تقول الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي في تونس، مي الجريبي،في حوارمع quot;إيلافquot; إن أداء الحكومة في بلادها ضعيف،إذ إن البطالة متفاقمة والقدرة الشرائية للمواطنين تتراجع، والناس تعيش حالة توجس وخوف من المستقبل، إضافة إلى انتهاك الحريات وبروز مظاهر التطرف.


مي الجريبي، الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي في تونس

تونس: أكدت مي الجريبي أو quot;المرأة الحديديةquot;، مثلما يطلق عليها البعض، الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي في تونس، أنّ quot;الوضع صعب في تونسquot;، وأنّ quot;هذه الحكومة لم تتقدم ولو خطوة واحدة لتحقيق انتظارات المواطنينquot; وبالتالي أقرّت بفشلها.

وذكرت الجريبي في حوار مع quot;إيلافquot; أنّ الحزب الديمقراطي التقدمي منفتح على غيره من أحزاب الوسط، فـ quot;مهمتنا هي أن نخلق هذا التوازن، ولذلك انفتحنا وتوسعنا على كثير من الأحزاب الوسطية والمعتدلة، لأن تونس في حاجة إلى هذا الحزب المعتدلquot;.

ووصفت الديبلوماسية التونسية بأنها quot;شكلية وارتجالية، وتتوجه فقط نحو الاستهلاك الإعلاميquot;،وتحدثت عن الكثير من القضايا الداخلية والخارجية،وإليكم نص الحوار معها:

كيف تقوّمين أداء الحكومة بعد شهرين من بدء العمل؟

شهران منذ بدء العمل وأربعة أشهر منذ الانتخابات.. والحقيقة أن الوضع في تونس صعب جدًا، لأن البطالة متفاقمة، والتونسي يعيش تدهورًا مريعاً لمقدرته الشرائية، ويتوجّس خيفة بخصوص مستقبل بلاده، ويعيش حالة من انتهاك الحريات، ويرى مظاهر من التطرّف، في هذا الإطار ومع الأسف الشديد وبكل مرارة، لأنني كنت أتمنى أن أرى نجاحًا وإجراءات عملية، في المقابل أرى أن الحكومة لم تبادر بأي إجراءات عملية، ولم تعلم الرأي العام بخطتها البرنامجية بخصوص الوضع الاقتصادي والاجتماعي.

نحن نتفهم أن الوضع صعب للغاية، والمدة قصيرة، وليست هناك عصا سحرية، وإنما تكون الأمور متدرجة، ولكن كنا ننتظر من هذه الحكومة، التي بشّر أطرافها بكثير من الوعود أثناء الحملة الانتخابية بخصوص العمل والعدالة الانتقالية والتعويض لعائلات الشهداء والجرحى وغيرهم، ومع الأسف الشديد فلم ير المواطن أيًا من هذه الأشياء، وأعتقد أن الحكومة اقتصرت على إعلان نوايا لم نر ترجمة لها في الواقع.

أكثر من ذلك فقد سمعنا تصريحات لا تزيد الوضع إلا تعقيدًا، فكان هناك تهجّم من رموز في الحكومة، وأيضًا من رئيس الحكومة على الإعلام والإعلاميين بعد هذه التسميات التي كانت منصبة، والتي أتت من جديد ببعض من رموز العهد البائد، ورأينا عدم تفهم لمطالب المعتصمين.

نحن نعتقد أن الاعتصام يعطِّل الدورة الاقتصادية، وهو ليس السبيل الأمثل لتنفيذ المطالب، ولكن على الحكومة أن تنصت إلى مواطنيها الذين يعتصمون، وهم الذين أتوا بالثورة، وعوضًا من ذلك فقد انبرت تتحدث عن أطراف يسارية متطرّفة تقف وراء هذه الإعتصامات، أو هي تتهم من خسر الانتخابات، وبالتالي هناك عدم فاعلية على مستوى الإجراءات العملية في المجال الاجتماعي، وتردد على المستوى السياسي ونزعة هيمنة على وسائل الإعلام.

في هذا الإطار هناك تطور مفزع للسلفية ولخطاب متطرّف غريب عن عاداتنا يتنامى في ظل تعاطٍ سلبي من الحكومة، يبعث على كثير من الانشغال. هذا التعاطي السلبي وغضّ الطرف هل يعني قبول هذا الخطاب، وفتح المجال أمامه أم ماذا يعني؟. نحن نطالب الحكومة بأن تبيّن موقفها، وتضع الآليات لتحصين المجتمع ضد هذه الإنزلاقات الخطرة.

إذن أنت تقرّين بفشل الحكومة أم هي علامات فشل في المرحلة اللاحقة؟

أنا لا أتمنى لهذه الحكومة أن تفشل، لأن في فشلها فشلاً لهذا المسار الانتقالي، وفي فشلها تردٍّ للأوضاع الاجتماعية للمواطنين، ونحن مسخَّرون لخدمة المواطنين وأهدافنا الحزبية الضيقة، وبالتالي أتمنى النجاح للحكومة، وأن تتقدم في توضيح السبيل للنهوض بأوضاع التونسيين، لكن كل مراقب للحياة السياسية والاجتماعية يلاحظ أن هذه الحكومة لم تتقدم ولو خطوة واحدة لتحقيق انتظارات المواطنين.

ألا يعني نجاح الحكومة نيل ثقة المواطنين، وبالتالي إعادة انتخابهم من جديد، فماذا ستجنون؟.

إذا تمكنت هذه الحكومة النجاح على الأصعدة كافة فهي تستحق أن تخوض الانتخابات من موقع آخر، ولكل طرف موقعه في العملية السياسية. الحكومة عليها أن تتقدم بإجراءات عملية، وأن توضح لنا برنامجها ورؤاها، لنفهم موقفها من قضايا الحريات على غرار السلفية، ومن مهمّة المعارضة ومن موقعها أن تتقدم بالبدائل، وأن تبدي الموقف المطلوب من كل ما تقوم به الحكومة، وهذا شأن كل الديمقراطيات في العالم، وكلانا نحتكم إلى الرأي العام ومن ينتصر له الصندوق فمرحبًا.

غيرتم الإستراتيجية، وكونتم تجمعًا لأحزاب الوسط. فهل هذا اعتراف بعدم قدرتكم على مقارعة حركة النهضة، وهل هي الطريقة الأنسب للوصول إلى الحكم؟

لم نغير إستراتيجيتنا، الحزب الديمقراطي التقدميبني على فكرة تجميع الطاقات، وأنا أتيت من تجربة التجمع الاشتراكي التقدمي، الذي تحوّل إلى الحزب الديمقراطي التقدمي، لينفتح على أكثر طاقات، وليضع قضية الديمقراطية في المحور، ويلتقي مع أطراف فكرية مختلفة، تلتقي حول المجال السياسي، وبذلك تحوّل إلى حزب برنامجي ومستوى التباعد والالتقاء والتقارب داخله هو سياسي بحت أي برنامجي.

وكان ذلك استجابة لمرحلة معينة في تاريخ تونس، واليوم المرحلة تقتضي التوازن بين القوى السياسية، لأن الديمقراطية لا تقوم إلا على التوازن، باعتبارها تفترض التداول السلمي على السلطة، ولا يكون ذلك ممكناً إلا بتوازن القوى، وقضية التوازن مهمة جدًا، لأنها تضع كلا الطرفين في موقع الاحتكام إلى صندوق الاقتراع، بمعنى من هو في الحكم يسعى إلى بذل قصارى جهده للعمل على الاستجابة لطموحات المواطنين، ويعرف أنه ليس أبدياً هناك.

ومن هو في المعارضة يسعى إلى تقديم البدائل للاستجابة لانتظارات المواطنين، ديدنه في ذلك أن وجود الآخر في الحكم، ليس أبدياً، وبذلك يخلق توازنًا يطمئن المواطن، الذي عندما يشعر بأن حالته متدهورة، ولم يتم الاستجابة لطلباته، يطمئن إلى أن صندوق الاقتراع يمكن أن يغير موازين القوى، وفي هذه المرحلة التاريخية مهمتنا أن نخلق هذا التوازن، ولذلك انفتحنا وتوسعنا على كثير من الأحزاب الوسطية والمعتدلة، وأعتقد أن تونس في حاجة إلى هذا الحزب المعتدل.

كيف تنظرون إلى زيارة رئيس الجمهورية المرزوقي إلى دول المغرب العربي من أجل العمل على تفعيل الإتحاد المغاربي؟

نحن مع الإنفتاح ومع ديبلوماسية جديدة، تؤكد انتماءنا العربي والمغاربي والإسلامي، ومع انفتاحنا على كل شركائنا في أوروبا وغيرها. والزيارة مهمّة جداً، ومن الطبيعي أن تكون لنا علاقات ديبلوماسية وطيدة، ولكن أتمنى ألا تكون هذه الزيارات للاستهلاك الإعلامي، وكذلك أن تقطع مع الارتجالية، وطالما تحدثت عن العلاقات الخارجية أؤكد على ضرورة أن تستجيب الديبلوماسية التونسية لضرورات الثوابت التونسية، ولا تنخرط في أجندة خارجية لهذا الطرف أو ذاك.

ماذا تعيبون على السياسة الخارجية الحالية؟

أعيب عليها درجة من الإرتجالية والشكلية، وأنها توجّه فقط للاستهلاك الإعلامي، والتونسيون يتساءلون عن مغزى طرد السفير السوري بهذه الطريقة، هل لا يندرج ذلك في إطار أجندة أخرى غير أجندة مساندة الثورة السورية التي لا يجادل فيها اثنان.

أين تظهر الارتجالية والشكلية في السياسة الخارجية، وكيف يمكن أن يتم التعامل من أجل مساندة الشعب السوري ومع الأجندة الخارجية؟

هذا السؤال يطرح على من لديه أجندات أخرى والتضامن والوقوف إلى جانب شعبنا السوري، هذه مسألة لا جدال فيها، مع تأمين عدم تدويل القضية السورية، وعدم الانخراط في أجندات أخرى، خليجية أو غربية، هذه من الضرورات التي نؤكدها على الديبلوماسية التونسية.

لو كنتم طرفًا في الحكومة كيف كنتم تتعاملون مع هذه القضية؟.

عندما نكون في الحكم أجيبك عن هذا السؤال.

أداء الإعلام التونسي في الفترة الأخيرة كان محلّ انتقاد البعض، وترحيب البعض الآخر، فكيف تقوّمون مستوى أداء الإعلام في هذه الفترة؟

أولاً، أعتقد أنّ من أبرز ما حققته الثورة هو هذه الحرية، التي أنا متأكدة من أن التونسيين مهما كانت الصعوبات التي يجابهونها لن يتخلوا عنها، ولن تكون هناك ردّة في هذا المجال، وثانيًا نحن خرجنا من وضع استبدادي مقيت، وبالضرورة أن نعيش تعثرات ومنزلقات في مرحلة ما بعد الاستبداد، وفي هذا الاتجاه عايشنا أخطاء لا نقبلها، ولكن لا نقبل أنه بتعدد تلك الأخطاء والمنزلقات أن نعود بالإعلام إلى الوراء، فحق المواطن في إعلام حرّ ومتعدد ومسؤول سالت من أجله الدماء يجب أن يصان.

كيف ترون عملية إيقاف ثلاثة صحافيين من صحيفة quot;التونسيةquot; بعد نشرها صورة فاضحة على صفحتها الأولى؟

ما صدر من quot;التونسيةquot; هو خطأ صدم الرأي العام، ولا أعتقد أنه سليم في هذه المرحلة، وقد وقعت إحالة الصحافيين على أساس المجلة الجزائية، في حين أن المرسوم رقم 115 من المفروض أن يكون محل الإحالة، والذي لا ينصّ على العقوبات البدنية، بل على فتح تحقيق ومتابعته، والصحافيون يكونون خارج أسوار السجن، وخوفي من أن يكون هذا بابًا يدخل منه لانتهاكات حق الإعلام، وتتبع الصحافيين على شاكلة ما حدث لصحافيين quot;التونسيةquot;، والذي كنا نعيشه في الماضي، وبالتالي يجب الانتباه، بحيث لا نقبل بالأخطاء والتجاوزات، وفي الوقت نفسه لا ننتهك حق الإعلاميين وحرية التعبير، ولا نخلط بين هذا وذاك.

ما هي المبادئ التي تودّون تضمينها في الدستور؟ وما هي المبادئ التي تختلفون حولها مع حركة النهضة؟

أولاً نحن نؤكد على أن الثورة قد أتت من أجل دستور ديمقراطي، ولا يمكن أن نصوغ دستورًا لا نعبّر من خلاله عن وفائنا لشهدائنا وانخراطنا في هذا المسار، الذي ابتدأ منذ عقود.

ثانيًا لا بد من التأكيد على القيم والانتماء، ويتمثل في تشبثنا بالقيم العربية والإسلامية السمحة،إضافة إلىانتمائنا إلى هذا الفضاء العربي الإسلامي والكوني، بمعنى أن ننهل من حضارتنا العريقة، ومن كل ما أتت به البشرية في مسار الدفاع عن الحقوق والحريات، وأعتقد أن دستورنا من شأنه أن يؤكد على التمسك بالثوابت،أي التمسك بالنظام الديمقراطي منهجاً، والنظام الجمهوري لإدارة الحياة السياسية في تونس بمبدأ الفصل بين السلطات وحياد الإدارة،بمعنى القطع مع ما عاناه التونسيون في السابق وتشريع الحقوق الأساسية التي اندلعت من أجلها الثورة كحق التعليم والصحة والتنمية والشغل.

وما هي المبادئ التي تختلفون حولها مع حركة النهضة؟

نحن مازلنا نناقش ذلك، ونريد أن نتحاور ونستفيد من بعضنا البعض، ونضع نصب أعيننا مصلحة تونس بعيداً عن المصالح الحزبية الضيقة. أختلف مع بعض الأطراف على غرار الصادق شورو، الذي يطالب بأن تكون الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع في الدستور، وهي مسألة خلافية فيها تأويلات، وأي تشريع وأي مدرسة فقهية نقصد، لكن أن نعبّر عن انتمائنا العربي الإسلامي وأن نأخذ من المناهل الإسلامية، كما نأخذ من المناهل الحضارية بصفة عامة فأعتقد أنها مسألة أساسية، يمكن التوافق حولها مع مختلف الأطراف الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي، وأتمنى أن يتوافق الجميع حول ذلك، بل نحن نسعى إلى التوافق، الذي أعتقد أنه ممكن لو توافرت الإرادة السياسية.