العلاقات المصرية الأميركية معرّضة للخطر

نشرت تقارير صحافية أميركية مخاطر وتداعيات قرار السلطات المصرية تحويل 19 أميركياً إلى محكمة الجنايات لبدء محاكمتهم بتهم إدارة منظمات من دون الحصول على التراخيص المطلوبة، مشيرة إلى أن هذا الإجراء يعرّض العلاقة المصرية- الأميركية للخطر، ويهدد بعرقلة برنامج المساعدات العسكرية.


بيروت: اعتبرت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; أن قرار السلطات المصرية تحويل 19 أميركياً وآخرين إلى المحاكمة، في قضية تلقي منظمات مدنية تمويل خارجي للعبث باستقرار البلاد، يهدد التحالف، الذي استمر ثلاثة عقود، بين الولايات المتحدة ومصر.

القرار المصري يثير التوتر بين البلدين في الوقت الحرج، الذي تنتقل فيه مصر نحو الديمقراطية، بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، فيما تشهد الشوارع المصرية غضباً من قبل المحتجين تجاه قوات الأمن في العاصمة والمدن الكبرى الأخرى، الأمر الذي يجعل الاقتصاد بحاجة ماسة إلى المساعدات الأجنبية.

وتحاول واشنطن ممارسة الضغوط على القاهرة من قبل الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته وأعضاء في الكونغرس ومجلس الشيوخ لإقناع مصر بوقف التحقيقات.

اعتبرت الصحيفة قرار المحاكمة بمثابة رسالة توبيخ من القاهرة إلى واشنطن، بعد تهديد أميركا بوقف 1.55 مليار دولار، من المفترض أن تتلقَّاها مصر هذا العام، فضلاً عن 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية السنوية.

تحقق السلطات المصرية مع تسع منظمات عاملة في مصر، بينها 4 منظمات أميركية ومنظمة ألمانية، فضلاً عن 4 منظمات مصرية، كما صدر قرار بمحاكمة 43 شخصاً في قضية quot;التمويل الأجنبيquot;، بينهم 19 أميركيًا و16 مصريًا و5 صرب و3 ألمان.

أعلنت وسائل الإعلام الرسمية المصرية أن التهم موجّهة إلى أربع منظمات غير ربحية، مقرها في واشنطن، وتتلقى بعض الدعم من قبل حكومة الولايات المتحدة. وتشمل الاتهامات: quot;العمل بدون تراخيص، وجمع المعلومات لإرسالها إلى الولايات المتحدة، ودعم المرشحين والأحزاب المصرية quot;لخدمة مصالح أجنبيةquot;.

وقالت اثنتان من المنظمات الأميركية، القريبة من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، إنها عملت على تدريب القاعدة الشعبية، وتنظيم الحملات السياسية والتوعية حول الانتخابات الديمقراطية، في محاولة لتجنب تفضيل أي فصيل سياسي مصري على آخر.

وقالت منظمة quot;فريدوم هاوسquot; إنها درّبت الناشطين الشباب، ونظمت برامج التبادل الدولي، فيما أشار quot;المركز الدولي للصحافيينquot;، وهو المنظمة الرابعة المتهمة من قبل السلطات المصرية، إلى أنه وضع برامج تدريب حول كيفية عمل الصحافة الحرة.

وأكدت كل من المجموعات أنها امتثلت للقوانين المصرية، ومارست نشاطاتها بشفافية. فقال ديفيد جيه كرامر، المدير التنفيذي لمؤسسة quot;فريدوم هاوسquot;، والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية في إدارة الرئيس السابق جورج بوش: quot;كل شيء فعلناه كان واضحاً وشفافاً ومعلناً أمام الجميعquot;.

المجموعتان الرئيستان، اللتان تخضعان للتحقيق من قبل السلطات المصرية، هما quot;المعهد الديمقراطي الوطنيquot; وquot;المعهد الجمهوري الدوليquot;، على خلفية دورها المزعوم في دعم المعارضة للرئيس حسني مبارك قبل سقوطه من السلطة في شباط (فبراير) الماضي.

ونقلت الصحيفة عن ميشيل دن، الخبيرة في شؤون مصر في المجلس الأطلسي، وهي مؤسسة بحثية في واشنطن، قولها إن quot;دوافع قادة مصر العسكريين في السماح لهذه القضية الجنائية بالمضي قدمًا كانت غامضةquot;.

يشار إلى أن القائمة التي أصدرتها القاهرة بأسماء المتهمين يوم الاثنين، شملت زوجها، تشارلز دان، رئيس برامج الشرق الاوسط في مؤسسة quot;فريدوم هاوسquot;.

وقالت دان إن الجيش يخوض صراعاً على السلطة مع جماعة الإخوان المسلمين والناشطين المؤيدين للديمقراطية، الذين قادوا احتجاجات ميدان التحرير، مشيرة إلى أن القادة العسكريين يحاولون استخدام التحقيق الجنائي لإضعاف نشطاء ميدان التحرير.

وأضافت: quot;إنه لأمر محيّر أن الجنرالات تركوا الأمور تصل إلى هذا الحد. كيف يعتقدون أن إدارة أوباما ستقدم إليهم المساعدة العسكرية بعد هذا التصرف؟quot;.

من جهته، حذر بول جيه سوليفان، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في جامعة جورج تاون، الذي درس طويلاً عن العسكرية المصرية، من تفسير الاتهامات الجنائية كنتيجة لمكيدة سياسية، مشيراً إلى أن quot;المصريين على اختلاف انتماءاتهم يشعرون بالقلق من تأثير لا مسوّغ له من قبل الولايات المتحدة، والتي يعتبرون أنها دعمت نظام مبارك لسنوات عديدةquot;.

وأضاف: quot;هذه الدولة تحررت حديثاً، وهي كناية عن بيئة هشة جداً وعاطفية. إنها ليست بيئة مناسبة لعمل المنظمات. ماذا سيكون رد فعلنا إذا جاء بلد أجنبي ليعلمنا كيفية إجراء الانتخابات؟quot;.

الكثير من المصريين يشاركون الحكومة العسكرية في شكوكها بالدوافع الأميركية، فيشير شريف محمد (33 عامًا) إلى أن ثمانين في المئة من الشعب المصري يعتقدون أن الولايات المتحدة مسؤولة عن أعمال الفوضى التي تجري، مضيفاً: quot;أميركا لا تحب الإسلامquot;.

في الأيام الأخيرة، قال عدد من أعضاء البرلمان المصري المنتخب حديثاً إنهم يتطلعون إلى نتائج التحقيق، مؤكدين أنه من الخطأ أن تنتهك الولايات المتحدة القوانين المصرية، التي تمنع التمويل الأجنبي للمنظمات غير الربحية.

وقال إليوت أبرامز، الذي كان مسؤولاً في وزارة الخارجية في إدارة الرئيس رونالد ريغان، عندما تم إنشاء مجموعات الديمقراطي والجمهوري، إنه quot;من المتوقع أن يثير عمل المنظمات المؤيدة للديمقراطية شكاوى من أمثال فلاديمير بوتين في روسيا، أو هوغو شافيز رئيس فنزويلاquot;.

قرار السلطات المصرية أثار ردود فعل متوقعة في الأوساط الأميركية، معرّضاً العلاقات بين مصر والولايات المتحدة للخطر. فقال جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض، إن المسؤولين في إدارة أوباما أوضحوا أن المساعدات التي تقدمها واشنطن إلى مصر أصبحت على المحك.

وأوضحquot;نحن نشعر بقلق بالغ من حملة القمع ضد المنظمات غير الحكومية في مصر، بما في ذلك توجيه تهم ضد الأميركيينquot;، مضيفاً: quot;لقد أوضحنا أننا نأخذ هذا على محمل الجد، وأنه قد تكون له عواقب، بما في ذلك برامج المساعدة التي نقدمهاquot;.

وقال الدكتور سوليفان، من جامعة جورج تاون، إنه ينبغي على المصريين والأميركيين الامتناع عن التصريحات التصعيدية، واستخدام الدبلوماسية الهادئة لنزع فتيل الأزمة، مشيراً إلى أنه من الصعب قراءة التيارات السياسية المصرية في هذه المرحلة، وأن quot;الثورة المصرية قد بدأت لتوهاquot;.