يرى مراقبو الشأن السياسي في الجزائر أنّ هاجس مقاطعة الناخبين للانتخابات التشريعية المقبلة في الجزائر، يضع الأخيرة أمام خيارين، لا ثالث لهما، على خلفية ما يثيره حجم التصويت في الاستحقاق، المرتقب بعد شهرين، من مخاوف، والاهتمام الكبير للغرب بالنسبة الحقيقية للمشاركة في اقتراع الربيع. ويحذر محمد بغداد، أنيس نواري وأحمد بطاطاش من وقوع كارثة، توجّس منها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في حال امتناع مواطنيه عن مراودة مكاتب الاقتراع في العاشر من أيار/مايو المقبل.


المشاركة الحقيقية الحدث الأكبر في انتخابات الربيع

كامل الشيرازي من الجزائر: في تصريحات خاصة لـ إيلاف، يرشح المراقبون الثلاثة المشهد السياسي في الجزائر لعديد من الاحتمالات، يكون تحذير رئيس البلاد قد قلص إلى أبعد الحدود منها، فوضع البلاد بين خيارين لا ثالث لهما، إما المشاركة الانتخابية الشعبية الواسعة، وإما الكارثة التي سترمي بالبلاد في غياهب لا نهاية لها، ستُضاف إلى سلسلة أزمات خطرة تحيط بها.

يتفق أنيس نواري مع محمد بغداد في كون القوى الغربية قد اشترطت توسيع التمثيل للقوى السياسية في البلاد، وهو الهدف الذي لن يتحقق إذا وقعت مقاطعة شعبية للانتخابات، ما يعيد البلاد إلى مربع ائتلافي حاكم بثلاثة أحزاب، بما قد يعصف بمؤدى الانتخابات ويطعن في صدقيتها.

عن البدائل التي تحضرها مخابر صناعة القرار السياسي لتجنب سيناريو المقاطعة، يتصور بغداد أنّه جرى تصنيعها فعليًا من خلال إكثار السلطة من صناعة الأحزاب السياسية، وتجييش الرأي العالم، وتعبئة المجتمع ووضع كل الإمكانيات تحت التصرف، والتساهل في الإجراءات، من أجل جلب أكبر الشرائح الاجتماعية لجرّها إلى يوم الانتخاب، حتى تتمكن من الحصول على نسبة عالية من المشاركة.

يتقاطع أحمد بطاطاش مع نواري وبغداد، في كون سماح دوائر القرار الرسمية بنشاط أكثر من خمسين حزبًا سياسيًا في ظرف شهرين وفي كل تيار خمسة وستة أحزاب، معطى يجعل كل مجموعة اجتماعية لها حزبها في عملية إغراء سياسي للحصول على المشاركة والمؤشرات الأولية، في عملية يراهن عرابوها على أن يكون لها صدى إيجابي، على أن يتم إرفاقها بإجراءات جديدة في المستقبل، تزيد من استيعاب الشارع النافر من تيار إسلامي متآكل، ونظيره العلماني الباهت، وتيار وطني مشروخ بين قدماء الصقور وجموح الشباب.

ويتوقع الثلاثة أن يتم استخدام ما يسمّى بالمجتمع المدني والجمعيات والهيئات الوطنية، للضغط على الرأي العام المحلي، خاصة وأنّ الرئيس رفع الأمر إلى سقف جعله يشبه يوم الانتخاب بمثابة quot;يوم تحرير البلادquot; (....)، ولا يستبعد بغداد أن توظف السلطة ما سماها quot;استراتيجية التخويفquot; كي تفعل فعلها القوي لدعم آلتها الانتخابية التقليدية، هذه الأخيرة يملك من يسيرونها كل الإمكانيات التي تضمن إنجاح الموعد.

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة

بيد أنّ نواري وبطاطاش يُسقطان مشروعية الانتخابات المقبلة، حتى وإن كانت المشاركة قوية، خصوصًا مع بقاء مهندسي التزوير قادة لها، وإذ يتكهن نواري بنسبة مشاركة قد تصل في أفضل حالاتها إلى 45 في المئة، إلاّ أنّه يوقن بلا منطقية تحقيق نسبة 60 أو 70 في المئة (لم تتعدّ 36 في المئة في تشريعيات 17 مايو/أيار 2007).

ويبرر نواري تشاؤمه بهيمنة مجموعات المصالح ولوبيات المال على المشهد السياسي، وازدحام الأحزاب كما المؤسسات السياسية بأصناف من quot;المرتشين الفاسدينquot; على حد وصفه، وهو اعتبار لا يشجّع الناخبين ويدفعهم إلى التعاطي بلا مبالاة مع مناسبة موسومة بـquot;الشكليةquot; لكون نتائجها مطهية سلفًا، مثلما ما ورد على لسان مراجع إيلاف.

على المنوال نفسه، يجزم بطاطاش بأنّ المقاطعة ستكون كبيرة خصوصًا في ظلّ انعدام ضمانات وانتفاء ثقة الناخبين في الجهاز الحاكم، وإذ يعزو بطاطاش احتمال مشاركة أقدم حزب معارض في البلاد quot;القوى الاشتراكيةquot; في الانتخابات المقتربة بـquot;الخيار السياسي المحضquot;، فإنّه يجرّد الموعد عن صفة النزاهة، مثلما يرفض أن يكون الاقتراع المذكور فرصة لإعطاء الشرعية للنظام القائم المرتعب من طوفان المقاطعة، بعد الذي حملته وزيرة الخارجية الأميركية من توجيهات صارمة لمساومة المنطقة برمتها.

في هذا الصدد، يُقحم محمد بغداد مخاطر تهدد الجزائر، كمدّ القاعدة المتنامي في الجنوب، وقد أضيف إليه خطر أكبر، يتمثل في نشوب حرب أهلية في البلد الأفريقي المجاور مالي ما سيكلّف الجزائر الكثير، إذا لم يتم إيجاد ما يناسبها من الحلول وفي اقرب الآجال، إضافة إلى توتر علاقات الجزائر مع الساسة الجدد في ليبيا، ما يرشح المنطقة كلها للتحول إلى مخزن بارود سينفجر في أي لحظة.