دمشق: جاء اجتماع المجلس الوطني السوري في الدوحة لبحث انتخاب رئيس جديد له، بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي، برهان غليون، وقراره بتمديد ولايته، ليفجر احتقاناً لم يكن منتظراً.

فالمجلس الوطني السوري- وهو مظلة لأهم مكونات المعارضة في المنفى- خرج من اجتماعه في الدوحة بمقررات مدد من خلالها لبرهان غليون في رئاسته لثلاثة أشهر أخرى، وكان المبرر وراء ذلك أن الفترة الحالية هي للإعداد لمؤتمر أصدقاء سورية في 24 شباط فبراير الحالي في تونس، وليس لتغيير القيادات.

أولى بوادر الاعتراض على ما جرى في الدوحة جاءت من قبل أحد مكونات المجلس الوطني السوري، وهو التيار الوطني السوري المنضوي تحت جناحه، وهوة تيار إسلامي غير إخواني يقوده الأكاديمي عماد الدين الرشيد، الأستاذ في كلية الشريعة بجامعة دمشق.

وفي بيان تلقت quot;إيلافquot; نسخة منه، اعتبر التيار التمديد quot;غير ديمقراطيquot; وأنه quot;باطل قانونياًquot;، ملمحاً إلى إمكانية اللجوء إلى الهيئة العامة للمجلس ومحاسبة المكتب التنفيذي على قراره. وجاء في البيان أن التيّار الوطني السوري quot;إذ يتحفظ بشدّة على هذا التوجّه من بعض أعضاء المكتب التنفيذي، نضم صوتنا إلى جمهور المتظاهرين في الشارع السوري، الرّافضين لهذه الأساليب الإقصائيّة وغير الديموقراطيّة. ونعلن ما يأتي:

1ـ إنَّ قرار التمديد هذا باطلٌ قانونياً، وفقاً للنظام الداخلي للمجلس؛ لوجوب أن يمرّ مثل هذا الإجراء عبر الأمانة العامة للتصويت عليه.

2ـ إنَّ من أهمّ الأهداف التي قامت الثورة السوريّة المباركة لأجلها إبطال السلوك غير الديمقراطي، والسلوك الاستبدادي والانفرادي لبعض الأشخاص في مواقع المسؤوليّة، على حساب القاعدة الشعبيّة العريضة. فقد انقضى عند السوريّين ذلك العهد الذي راجت فيه ثقافة أنَّ شخصاً ما واحداً كائناً من كان هو الرئيس التاريخي، والاستثنائي، والملهم، ورجل المرحلة، والضامن لتحقيق أهدافهم. وإنَّه لمن المستهجن جدّاً أن يسلك أعضاء في المكتب التنفيذي في المجلس الوطني ـ الذي يُفتَرضُ أنَّه الممثّل للثورة السوريّة ـ هذا المسلك الاستبدادي الانفرادي نفسه.

3ـ إنَّ جلّ أعضاء المجلس الوطني، والسوريين في الداخل والخارج، يتابعون بقلقٍ بالغ وبرفضٍ شديد، خضوع قرارات المكتب التنفيذي في المجلس الوطني لتصوّرات أشخاصٍ محدودين، يوجهونه حيث يظنون أنه المصلحة للثورة وللسوريينquot;.

واللافت في البيان اللهجة التصعيدية في نبرته، إذ اعتبر أن quot;التمديد للدكتور غليون بهذه السابقة الخطيرة يستوجب التوقّف ومحاسبة أعضاء المكتب التنفيذي، بعد حجب الثقة عنهم، والدعوة لاجتماع الهيئة العامّة لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وللعمل على تغيير القيادات التي أثبتت عجزها عن مواكبة فكرة الديمقراطيّة والتعدديّةquot;.

ولم يكتف البيان بالمطالبة بحجب الثقة عن أعضاء المكتب التنفيذي الحاليين، بل طرح أحد خيارين، زعم أن التفكير لدى معظم أعضاء المجلس الوطني بدأ يتجه إلى أحدهما: quot;فإمّا أن تتمّ الدعوة إلى اجتماع عاجل للهيئة العامّة للمجلس، لمراجعة أعمال المكتب التنفيذي وآليات مواقفه واتخاذ القرار فيه، ولانتخاب رئيس للمجلس، سواءٌ أكان الدكتور غليون أو غيره؛ وإمّا تعليق عضويتها في المجلس، والبحث خارجه عن أطرٍ أخرى، تحترم الديموقراطيّة التي يدفع السوريون ثمناً لها من حياتهم ودمائهم، وتؤمن قولاً وفعلاً بتداول السلطة، وتمثّل الثورة السوريّة بشكلٍ مشرّف، وترتقي إلى مستواها النبيل، وتدعمها وتدعم جيشها الوطني الحر، وتلبّي حاجاتها الحقيقيّة من الدعم المادي، وليس مجرّد الاجتماعات والمؤتمرات والبياناتquot;.

واختتم البيان، الذي يعد أول مؤشر على حالة اللاتراضي بين أعضاء المجلس الوطني وتياراته على إعادة انتخاب أو التمديد لرئيسه الحالي، الدكتور برهان غليون، بأمله quot;أن يبادر أعضاء الأمانة العامّة في المجلس، إلى اتخاذ الإجراءات السريعة والفعّالة للانضباط بنظامه الداخلي، ولتكريس مبدأ الديمقراطيّة، ولتصحيح مسار المجلس، ولإنقاذه من هذا الاضطراب، حتى تعود ثقة الثوّار فيه إلى سابق عهدها، بل إلى أفضل ممّا كانت عليهquot;.

وقد انتشر هذا البيان على الصفحات الشخصية للموالين للثورة السورية، انتشار النار في الهشيم، وجاء في وقت ارتفعت فيه همهمات منتقدي المجلس الوطني السوري على سابقة التمديد لرئيسه الحالي، واتهامه بمماثلة النظام ومشابهته في اعتماد صيغ غير ديمقراطية لإدارة المجلس وقيادة توجهاته، وتحت ذرائع سياسية مشابهة لما كان يروجه النظام، من دقة المرحلة وخطورتها وأولوية بعض الاستحقاقات على غيرها.