تضع خطة كوفي أنان،مبعوث الامم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا،نظام الأسد في مأزق كونها تنص على حمايةحق المواطنين في التظاهر السلمي مماقد يسمح بتكرار نموذجميدان التحرير في اكثر من مدينة في سوريا،ولكندعم روسيا والصين للخطة لا يبقي امامالنظام السوريخياراً سوى تجرعها.


عناصر من الجيش السوري الحر

دمشق: شهد يوم الثلاثاء ثلاثة اجتماعات في عواصم مختلفة جاءت تذكيراً بأن الانتفاضة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد مقبلة على مراجعة من نوع ما. إذ تنادت شخصيات معارضة في اسطنبول بدفع من تركيا وقطر للبحث عن وحدة الهدف والتنظيم والقيادة، وهي وحدة عجزت المعارضة عن تحقيقها حتى الآن متسببة في إحباط عميق بين الأطراف الدولية الداعمة لها.

وستحضر بعض هذه الأطرافإلى بغداد للمشاركة في أول قمة عربية تستضيفها العاصمة العراقية منذ 22 عاماً. وستكون سوريا، التي عُلقت عضويتها في الجامعة العربية، على رأس جدول أعمال القمة، لكنّ مراقبين يرون أن الجامعة العربية قد تجد أن لا خيار أمامها سوى التراجع عن مطلبها السابق بتنحي الأسد تمهيداً للانتقال السياسي، والعودة بدلاً من ذلك إلى خطة السلام التي أعدها بالنيابة عنها وعن الأمم المتحدة الأمين العام السابق للمنظمة الدولية كوفي أنان.

وأعلن المبعوث الدولي يوم الثلاثاء أن سوريا وافقت على خطته. والموضوع المشترك في كل هذه اللقاءات هو بقاء الأسد بعد عام على الانتفاضة، وبالتالي فإن خطة السلام الوحيدة المطروحة هي خطة يتفاوض النظام في إطارها مع المعارضة.

ولكن الخطةالموضوعة نفسها ستكون أعقد بعض الشيء على الجامعة العربية التي حثتها المملكة العربية السعودية وقطر على العمل من أجل تغيير النظام وبذلك حرمان الخصم اللدود إيران من حليفها الأساسي في المنطقة.

ولكن قمة الجامعة العربية تُعقد بضيافة حليف عربي آخر من حلفاء إيران في المنطقة هو حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي التي تميل إلى الوقوف مع الأسد. وأشار وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري إلى أن قمة بغداد ستدعم خطة أنان وتبحث عن حل ممكن بدلاً من المطالبة بتنحي الأسد كشرطٍ للحل السياسي. وكرر زيباري ما قاله أنان في موسكو بأن الشعب السوري هو الذي يقرر مستقبله.

وقد تستغل الأنظمة العربية السنية المناوئة للأسد لهفة حكومة المالكي التي يسيطر عليها الشيعة للعودة إلى العالم العربي ذي الغالبية السنية لمطالبتها بوضع مسافة أبعد بين العراق وسوريا وامتداداً لذلك بينه وبين إيران، بحسب مجلة تايم، مشيرة إلى أن خطة أنان تبقى البديل الوحيد عن انزلاق سوريا إلى حرب أهلية شاملة تبقيها الصراعات الإستراتيجية الإقليمية والدولية مستعرة، كما حذر الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف.

وكان الثوار السوريون يتوقعون، سواء اعترفوا بذلك أو لم يعترفوا، أن تتخذ انتفاضتهم واحداً من مسارين شهدتهما المنطقة هما تظاهرات سلمية تسفر عن انهيار النظام بتخلي جيشه عنه، كما في مصر، أو أن وحشية النظام ضد الاحتجاجات السلمية تفرض اللجوء إلى السلاح في معركة ليست متكافئة وشديدة الخطر على السكان المدنيين، بحيث تستدعي تدخلاً دولياً لمنع وقوع مجزرة وبذلك تمكين الثوار من الانتصار عسكرياً، كما في ليبيا. ولكن الأسد، بخلاف مبارك في مصر، يتمتع بقاعدة اجتماعية حقيقية من المؤيدين بين الأقليات السورية مثل المسيحيين والعلويين وحتى بين سكان المدن السنة الذين يخافون كلهم على مستقبلهم في حال انتصار معارضة تقوم جماعة الأخوان المسلمين بدور قيادي فيها، على حد تعبير مجلة تايم.

زد على ذلك أن وحدات جيش النظام الأساسية وجهازه التنظيمي والأمني الذي يشكل عموده الفقري كلها بقيت متماسكة، ولم تتفكك بل على العكس أبدت تصميماً على إخماد الانتفاضة بالقوة الغاشمة.

وإزاء خطر اندلاع حرب أهلية طائفية مديدة يمكن أن تشيع عدم الاستقرار في عموم المنطقة، وحجم الدعم الخارجي الذي يتلقاه نظام الأسد من إيران وروسيا والى حد أقل من العراق، فإن القوى الغربية لا تريد أن تكرر التجربة الليبية في سوريا. إذ لم يرفع احد إصبعاً واحداً لنجدة القذافي ولكن الإطاحة بالأسد ستكون مشروعاً مختلفاً.

وان قاعدته العلوية أساسا ستقاوم بضراوة التدخل الخارجي والنظام الذي يتمخض عنه. ثم هناك الحقيقة الماثلة في أن المعارضة السورية لم تتمكن حتى من الحفاظ على مظاهر الوحدة التي حققها الثوار الليبيون. فالمجلس الوطني السوري يتعرض إلى انشقاقات وتحديات متكررة لشرعيته من مجموعات تعمل على المستوى المحلي، وليست له سلطة على الجيش السوري الحر، الذي هو نفسه ليس أكثر من اسم يوفر مظلة لمجموعات مسلحة محلية تعمل باستقلال شبه تام في مقارعة قوات الأسد، ويواجه تحديات من تنظيمات عسكرية أخرى منافسة، كما تذهب مجلة تايم معتبرة أن هذه كلها عوامل أوصلت الوضع إلى طريق مسدود.

فالوحشية التي تمارسها قوات الأسد تمنع الثوار ذوي التسليح المتواضع من السيطرة على أي مدن أو أحياء والاحتفاظ بها في مواجهات مباشرة. ولكن قمع الانتفاضة في منطقة والانتقال منها إلى أخرى فشل في سحقها ومن المستبعد أن ينجح النظام في القضاء عليها نهائياً.

ويعتمد الثوار الآن تكتيكات اقرب إلى التكتيكات التي مارسها المسلحون السنة في العراق فيما تستمر الاحتجاجات السلمية في مدن يعتبرها النظام تحت سيطرته. وإزاء عجز الطرفين عن توجيه ضربة قاضية إلى الآخر، فإن سوريا تبدو مقبلة على حرب أهلية دموية مديدة ببعد طائفي متزايد، على حد وصف مجلة تايم.

وحتى في سيناريو أفضل الاحتمالات يبدو من المرجح أن يتخذ الصراع منحى مغايراً تماماً لما حدث في مصر أو ليبيا. ولهذا السبب لجأ مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية إلى أنان. وجرى التطبيل لتأييد روسيا والصين بيان مجلس الأمن الذي يدعم مهمة أنان. وأُشيع أن روسيا أخذت تبتعد عن الأسد بعدما نفد صبرها معه.

وكانت روسيا والصين استخدمتا الفيتو ضد قرارات سابقة صوت عليها مجلس الأمن لأنها تدعو الى تنحي الأسد كشرطٍ للتسوية السياسية. ورفضت موسكو وبكين مبدأ تغيير النظام بقرار من المجتمع الدولي ودعمتا خطة أنان تحديداً لأنها حملت القوى الغربية على التنازل عن هذا المطلب.

فالخطة الجديدة تدعو الطرفين إلى وقف إطلاق النار وإجراء محادثات بين المعارضة والنظام. ولا شك في أن خطة أنان، إذا نُفذت تنفيذاً كاملاً، ستتيح تغيير النظام بالطرق السلمية، ولكن هذا التغيير ليس هو نقطة البداية. وسيؤوِّل كل طرف خطة أنان على هواه.

وكان مسؤول روسي شدد على أن وقف العنف مطلوب من المعارضة، مطالباً إياها بإلقاء السلاح والتفاوض سلمياً بما يعني أن الأسد لا يمكن أن يُنتظَر منه وقف حملته العسكرية فيما تواجه سلطته تحدياً من مجموعات مسلحة غير نظامية على أرضه.

وتقدم الولايات المتحدة وتركيا مساعدة غير فتاكة الى هذه المجموعات وبدأتا مرة أخرى تبحثان إقامة منطقة عازلة ومحمية في شمال سوريا رغم أن هذه الخيارات ستدخل طور التنفيذ على ما يُفترض إذا باءت مهمة أنان بالفشل.

ويشكل قبول خطة أنان مأزقاً كبيراً لنظام الأسد لأنه يعني قبول حق المواطنين في التظاهر السلمي ومن الجائز أن يؤدي هذا التظاهر إلى وضع مماثل لميدان التحرير في أكثر من مدينة سورية. ولكن دعم روسيا والصين للخطة لا يبقي امامه خياراً سوى تجرعها.

ولعل الأرجح أن يعلن كل طرف دعمه للخطة ولكنه سيركز على تلك النواحي التي يعتبرها لصالحه ويأمل بإلقاء اللوم على الطرف الآخر عند الفشل. ومن المستبعد أن يتوصل الطرفان إلى توافق على عملية انتقال ديموقراطية لا سيما وأن ممارسات الأسد خلال العام الماضي تشير إلى أنه لا ينوي التنازل عن السلطة.

ولكن الرئيس الروسي ميدفيديف حذر من أن خطة أنان هي الفرصة الأخيرة أمام سوريا لتفادي الانزلاق الى حرب اهلية مديدة. وأظهرت أحداث العام المنصرم أن مثل هذا السيناريو يمكن أن يسفر عن وقوف موسكو وإيران مع طرف والقوى الغربية والعربية مع الطرف الآخر، في حرب بالنيابة من النمط الذي اقترن بسنوات من سفك الدماء في أفغانستان والسلفادور وغيرهما خلال العقد الأخير من الحرب الباردة.