوثه منذ ما يربو على عام، لم يتحقق حتى الآن وان واشنطن وغالبية العواصم الغربية الأخرى ليس لديها رغبة في الإقدام على مثل هذه الخطوة إلا إذا استخدم نظام الأسد اسلحة كيمياوية على نطاق واسع.