تباين في الآراء حول اعتماد الشريعة الاسلامية لصياغة الدستور في تونس

أثارت مسألة اعتماد الشريعة الاسلامية كمصدر أساسي لصياغة دستور تونس الجديد ردود فعل متباينة، حيث أيّد البعض الفكرة على اعتبار أن الشريعة الاسلامية هي هوية التونسيين، في حين رفضتها الأحزاب اليسارية لكون الدستور هو لجميع فئات الشعب.


تونس: أثارت تصريحات الأستاذ الصادق شورو، عضو المجلس الوطني التأسيسي والنائب عن حركة النهضة خلال نقاشات في لجنة التوطئة والمبادئ الأساسية حول اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرًا أساسيًّا في صياغة الدستور التونسي الجديد، جدلا واسعا في الأوساط السياسية التونسية بين مناد بأن تكون الشريعة هي المصدر الأول للقوانين والمنطلق الأساسي لصياغة الدستور، وبين رافض لذلك وداعٍ إلى أن لا مرجعية إلا للشعب الذي يتوق إلى الحرية والديمقراطية و الحداثة.

الشريعة الإسلامية ضرورية في مجتمع مسلم

نواب حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية يرون أنّ صياغة الدستور التونسي الجديد يجب أن يستند أساسا إلى المبادئ الإسلامية السمحة حتى يضمن هوية الشعب التونسي الإسلامية إلى جانب تحديد القوانين التي تحكمه.
من جانبه، أكد رئيس الكتلة الإسلامية في المجلس الوطني التأسيسي، الصحبي عتيق أنّ الدستور التونسي الجديد يجب أن يتضمن الفصل الذي يؤكد على الإنتماء العربي والإسلامي لتونس وهو ما يوافق عليه الجميع ولكن لا يمكن أن يتضمن الدستور نصوصا مخالفة للقرآن الكريم .
وأوضح لـquot;إيلافquot;: quot;لا خلاف حول اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرًا للدستور لأن الإسلام هو دين الدولة وبالتالي يجب أن يكون مرجعا لكل الأنظمة التي تحكم البلاد، والشعب التونسي مسلم لا يرفض ذلكquot; .

وقال إنّ حركة النهضة تعتمد مرجعية إسلامية وتستلهم كذلك من المبادئ الكونية والفكر الإصلاحي التونسي إلى جانب المكتسبات الإنسانية.
من جانبه، بيّن المقرر العام للدستور الحبيب خذر في إفادة لـquot;إيلافquot; أنّ التنصيص على الشريعة الإسلامية يعتبر أمرا عاديا إذا عرفنا أن الشعب التونسي مسلم وبالتالي لسنا ضد المسار التاريخي لهذا الشعب، ولم نأت بجديد إذا أكدنا على اعتماد الشريعة مرجعا لصياغة الدستور.
من جانبها، أكدت النائبة الأولى لرئيس المجلس الوطني التأسيسي محرزية العبيدي: quot;لن نقوم بتعطيل آليات الديمقراطية ولن نفرض رأيا على لجنة أو على المجلس الذي هو سيد نفسه، وبالتالي فإن القرارات الأخيرة بخصوص كل هذه الإشكالات بما فيها إشكال تطبيق الشريعة الإسلامية سيتخذ فيه المجلس ما يراه مناسبا، ثم يكون الرأي للشعب الذي اختار أعضاء هذا المجلسquot;.

وعن اعتماد الشريعة الإسلامية، قالت العبيدي في إفادة لـquot;إيلافquot;: quot;الجدل القائم حول اعتماد الشريعة الإسلامية، هل ستكون المصدر الأساسي للتشريع، هل هي المصدر الوحيد، هل هي أحد المصادر؟ والنقاش الدائر بين مختلف الأطياف أمر طبيعي، فهناك عدد من المقترحات لمختلف الكتل في المجلس التأسيسي الذي يعكس صورة الشعب، وسيكون التوافق بين الجميع لاختيار هوية عربية و إسلامية إلى جانب الموروث الثقافي والقيمي لهذه الحضارة التاريخيةquot; .

من جانب آخر، ودعما لتطبيق الشريعة الإسلامية كمرجعية أساسية للتشريع في الدستور التونسي الجديد، دعت الجبهة الوطنية للجمعيات الإسلامية التونسية الشعب التونسي إلى المشاركة في quot;جمعة نصرة الشريعةquot; من خلال مسيرة اعتبرتها quot;مليونيةquot; اليوم الجمعة أمام مقر المجلس التأسيسي بعد صلاة الجمعة مباشرة.
شيوخ من مختلف الجهات انضموا إلى المسيرة للتعبير لصائغي الدستور الجديد أن الشعب التونسي يريد لمّ شمل المسلمين وينبذ الفرقة لمختلف مكونات المجتمع التونسي من خلال المطالبة باعتماد الشريعة الإسلامية مصدرا أساسيا للتشريع.
من ناحيته، دعا الشيخ مختار الجبالي من خلال شريط فيديو تداولته مختلف المواقع الإلكترونية، كافة الجمعيات الإسلامية التونسية للتوحد من أجل الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في التشريع للقوانين المنظمة للبلاد والتي ستتم صياغتها في الدستور.

تطبيق الشريعة الإسلامية يضرب وحدة المجتمع التونسي

الشق المقابل الذي تمثله التيارات اليسارية والعلمانية، الرافضة مبدأ اعتماد الشريعة الإسلامية في سنّ القوانين عند صياغة الدستور، يؤكد مبدأ مدنية الدولة لأن الشريعة الإسلامية كمرجع أساسي ووحيد يضرّ بهذه المدنية، ومن خلالها بحرية العبادة، وضمن هذا الشق الرافض يتموقع ضلعا الإئتلاف الحاكم وهما حزب التكتل من أجل العمل والحريات وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية .
الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي مي الجريبي وفي حديث لـquot;إيلافquot; قالت: quot;أختلف مع من يطالب بأن تكون الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع في الدستور الجديد لتونس، والمسألة فيها تأويلات بين جميع الأطراف لأننا عندما نتحدث عن الشريعة التي تضم عددا من المدارس الفقهية وبالتالي إلى أي تشريع سنحتكم وإلى أي مدرسة فقهية، هناك خلط وعدم وضوح للرؤيا لذا علينا أن نأخذ من المناهل الإسلامية والحضارية بصفة عامة، ويمكن التوافق حول الموضوع مع مختلف الأطراف الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي، وهو السبيل الوحيد لحل المسألةquot;.

وأضافت الجريبي:quot;لا بد من التأكيد على قيمنا العربية والإسلامية من خلال انتمائنا إلى هذا الفضاء في عمومه العربي والإسلامي والكوني، والتمسك بالثوابت والنظام الديمقراطي منهجا، والنظام الجمهوري لإدارة الحياة السياسيةquot; .
وأكد عبد الجليل البدوي رئيس حزب العمل التونسي، في إفادته لـquot;إيلافquot; أنّ حزبه لا يرى غير مرجعية إرادة الشعب التونسي وذلك من خلال الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية التي تمثله.

وأشار البدوي إلى أنّ المجتمع التونسي يضمّ مختلف الإتجاهات وبالتالي لا يمكن أن نفرض الشريعة مصدرًا أساسيًّا في صياغة الدستور الذي يجمع كل التونسيين، والسبيل الوحيد لحل هذا الإشكال الذي اختلف حوله التونسيون يتمثل في الوفاق بين جميع الأطراف من أجل نظام ديمقراطي مدني و حداثي.
وأضاف:quot;لا يمكن أن يتصرف أي طرف كأنه وصيّ على الدين لأنه يجمع الجميع، كما أن الحديث عن الشريعة يقسم المجتمع ويضرب وحدته، وبالتالي نحن ضد إدراج الشريعة الإسلامية واعتمادها مصدرًا أساسيًّا للتشريع عند صياغة الدستورquot;.

من جانبه، أكد الناطق الرسمي باسم حزب التكتل من أجل العمل والحريات أنّ quot;الدستور التونسي الجديد لا يمكن له أن يقسم الشعب التونسي، بل يجب أن يكون دستور الجميع من دون استثناء، ويمكن لحركة النهضة التي تطالب باعتماد الشريعة الإسلامية في التشريع لدستور البلاد، أن تطبق ذلك في برامجها ولكن ليس في دستور يجمع كل التونسيينquot;.
أما سمير بن عمر النائب في المجلس الوطني التأسيسي عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، ومستشار رئيس الجمهورية فأوضح أن حزبه متمسك بالمحافظة على الفصل الأول من الدستور السابق، ولا يرغب في تعديله ودعا إلى ضرورة وضع حدّ لهذا الجدل بين مختلف الأحزاب.

من جانبه، أضاف المولدي الرياحي، عضو التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات: quot;كل التشريعات التي صدرت منذ استقلال تونس تعتمد على القرآن والسنة النبوية مرجعاquot;، ولكنه عبر عن خشيته من أن تفتح عملية اعتماد الشريعة مصدرا أساسيا لوضع الدستور التونسي الباب أمام التأويلات التي تعتمد على العديد من القراءات والتي لا يمكن أن نعرف إلى أين ستأخذناquot; .

وأكد أن الإشكال ليس في اعتماد النص القرآني، ولكن الإشكال في قراءته وقال: quot;حزبنا يرفض أن يتم التنصيص على الشريعة الإسلامية مصدرا أساسيا، أو حتى كأحد مصادر التشريع في الدستور وحتى لا يعود بنا التاريخ إلى عصور الإنحطاط، يمكن الإعتماد على آراء العلماء و المثقفينquot;.

التنصيص على الشريعة غير ضروري

النائب في المجلس الوطني التأسيسي فيصل الجدلاوي أكد أنّ اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرًا أساسيًّا للتشريع في صياغة الدستور، غير ضروري على اعتبار أنه ليس أمرا جديدا حيث سبق أن كانت الشريعة أحد المصادر للتشريعات القانونية ودستور 1959 والإسلام هو دين الدولة، وبالتالي فإن الشريعة هي ضمنيا أحد المصادر التشريعية .