أثار هجوم سلفيين على جامعة تونسية، وانتزاع أحد الملتحين للعلم واستبداله براية لتنظيم القاعدة، رجة قوية في البلاد وسط رد فعل رسمي وصف بأنه quot;تخلّ عن المسؤوليةquot; ولا يتساوى وخطورة الاعتداء على أحد رموز البلاد من طرف تيار ما فتئ يتغول ويتمعش من صمتها وغياب حزمها في التصدي له، حسب كثيرين.
صورة الملتحي الذي قام بتنكيس العلم التونسي، وطالبة تحاول التصدّي له |
تونس: تتالت بيانات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية المنددة بحادثة إنزال العلم التونسي من طرف سلفيّ من فوق جامعة الآداب في منوبة التي تعتبر من أعرق الجامعات التونسية.
واعتبرت تلك الاحزاب والجمعيات ما حصل quot;مسّا من رمز السيادة الوطنيةquot; وحمّلت الأجهزة الأمنية والحكومة مسؤولية التصدي لظاهرة السلفية في تونس والاستنفار لمحاصرة امتدادها.
وهاجم عدد من السلفيين كلية الآداب في منوبة اثر قرار مجلسها العلمي معاقبة 6 طالبات منقبات، وذلك في تواصل لما بات يعرف في تونس بأزمة المنقبات والسلفيين في كلية منوبة، وقام احدهم بانتزاع العلم التونسي و تعويضه بعلم تنظيم القاعدة الأسود اللون.
وأظهرت مقاطع فيديو نشرها نشطاء على فايسبوك، تصدي طالبة للملتحي الذي حاول تنكيس العلم، لكنها تعرّضت للاعتداء من طرف السلفيين.
إلى ذلك، اعتبرت رئاسة الجمهورية الاعتداء على العلم في بيان لها quot;اعتداء على أحد رموز الوعي الوطني، وهو من هذا المنطلق عمل جبان ومدان وجريمة في حق الوطن والشهداءquot;.
ودعا رئيس الجمهورية في بلاغ له السلطات الأمنية والقضائية إلى quot;التعامل مع هذه الحادثة وتلك المشابهة لها، بأقصى درجات الصّرامة والقوّة حتى لا يتجرّأ أحد بعد ذلك على المسّ بالراية الوطنيةquot;.
وفي تصريح لـ(ايلاف) قال محمد بنور الناطق الرسمي باسم حزب التكتل من اجل الحريات والعمل المشارك في الائتلاف الحاكم في تونس: quot;اليوم يجب أن تقول وزارة الداخلية للسلفيينquot;انتهت اللعبة quot;وتوقف تجاوزاتهم في كل البلاد، فكيف يمكن ان نرى شخصا يلقي بعلم تونس وكأنه خرقة ويضع مكانه علما بغض النظر عما كتب فيه غير الذي رفعه التونسيون في وجه الاستعمارquot;.
وتابع الناطق الرسمي باسم التكتل: quot;وقعت اتصالات بيننا وبين الحكومة وطلبنا منها القيام بدورها ووضع حد لتسيب السلفيين، فاليوم قاموا بإنزال علم تونس وغدا يمكن أن يقوموا بقتل كل من لا يشاطرهم الرأي فكأنهم يقولون لنا بن علي سلبكم حريتكم لأكثر من 23 سنة ونحن سنسلبكم إياها إلى مدى الحياةquot;.
من جانبه، قال الحبيب قزدغلي عميد كلية الآداب في منوبة لـ(ايلاف) quot;المجموعة السلفية بإنزالهم للعلم الوطني، أعطوا الصورة الحقيقية لهم والمتمثلة في عدم الإيمان بالانتماء إلى تونس وعدم الاعتراف برايتها أو مؤسساتها، وقد قلت في السابق إنهم يريدون فرض نمط مجتمعي عن طريق كلية الآداب في منوبة ها هم اليوم يمارسون قناعاتهم ويمرون من القول إلى الفعلquot;.
يضيف عميد كلية الآداب في منوبة: quot;مسؤولية تفاقم الوضع في الكلية يتحمله كل من لم يرد ولا يريدون تفعيل آليات الكلية لصد الغرباء عنها والمجالس العلمية في كل كليات تونس، نرى أن وزارة التعليم العالي متخلية عناquot;.
سمير ديلو الناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية اكتفى بالتعليق على انتزاع العلم قائلا: quot;نحن ندين الحادثة ولا نريد الدخول في التفاصيل، وسيتلقى الشخص الذي قام بانتزاع العلم جزاءه واعتقد انه من الأفضل ألا تتدخل الأحزاب، فالقضاء فقط سيأخذ مجراهquot;.
وعبرت حركة النهضة الإسلامية في بيان اطلعت عليه (ايلاف)عنquot; التنديد الشديد بهذا السلوك الذي يمثل تعدّيا على رمز وطني استشهد تحت رايته كوكبة من أبناء الوطن خلال نضالهم ضد الاستعمار وضد الاستبدادquot;.
واستنادا إلى الفصل 129 من القانون الجزائي التونسي فإنه quot;يعاقب بالسجن مدة سنة كل من ينتهك علانية بالقول أو الكتابة أو بالإشارة أو بغير ذلك من الطرق العلم التونسي أو علما أجنبياquot;.
استنفار لمواجهة السلفية
عقد المجلس التأسيسي في تونس جلسة استثنائية عاجلة لمناقشة الاعتداء على العلم وقال رئيس المجلس مصطفى جعفر: quot; لقد طفح الكيل، فالاعتداء على العلم المفدى يوجب توجيه إنذار للحكومة حتى تتحمل مسؤولياتها، لا بد أن نبقى متشبثين بدولة القانون حتى لا يفلت هذا المعتدي على رمز تونس من العقابquot;.
في مداخلة له في أثناء الجلسة التي عقبت حادثة انتزاع راية تونس واستبدالها بعلم تنظيم القاعدة، قال عصام الشابي احد قياديي الحزب الديمقراطي التقدمي:quot;أول خطوة يجب تسمية الأشياء بمسمياتها ونقول إن في تونس مجموعات دينية متطرفة تشكل خطرا، وانه يجب محاصرة الظاهرة السلفية وأن تستنفر كل إمكانيات الدولة والمجتمع لمجابهتها واقل من هذا هو فتح الطرق أمامها، وتخلّ عن دورنا ومسؤوليتناquot;.
وتساءل ممثل الديمقراطي التقدمي في المجلس التأسيسي: quot;كيف لرئاسة الجمهورية أن تصدر بيانا؟ وكيف للناطق الرسمي باسم الحكومة أن يقوم بتصريح باهت مبني للمجهول؟ فمن سيحمي الراية الوطنية من الأيادي الآثمة ومن يريدون إدخال البلاد في حرب أهلية ؟quot;
وطلب الشابي من وزير العدل، الإسلامي نور الدين البحيري أن يتخلى عن اعتماد مصطلح quot;هؤلاءquot; وquot;فعلةquot;، كما طالب باستدعاء وزير الداخلية ووزير التعليم العالي (ينتميان إلى حركة النهضة) لمساءلتهما وخاصة وزير التعليم العالي لأنه quot;المتسبب بجعل كلية منوبة مرتعا للتطرفquot;، على حد تعبيره.
منذ 28 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، اعتصم سلفيون في كلية الآداب في منوبة للمطالبة بالسماح لطالبات منقبات بإجراء الفروض ومنع الاختلاط وإقامة مصلى والفصل بين الجنسين، ولم تشهد هذه الكلية التي يدرس فيها حوالى 13 ألف طالب أي استقرار منذ بداية الاعتصام، في حين بات العام الجامعيّ مهددا بعد تعطل الدوامات وسير الدروس والامتحانات.
تجدر الإشارة إلى انه جدت في وقت سابق اشتباكات وإطلاق نار بين الأمن التونسي وعناصر سلفية مسلحة في محافظة صفاقس التونسية.
اتهام العميد
إلى ذلك اتهم كل من وزيري الداخلية والتعليم العالي المنتميين إلى حركة النهضة عميد كلية الآداب في منوبة بتسييس ما يجري في منوبة، وبأنه لا يريد حل هذه المشكلة بطريقة سلمية.
واستنادا إلى تقارير صحافية، فقد قال وزير التعليم العالي الإسلامي المنصف بن سالم quot;العميد لم يفعل ما يجب فعله لحل المشكلة سلميا لان لديه نيات سياسية مبيتةquot;.
وأكد: quot;قضية منوبة مشكلة مفتعلة، هناك 96 فتاة في تونس ترتدي النقاب في المؤسسات الجامعية ال193 وليست هناك أي مشكلة سوى في منوبةquot;.
وتابع بن سالم: quot;لست مع النقاب ولا ضده وارى أن هناك مدرسين يعملون في الخليج حيث ترتدي البنات النقاب ولا يطرح ذلك أي مشكلةquot;، بينما يطالب المجلس العلمي في منوبة منذ بداية الأزمة السلطة المسؤولة عن الجامعة باتخاذ موقف واضح من النقاب داخل الجامعة.
واتهم وزير الداخلية التونسي علي العريض خلال برنامج حواري بثّه التلفزيون الرسمي عميد كلية الآداب في منوبة بالتعامل مع أطراف أخرى عوض وزارة التعليم العالي، وقال:quot; في الحقيقة صبرت كثيرا وأريد أن أوضح أن ما يقوله العميد من أن الأمن لم يحضر غير صحيح ونحن طلبنا منه في أكثر من مناسبة التدخل ولكنه (العميد) رفضquot;.
وأضاف وزير الداخلية أن هناك مشكلة مع الشباب الذي يريد خرق التراتيب إما بالنقاب أو غيره، والمشكل الأساسي مع إدارة الكلية التي لا تريد التعاون، واتهام وزير الداخلية والمسؤولين يثبت أن الموضوع بات مسيسا حد النخاعquot;.
وردا على اتهامه بتسييس أزمة السلفيين في كلية الآداب علق العميد الحبيب قزدغلي قائلا لـ(ايلاف): quot;هم يمارسون السياسية ويوظفون كل ما يحصل لخدمة أجندتهم، ثم يتهمونني بتسييس ما يحدث في كلية آداب منوبة، ولكن أنا لم أقم سوى بدوري كعميد وحاولت تطويق الوضع لكن سلطة الإشراف تخلت عن دعمنا ما أدى إلى تفاقم الأزمة إلى حد تغيير علم تونس بآخر اسود.quot;
تجدر الإشارة إلى أن وزير الداخلية الإسلامي على العريض صرح في وقت سابق بأن النقاب يعبر عن quot;فهم خاطئ للدين ولا يمت للإسلام بصلةquot;، وهو ما أثار حنق عدد من الأصوليين.
التعليقات