تلقي التطورات الإقليمية بانعكاساتها على العلاقات التركية الإيرانية التي باتت تشهد نوعاً من التدهور بسبب اختلاف وجهات النظر حيال التعامل مع الأزمة السورية وكذلك فيما يخص جهود طهران النووية.


وزير الخارجية التركي والرئيس الإيراني

مع تصاعد التوترات بين الغرب وإيران بشأن برنامج البلاد النووي، بدأ يتحدث بعض المحللين الغربيين عن أن علاقة تركيا بإيران تتعرض على ما يبدو أيضاً لحالة من التدهور.

وأشارت في هذا الصدد مجلة فورين بوليسي الأميركية إلى أن الدولتين الجارتين، اللتين كونتا على ما يبدو مؤخراً علاقة صداقة قوية، وجدتا أنفسهما الآن على طرفي نقيض من الصراعات الحاصلة في سوريا والعراق والبحرين، في الوقت الذي ظهر فيه قرار تركيا باستضافة الدرع الصاروخي لحلف شمال الناتو على أنه نقطة خلاف أخرى.

غير أن المجلة أوضحت في هذا الشأن أن ما يتردد عن أن تلك التوترات ستقود إلى انهيار تام في العلاقة التركية- الإيرانية هي مجرد أقاويل من شأنها تهويل الصدع، مثلما تسببت المخاوف التي أثيرت في وقت سابق من التحالف التركي- الإيراني المضاد للغرب في إساءة فهم تعامل أنقرة مع طهران. ومما لا شك فيه أن المعركة التي اندلعت بين إيران وتركيا بشأن فرض الهيمنة على الصعيد الإقليمي قد احتدمت مؤخراً في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن من تغييرات تاريخية.

ففي سوريا، تخلت تركيا عن صداقتها الوطيدة بالرئيس بشار الأسد وبدأت تقود الجهود الدولية لدعم المعارضة السورية وإنهاء الأزمة الإنسانية هناك. فيما ظلت إيران باعتبارها واحدة من أنصار نظام الأسد القلائل، ومازالت تمده بالسلاح وأجهزة المراقبة وتقوم بتدريب القوات الأمنية السورية في الوقت الذي تخمد فيه الاحتجاجات بوحشية.

ومع انسحاب القوات الأميركية من العراق وتصاعد حدة التوترات الطائفية هناك، بدأت تطفو على السطح هناك مصالح تركيا والعراق المتضاربة. فبينما تدعم ايران الجانب الشيعي، فإن تركيا تقف إلى جوار السنة. لكن أنقرة سعت لتجاوز الانقسامات الطائفية في العراق ndash; في تناقض واضح لاحتضان ايران العلني للطائفية ndash; ودعَّمت العراقية كوسيلة لضمان عدم هيمنة جماعة واحدة بعينها على البلاد.

ولفتت فورين بوليسي كذلك إلى وجود مصالح متضاربة لكل من تركيا وإيران في البحرين، حيث تسعى ايران للتأثير على حركة الاحتجاجات التي تهيمن عليها أغلبية شيعية، في الوقت الذي هبت فيه تركيا لمناصرة ملكية آل خليفة السنية التي تأمل أن تبقي على متانة العلاقات الاقتصادية القائمة بينهما. ويرى بعض الخبراء في هذا الشأن أن مثل هذه التطورات تعكس وجود صراع طائفي بين تركيا السنية وإيران الشيعية.

وتابعت المجلة بقولها إن الضجيج المتزايد من الخطاب العام في كل من تركيا وإيران قد قام بدوره أيضاً فيما يتعلق بحفز الآمال المتعلقة بالوصول إلى استراحة مثيرة. في غضون ذلك، قال علي أكبر، المستشار البارز لدى الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، نموذج quot;الإسلام العلمانيquot; الخاص بتركيا يعتبر نسخة من الديمقراطية الليبرالية الغربية وغير مقبول للدول التي تمر باليقظة الإسلامية.

وعلى نحو مماثل، قال الشهر الجاري نائب رئيس الوزراء التركي بولينت أرينك: quot;أنا أخاطب الجمهورية الإسلامية الإيرانية: لا أعلم أن كنتم تستحقون أن يطلق عليكم دولة إسلامية، فهل قلتم ثمة شيء واحد فقط عما يجري في سوريا من أحداث؟quot;.

ثم مضت الصحيفة تتحدث عن ماضي علاقات الدولتين، رغم حالة الشد والجذب وعدم الثقة بينهما. ولفتت إلى أن البعض اتهم تركيا خلال الآونة الأخيرة بمضيها ناحية الشرق بسبب تعاونها الوطيد مع محور quot;المقاومةquot; المكون من ايران وسوريا وحركة حماس بالاتساق مع تصاعد التوترات مع إسرائيل. وفي واقع الأمر، كانت تسعى تركيا دائماً لإحداث توازن بين علاقاتها المكتشفة حديثاً مع الدول الشرق أوسطية وبين التحالف القائم منذ عقود مع الغرب.

والآن، ومع تصاعد حدة التوترات، يواصل المسؤولون الإيرانيون والأتراك تنقلهم مجيئةً وذهاباً بين طهران وأنقرة وإعلانهم صراحةً عن استمرار صداقتهم. وتعتقد تركيا أن العقوبات المفروضة حالياً على ايران فيما يخص برنامجها النووي غير فعالة في مساعي إثناء ايران عن تخصيب اليورانيوم ومضرة لعلاقاتها الاقتصادية القوية بإيران. فمن الجدير ذكره أن النشاط التجاري بين الدولتين وصل لـ 16 مليار دولار العام الماضي.

بيد أن فورين بوليسي تابعت حديثها بالقول إن ذلك لا يعني أن تركيا ستكون سعيدة وهي ترى ايران في طريقها لامتلاك السلاح النووي. فالمسؤولون الأتراك أعلنوا عن موقفهم في هذا الخصوص بوضوح وهو أن امتلاك ايران لقنبلة نووية يشكل تهديداً على أمنهم وعلى أمن المنطقة.

وفيما يخص الجانب الأميركي، في ظل هذا اللغط المثار بشأن طبيعة العلاقات الإيرانية ndash; التركية، أوضحت المجلة أنه ورغم تزايد حدة التوترات في العلاقات بين ايران وتركيا خلال الوقت الراهن، إلا أن تركيا لن تتعامل مع ايران بنفس الصورة العدوانية التي يريدها الغرب. وختمت فورين بوليسي بقولها إنه وحيث يمكن لمصالح أميركا وتركيا أن تتلاقى، كما يفعلان الآن بشأن الحد من نفوذ ايران الإقليمي، فإنهما لابد وأن يسرعا للاستفادة من تلك الحقيقة. وبات لزاماً عليهما أن يجنبا أي خلافات مستقبلية قد تحدث بينهما، وهذا أمر وارد، وأن يواصلا الجهود المبذولة سعياً وراء تحقيق أهدافهما العديدة المشتركة.