رغم أن الأميركيين يقولون إنهم حريصون على سيادة القيم الديمقراطية في العالم، فالواضح أن فرض هذا الحال بالقوة العسكرية لا يجد مكانا له وسط أولوياتهم... كما تثبت الوقائع في سوريا.


سوريون يتظاهرون في واشنطن quot;الصمّاءquot;

لندن: يحبس العالم أنفاسه وهو يشاهد تطورات الأحداث في سوريا، سواء على مستوى ردة فعل النظام على الحركة المطالبة بالتغيير أو ردة الفعل الدبلوماسية الخارجية في عواصم صنع القرار ومؤسساته مثل مجلس الأمن.

ووفقا لتقرير صحافي أوردته مجلة quot;فورين بوليسيquot; الأميركية، رغم أن الرئيس باراك اوباما يضرب باستمرار على أوتار الإدانة للتصدي الناري العنيف للثوار السوريين، تجد أنه يستبعد تماما أي تدخل عسكري على غرار ما حدث في ليبيا لإسقاط العقيد معمر القذافي على ما يبدو.

على أن هذا ليس قرارا من دون سند شعبي أميركي منيع، فبينما يتمنى الأميركيون أن يشهدوا انتشار الديمقراطية الى أقصى بقاع العالم، إلا انهم على أقصى درجات الحذر والتردد عندما يتعلق الأمر بمشاركتهم الميدانية في إطاحة الزعماء غير المنتخبين.

انقسام

الواقع أن أوباما تعلّم هذا الدرس مباشرة خلال الجهود الدولية الرامية إلى إزاحة العقيد معمّر القذافي، فقبيل إعلانه فرض حظر الطيران في الأجواء الليبية في مارس / اذار الماضي، كان الرأي العام الأميركي منقسما نصفين بهذا الخصوص.

وتبعا لاستطلاع أجرته وقتها quot;واشنطن بوستquot; مع شبكة quot;ايه بي سي نيوزquot; التلفزيونية، كان 49 في المائة من الأميركيين يؤيدون مشاركة بلادهم العملية في فرض الحظر بينما قال 45 في المائة إنهم يعارضونها.

وبالطبع فقد كال النصف المؤيد لتدخل أميركي مباشر النقد لأوباما على quot;الوقوف متفرجاquot;، وفي الوقت نفسه انهال فيه عليه النصف الآخر بالنقد من الجانب المقابل لأنه quot;لا يقف متفرجا كما ينبغي له ويحشر أنفه في ما لا يعني الشعب الأميركي حقاquot;.

وخلال فترة الصراع ضد القذافي، تأرجحت الشعبية العامة لاوباما صعودا ونزولا ولم تستقر الا بعد مقتل العقيد.

فقد قال 52 في المائة إنهم يؤيدون سياساته (الخارجية والداخلية أيضا) مقابل 31 في المائة قالوا إنهم يعارضونها.

ومع أن المعركة كانت بين قوات القذافي من جهة والثوار المدعومين بقوات حلف شمال الأطلسي laquo;الناتوraquo; من الجهة الأخرى، فقد قال أكثر من نصف الأميركيين إن إدارتهم كانت على خطأ عندما استجابت لمبدأ التدخل العسكري في ليبيا.

أفغانستان صارت استثناء بسبب بن لادن

لماذا؟

ما الذي يبرر هذا الافتقار وسط الأميركيين الى الحماسة لما يُعتبر أهدافا خارجية سامية؟

بشكل عام، فإن هؤلاء لا يفضلون أن تجتاح قواتهم بقاع الدنيا المختلفة لإزاحة هذا الطاغية أو ذاك، فتبعا لاستطلاع أجرته مؤسسة quot;بيو بولquot; أواخر العام الماضي، قالت نسبة 13 في المائة فقط إن ترقية الديمقراطية وسط الأمم الأخرى تأتي خلف مواضيع أخرى تأتي هي نفسها في ذيل أولوياتها الخارجية مثل حقوق الإنسان والتغيّر المناخي.

أما ما يهم الأميركي حقا فيتلخص في أمرين هما حماية قطاع التوظيف ومحاربة الإرهاب الداخلي. وهذان شيئان يجمع عليهما 80 في المائة من الناس.

وفي ما يتعلق بنشر الديمقراطية حول العالم، فإن الأميركيين يؤيدونها من حيث المبدأ وإن كان الخلاف يأتي في الكيفية، فبينما قال 60 في المائة منهم إنهم يتطلعون الى سيادتها في مختلف بقاع الدنيا، عبّر 70 في المائة عن قناعتهم بوجوب الابتعاد عن التدخل المباشر لإزاحة الطغاة هنا وهناك ومساعدة شعوبهم في حكم أنفسهم بأنفسهم.

استثناءان

يظل الانقسام في المجتمع الأميركي حول التدخل العسكري قائما حتى في حال تعرض شعب للقمع العنيف من جانب نظامه الحاكم.

وربما كان الاستثناءان لهذا قراري واشنطن في ما يتعلق بأفغانستان ثم العراق. فقد شهد كل من البلدين غزوا اميركيا أزاح حكومته.

لكن كلا منهما شهد ايضا استمرار الوجود الأميركي لأسباب تتعلق بأشياء أخرى غير نشر الديمقراطية من أجل الديمقراطية. فمن وجهة النظر الأميركية على الأقل، كانت افغانستان هي الملاذ الآمن لأسامة بن لادن وquot;القاعدةquot;، بينما كان نظام صدام حسين يخزّن أسلحة الدمار الشامل (بغض النظر عما اتضح لاحقا) ويموّل الإرهاب الدولي.

العراق هو الاستثناء الآخر

الانتخابات

خذ هذين الاستثناءين وستجد أن الأميركي يتوخى أقصى درجات الحذر في كل ما اتصل بالتدخل العسكري الخارجي.

ويتضح هذا بجلاء في أن استطلاعات الرأي منذ العام 2006 تظهر بوضوح أنه يؤيد اللجوء للقوة فقط في حال تعرضت بلاده، من جانب دولة أخرى، للاستفزاز الذي لا يمكن تجاهله بأي حال من الأحوال أو للهجوم المباشر.

وفي سنة انتخابية كالحالية والاقتصاد والعمالة في قمة هموم الناخبين، فإن خيار الحل الدبلوماسي وليس العسكري في سوريا، رغم كل ما يحدث فيها، يبدو هو المنطقي سواء على مستوى الشارع أو داخل البيت الأبيض.