خلفت التعيينات الأخيرة التي أقدمت عليها الحكومة التونسية، التي يترأسها الاسلاميّ حمادي الجبالي، لمُحافظين (ولاة) في عدد من مدن البلاد، ينتمي أغلبهم إلى حركة النهضة، ردود أفعال تباينت بين القبول والرفض من طرف الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنيّ.

تظاهرة سابقة لتونسيين وسط العاصمة

تونس: أكد وزير الداخلية التونسي علي العريض في جلسة حوار عقدت في المجلس الوطني التأسيسي على أن التعيينات الأخيرة لعدد من الولاة (المُحافظون) quot;جاءت متماشية مع روح وأهداف ثورة الحرية والكرامة بما أن التغيير يتطلب تعيين مسؤولين جدد في الجهات حتى يعملوا على تحقيق أهداف الثورة ، ففي الإدارات الجهوية والمحلية هناك تقييم لأداء المسؤولين فمنهم من يجتهد في عمله ومنهم من يتعثر ومنهم من لا يعمل على تنفيذ التعليمات ولم ينخرط في العمل، ولهذا كان لزاماً أن نقوم بالتغيير وبالتالي تعيين مسؤولين جدد باعتماد معيار الكفاءة والقدرة على التغيير والقدرة على الاستماع لمشاغل المواطنين والانخراط في الثورة، وليس هناك اعتبار لمعيار الولاء بل معيار الكفاءةquot;.

كما أكدالعريض أن التعيينات تتماشى والتعليمات والسياسات والخيارات القادرة على تحقيق أهداف الثورة، مضيفاًرداً على اتهامات بتعيين مُحافظين من حزب النهضة الذي ينتمي اليه علي العريض وزير الداخلية :quot;واجبي يحملني مسؤولية تقديم الصالح العام على الأمور الخاصةquot;.

ومن جهته، أكد محمد الصالح الصغير، النائب في المجلس الوطني التأسيسي عن حركة النهضة، في إفادته لـquot;إيلافquot; على أنّ quot; المسألة تستحق الكثير من التحليل لأن ضلعي الترويكا المؤتمر والتكتل يبدو أنهما لم يشرّكا في عملية الاختيار في إطار التشاور بين الأحزاب الثلاثة على الرغم من أن الأحزاب الحاكمة ينبغي أن يكون لها نصيب في التعيينات التي تحدث في مختلف القطاعاتquot;، على حدّ تعبيره.

وأضاف الصغير:quot; أن وزير الداخلية أكد أنّ معيار التعيين يتمثل أساساً في الكفاءة والنزاهة ونظافة اليد والقدرة على القيادة من دون الاهتمام بجانب الولاء والانتماء إلى جانب إلحاح المطالب الشعبية بضرورة تطهير الإدارة من أزلام النظام السابق الذين يعطلون السير الطبيعي للتنمية في الجهات، والذين عرف عنهم الفساد وغياب الوطنية، وقد لفتنا نظر وزير الداخلية بوصفنا نواباً للأحزاب المؤلفة للحكومة، حيث يجب التحري واشراك الجميع في مواقع القرارquot;.

وتابع النائب عن حركة النهضة :quot; في كل الديموقراطيات الحكومة هي التي تعيّن هؤلاء المسؤولين، وهذا طبيعي جداً، فمن غير المعقول أن يصدر رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أمراً ما إلى أحد الولاة ولكنه لا يقوم بالتنفيذ والسهر على ذلك، ورغم ذلك لا بد من احترام كثير من الحساسيات وإشراك مختلف الأطراف حتى يكون العمل جماعياً و القرار جماعياًquot;.

عن اتهام أطراف من المعارضة للحكومة بأن هذه التعيينات تدخل في باب الاستعداد للانتخابات المقبلة، قال الصغير:quot; هذا اتهام لا أساس له من الصحة في الواقع، فالانتخاباتلا تزال بعيدة جداً ونحن الآن نبحث عن الإنجازات لأن الشعب التونسي لم يرَ شيئاً ملموساً إلى حد الآن، وبالتالي كان لزاماً تواجد مسؤولين على رأس الإدارات يكونون موالين للثورة يعملون على تحقيق أهدافها عوضاً عن مسؤولين معرقلين ونحن ننتظر الميزانية التكميلية التي لم نصادق عليها إلى حد الآن، والتي ستمنح الجهات الاستثمارات وتشغيل حاملي الشهادات العليا، وبما أن هذه الحكومة شرعية فمن واجبها أن تقوم بالإجراءات التي تراها مناسبة للسير إلى الأمام وتحقيق أهداف الثورة وتعيين المسؤولين القادرين على تنفيذ المشاريع التي تسطرها في مختلف الجهاتquot;.

من جهة ثانية، أكد رئيس حزب المجد عبد الوهاب الهاني على أن هذه التعيينات الأخيرة في سلك الولاة غير قانونية، وقال لـquot;إيلافquot; :quot; أعتقد أن تعيينات الولاة غير قانونية لأنها لا تحترم القانون المنظم لسلك الولاة والمعتمدين والكتاب العامين المؤرخ في 21 جوان / يونيو 1956 في الرائد الرسمي عدد 50 لسنة 1956 من الصفحة 1103 إلى الصفحة 1107 ، والذي ينص على ضرورة التفاوض داخل مجلس الوزراء على تعيين الولاة وهو ما يدخل مبدأ الشفافية والتشاور، والتعيين يكون حسب مقاييس ضبطها هذا القانونquot;.

وأضاف الهاني:quot; للأسف الشديد لم يحصل تشاور حول هذه القرارات التي تم اتخاذها على مستوى رئاسة الحكومة من دون التفاوض في شأنها في مجلس الوزراء، ومن دون التشاور مع طرفي الترويكا، وهو ما عبر عنه مناضلون ومسؤولون في حزب التكتل من أجل العمل والحريات وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وعبروا عن استغرابهم لغياب إشراكهم في مثل هذه القراراتquot;.

وقال :quot; هذا القانون الذي لم تحترمه حكومة الترويكا في التعيينات الأخيرة لم يكن مطبقاً في العهد السابق لأننا كنا نعيش في منظومة غير ديموقراطية. أما الآن و نحن نعيش حقيقة في منظومة ديموقراطية بعد ثورة الحرية والكرامة من غير المعقول أن يقع تجاهل هذا القانون المنظم لسلك الولاة والمعتمدين والكتاب العامينquot;.

كما أكد عبد الوهاب الهاني على أنها ليست التعيينات الأولى التي تم خلالها تجاوز القانون، وقال:quot; إن تعيينات الولاة الجدد الذين هم من حركة النهضة ليست التجاوز الأول، حيث تم تعيين عدد من المسؤولين في وزارة الخارجية من خارج أبناء الوزارة في مسؤوليات سامية وقد أثارت هذه التعيينات كذلك ردود أفعال رافضة لها في صلب وزارة الخارجية، وهذا يتطلب في الواقع التشاور بين مختلف الأطراف لما فيه مصلحة البلاد وحتى لا ندخل في جدال عقيم يستحسن أن نتوجّه حالياً إلى ما ينفع البلاد والعبادquot;.

رئيس المجلس الوطني التأسيسي، مصطفى بن جعفر، أكد من جانبه أنّ quot; خطراً يتهدد ثورة الشعبquot; إذا واصلت الحكومة اتخاذ قرارات منفردة ومن دون التشاور مع بقية الأطراف ولا بد من الانتباه إلى ذلك.

من جانبه، أشار عصام الشابي، عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي، إلى أنّ هذه التعيينات أثارت احترازاً ليس في أحزاب المعارضة فقط بل كذلك في صلب الأحزاب المكونة للحكومة.

وأضاف الشابي:quot; هذه التعيينات لامست قضية على غاية من الأهمية وهي حياد الإدارة في هذه المرحلة الانتقالية التي تمر بها تونس، والحكومة و إن كانت منتخبة فيجب ألا تنسى أنها حكومة موقتة، وبالتالي يجب عليها مراعاة خصوصية المرحلة حتى تأخذ هذا فيالاعتبار في جميع قراراتها. ولكن للأسف، فإن التعيينات الأخيرة جاءت لتؤكد على وجود محاولة للسيطرة على الإدارة التونسية ووضع اليد عليها من قبل أحد الأحزاب المكونة لحكومة الترويكا ولم يتم حتى التشاور مع بقية أحزاب الحكومة التي فوجئت بهذه التعييناتquot;.

وتساءل الشابي:quot; نحن نتساءل هل أن هذه التعيينات كانت وليد حاجة ملحة لمتابعة التنمية في الجهات، خاصة وأن هناك عديد الاحتجاجات والفوضى في عدد من المحافظات، أم هي لترضية بعض قادة الحزب الذي فاز في الانتخابات الأخيرة، وأود أن ألاحظ أنّ المعيّنين الجدد كانوا في القائمات الانتخابية لهذا الحزب ولم يفوزوا، أو كانوا مشرفين على الحملات الانتخابيةquot;.

ورفض مواطنون تعيين الوالي (المحافظ) الجديد على المنتستير على اعتبار أن الوالي السابق يقوم بعمله على أحسن وجه بعد أن درس جيداً كل الملفات وعرف المشاكل التي تعاني منها الجهة.

احتجاج الرافضين قابله تظاهر عدد كبير من متساكني ولاية المنتستير، رافعين لشعارات تدعو إلى قبول الوالي الجديد وتوفير كل الظروف المساعدة له حتى تحقق الجهة أهدافها وتتجاوز مشاكلها، وفي محافظة نابل عبر المواطنون عن فرحتهم بتعيين والٍ جديد بذبحهم خروفاً أمام مقر الولاية.