تشهد تونس هذه الأيام جدلاً كبيراً يتصل بصياغة الدستور الذي اتمت انتخاب لجانه التأسيسيّة، فهناك بعض الأصوات التي تدعو إلى إطلاق الحريات الشخصية ومبادئ الحداثة،بيد أن البعض يعتقد أن ذلك لا يتناسب ومنطلقات المجتمع التونسي.


البرلمان التونسي

بداية الأسبوع الجاري، ستشهد تونس انطلاق عملية صياغة دستور جديد للجمهورية الثانية بعد أن تم انتخاب مختلف اللجان التأسيسية التي عملت على تركيز منهجيات العمل. ومع هذه الانطلاقة الفعلية، ترتفع الأصوات من هنا وهناك، منها المنادية بالعمل بمبدأ التوافق بين الجميع حتى يكون الدستور دستور كل التونسيين، وأخرى تتطلع إلى تضمين الدستور مبادئ وقيم الحداثة بما فيها من حريات شخصية يرى فيها البعض زراعة في غير تربتها.

واجتمعت لجنة التوطئة والمبادئ الأساسية وتعديل الدستور التي يرأسها عضو حركة النهضة، الصحبي عتيق، ومن بين أعضائها الشيخ الصادق شورو، وهو من مؤسسي حركة النهضة، أكد أنّه يجب تحديد التوطئة بناء على ثلاث مرجعيات التي ستكون أساس الدستور، وهي المرجعية الأصولية الإسلامية التي تقوم على القرآن والسنة وإجماع علماء الأمة وهو ما يتفق عليه علماء الدين.

الصادق شورو أشار إلى أنّ المنظومة القانونية يجب أن تستند إلى الشريعة الإسلامية من أجل تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع وبخصوص المرجعية الكونية فقد رأى شورو أنّ quot;مركزية الإنسان تبقى مركزية نسبية يجب وضعها ضمن مركزية الله المطلقةquot;.

تطبيق الشريعة

اما عبد الفتاح مورو، فأكد لـquot;إيلافquot; أنّ quot;الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية وتضمين ذلك في الدستور الذي ستتم صياغته لا يمكن أن يتنزل هذا الإقتراح الآن في الظرف الذي نعيشه لأننا نمر حاليا بمرحلة التأسيس، وبالتالي علينا أن نتوخى السرعة والنجاعة في الإنجاز وأن لا نتطرق إلى القضايا التي من شأنها أن تفرق بين أبناء المجتمع وتفتح علينا وبال الخلاف لأن هذه القضية ليست بسيطة يمكن أن يبتّ فيها عبر التصويت فهي هامة جدا حيث المرجعية القانونية لتونس لا يمكن أن تحدد بطريقة الاقتراع وفوز الأغلبية أو مجرد رأي يقدم لمجلس تأسيسي في ظرف انتقالي. هذه قضية تحتاج إلى النظر فيها من كل الدوائر الفكرية و القضائية والأحزاب السياسية و المجتمع التونسيquot;.

ويضيف الشيخ مورو: quot;إن ارتباطنا بالتاريخ الإسلامي مستمد من الفصل الأول لدستور 1959 والذي ينص على أن تونس هي دولة مستقلة دينها الإسلام ولغتها العربية، أمكن له أن يبقي على الذاتية العربية الإسلامية منفتحة على الواقع منذ 1959 إلى الآن ولم تحصل انتكاسة في هذا التوجه والمنظومة القانونية التونسية هي منظومة إسلامية مستمدة من الفقه المالكي، ولذلك علينا أن نتمسك بالفصل الأول من دستور 1959 وأن لا نطرح اعتماد الشريعة الإسلامية مرجعا للدستور حتى ندرأ كل أسباب الخلاف التي يمكن أن تصيب المجتمع التونسي وحتى لا نستثير بعضنا ومن يتصور أنه قادر على تمرير هذا المشروع عن طريق أغلبية يكسبها عليه أن يضع في حسبانه أنه يمكن الانقلاب على ذلك يوما باعتماد الأغلبية لذلك لا يمكن أن نبتّ في مثل هذه القضايا الجوهرية بعقلية الأغلبية والأقلية ولا يكون ذلك إلا عن طريق وفاق وطني يركز شخصيتنا الوطنية بعيدا عن أي خلافquot;.

الحرية مقدسة

من جانبه أوضح، محمد الصغير، عضو المجلس الوطني التأسيسي وعضو لجنة الحقوق والحريات في إفادة لـquot;إيلاف quot;أنّ أعضاء هذه اللجنة مازالوا يبحثون عن أبرز المضامين التي تجب أن تدرس في خصوص موضوع الحريات وخاصة المرجعية التي سيتم اعتمادها والتركيز عليها وبأي نوع من الدساتير نبدأ في ظل وجود عدد من الدساتير من الشرق ومن الغرب للإطلاع عليهاquot;.

وأضاف محمد الصغير: quot;من أهم المبادئ التي يجب تضمينها في الدستور هي الحرية، وهي مقدسة كقيمة إنسانية وحرية الحياة وحرية التعبير والحق في المسكن والشغل والأمن الغذائي ثم حقوق الجماعة والمرجعية والأهم حدود هذه الحريات التي نصبو إليها، هل هي محدودة أم لا حدود لها ومدى توافقها مع القانون الدولي مع احترام مرجعيتنا الإسلامية اعتبارا إلى أنه لا يمكن مثلا أن نطبق الحريات الموجودة في السويد على الشعب التونسي المسلم، ولكن علينا أن نقتبس من أهم الدساتير العالمية، وما فيها من حقوق للإنسان التي لا تتناقض مع مبادئ الشعب التونسيquot;.

أما عن الدعوة إلى اعتماد الشريعة الإسلامية مرجعا فقال محمد الصغير: quot;هناك فكرة اعتماد الشريعة الإسلامية كأصل من أصول التشريع، وليس كأصل وحيد. فهناك بعض القوانين والحريات العالمية لا تتماشى والأرضية التونسية مثلا لا يمكن أن نشرع للمثلية الجنسية في تونس وبالتالي احترام الشريعة الإسلامية كمرجع من المراجع المعتمدة والشريعة الإسلامية ليس المعنى تطبيق الحدود ولكن كمصدر تشريعيquot;.

ويرى محمد الصغير أنّ هناك بعض المبادئ التي قد يقع حولها خلاف بين مختلف مكونات المجلس الوطني التأسيسي، ويوضح: quot;أعتقد أن المرجعية الأساسية ستكون محل خلاف إلى جانب اعتماد القانون الدولي حيث هناك من يقول بعلوية القانون الدولي في صياغة مبادئ و فصول الدستور أي تطبيق الحقوق الكونية كما في غيرها من الدول الأخرى في تونس وهذا غير مقبول، وهو مختلف حوله بالضرورة وكذلك الحريات الشخصية التي ينادي البعض بأن تكون مطلقة حيث لا يمكن أن نفرض حريات مطبقة في دول علمانية أخرى على الشعب التونسي، ونحن هنا نحافظ على التعددية الحزبية و مبدأ التداول على السلطة ومبدأ التفريق بين السلطة وحرية التعبير وتكوين الجمعيات والأحزاب والحريات الشخصية غير الدخيلة على مجتمعناquot;.

عضو المجلس الوطني التأسيسي أقرّ بإمكانية تطبيق مبدأ التوافق خلال المداولات والتصويت على فصول الدستور إذا تم احترام المرجعية الإسلامية وعدم صوغ فصول مضمنة في دساتير دول علمانية، وهي لا تتماشى ومبادئ وتاريخ المجتمع التونسي ولكن إذا أصرّ كل طرف بمبادئه الخاصة فالتوافق يصبح أمرا عصيّا.

المحلل السياسي ورئيس المجلس المدني التأسيسي، صلاح الدين الجورشي، وفي حديث لـquot;إيلافquot; أوضح أنّ quot;الدستور التونسي الجديد لا يمكن أن يخضع لمبدأ الأغلبية والأقلية، ولكن يجب العمل بمبدأ التوافق للوصول إلى صياغة دستور لكل التونسيين من دون استثناء وهذا لن يتم إلا وفق هذا المبدأquot;.

وأضاف الجورشي أن عملية صياغة الدستور هي عملية فارقة في تاريخ تونس الجديد، وبالتالي يجب أن تعبر عن كل التونسيين من خلال الأخذ بآراء الجميع من خلال رؤية توافقية تعمل من أجل المصلحة العامة.

القيم العربية والإسلامية

ومن ناحيتها تؤكد مي الجريبي، عضو المجلس الوطني التأسيسي عن الحزب الديمقراطي التقدمي عديد المبادئ الأساسية التي يجب تضمينها في الدستور وتقول: quot;نحن نؤكد أن الثورة قد أتت من أجل دستور ديمقراطي ولا يمكن أن نصوغ دستورًا لا نعبر من خلاله عن وفائنا لهذا الشعب، دستور بما فيه من قيم ومبادئ ونظهر فيه تشبثنا بالقيم العربية والإسلامية إلى جانب انتمائنا إلى هذا الفضاء العربي والإسلامي والعالميquot;.

وأكدت الجريبي أن الدستور سيؤكد على التمسك بالثوابت التي تتمثل في النظام الديمقراطي منهجا والنظام الجمهوري لإدارة الحياة السياسية من خلال الفصل بين السلطات وضمان حياد الإدارة إلى جانب التنصيص على الحقوق الأساسية كحق التعليم والصحة والشغيلquot;.

وحول اعتماد الشريعة الإسلامية مرجعا لهذا الدستور الجديد، قالت الجريبي في حديث لـquot;إيلافquot;: quot;أختلف مع بعض الأطراف على غرار عضو حركة النهضة الصادق شورو الذي يطالب بأن تكون الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع في الدستور وهي مسألة خلافية فيها تأويلات، وبالتالي أعتقد أن مسألة المرجعية هي أساسية يمكن التوافق حولها مع مختلف الأطراف الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي، ونحن نسعى إلى التوافق الذي سيكون السبيل الأساسي لصياغة دستور لكل التونسيينquot;.

من جانبها، أكدت لبنى الجريبي عضو المجلس الوطني التأسيسي عن حزب التكتل أحد أطراف الإئتلاف الحكومي ضرورة إرساء المبادئ الأساسية للدولة العصرية التي تقوم على الحداثة بعيدا عن توظيف الدين في المجال السياسي.

أما سمير بالطيب عضو المجلس الوطني التأسيسي عن حركة التجديد فأكد أنّ: quot;الدستور هو لكل التونسيين، وبالتالي فعملية صياغة الدستور مسألة تهم كل جميع التونسيين، ومن أجل ذلك نحن نخوض معركة، حيث في كل مرة تجند فيها الشارع وساعدنا إلا وتغيرت التوازنات داخل المجلس وقبلت الأطراف الأخرى بالتنازلاتquot;.