تحدثت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; عن الأمل في إعادة إحياء البلدات المسيحية في تركيا، بعد أن تعرض سكانها للقمع وفروا إلى المهجر خوفاً على حياتهم.
فبعد سنوات طويلة، عاد روبرت توتوس إلى مسقط رأسه ndash; أو ما كان مسقط رأسه يوماً ما ndash; ويقف فوق الأرض التي كانت اساساً لمنزل عائلته في الماضي.
quot;هنا اغتيل والدي. دخل رجلان وراءه عندما كان عائداً إلى منزله في إحدى الليالي، وقتلاه برصاصة في رأسهquot;، يقول روبرت حزيناً على مصير والده الذي كان رئيس بلدية آخر منطقة مسيحية (آززيه)، والمعروفية اليوم بإسم (ايديل) بالتركية، وهي بلدة في جنوب شرق الاناضول الذي يتتبع المسيحية منذ زمن الرسل.
في غضون شهر من مقتله، في 17 حزيران عام 1994، أشار توتوس إلى أن سكان البلدة حزموا أمتعتهم، وهاجر ما تبقى من السكان المسيحيين في المدينة إلى أوروبا الغربية.
ولم يبق من مدينتهم اليوم سوى بعض الأطلال حول التلال، بينما ارتفعت فوق مبانيها الخرسانية منازل جديدة تشير إلى تكوّن معالم مدينة (ايديل) التي يسكنها الاكراد، فضلاً عن بعض المسؤولين الأتراك الذين تم تعيينهم مؤقتاً إلى المنطقة الشرق من البلاد.
على الرغم من أن البلدة المسيحية فقدت جزءاً كبيراً من هويتها، إلا أن توتوس (42 عاماً) عاد ليسكن إحدى الشقق المؤقتة، محاولاً استعادة ممتلكات والده وإعادة بناء منزله بين الركام الذي بقي منه على سفح التل.
يقول توتوس: quot;هذا هو وطننا، بيت الشعب السريانيquot;، مؤكداً انه لن يتخلى عن أرضه.
هضبة طور عبدين، حيث تقع بلدة ايديل بين السهول السورية والمناطق الجبلية في جنوب شرق تركيا، هي معقل تاريخي للكنيسة السريانية الأرثوذكسية، حيث تمركزت بطريركيتها إلى أن ارتفعت حدة التوترات مع الجمهورية التركية، ما دفعها إلى الانتقال إلى سوريا عام 1933.
منذ قرن من الزمان، كان عدد سكان هذه المنطقة نحو 200000 مسيحي، وفقاً للاتحاد الأوروبي للسريانية، وهي منظمة في الشتات. ونجا نحو 50000 شخص من مذابح المسيحيين في الاناضول خلال الحرب العالمية الأولى، حيث لقي الشعب السرياني والأرمن المصير ذاته.
أما اليوم، لم يبق في طور عبدين سوى 4،500 مسيحي سرياني، من الذين يتكلمون اللهجة المحلية من اللغة الآرامية، فضلاً عن العربية والتركية والكردية.
ويتمركز اليوم نحو 80 ألف سرياني من الذي كان يعيشون في طور عبدين في ألمانيا، إضافة إلى 60 ألف في السويد، و 10 آلاف في كل من بلجيكا وسويسرا وهولندا، وفقاً لتقديرات الاتحاد السرياني الاوروبي.
واشارت الـ quot;نيويورك تايمزquot; إلى أن توتوس اضطر إلى اللجوء السياسي في ألمانيا، جنباً إلى جنب مع والدته وشقيقاته الستة وثلاثة أشقاء، مع بدء الاضطرابات في تركيا، وقد حصلوا على الجنسية الألمانية واستقروا هناك منذ ذلك الوقت.
بعد عقد من الزمان، كان توتوس واحداً من المنفيين الذين قبلوا دعوة الحكومة التركية إلى السريان في العودة إلى ديارهم، وهي دعوة صدرت في العام 2001 تحت ضغط من الاتحاد الاوروبي، وكررتها الحكومة في مناسبات عدة.
على الرغم من انه يحمل جواز سفر ألماني، يقضي توتوس معظم وقته في بلدة ايديل، حيث أشرف على ترميم كنيسة سانت ماري في العام الماضي وأسس جمعية للثقافة السريانية.
واضاف: quot;هدفنا هو الحفاظ على اللغة والثقافة السريانية على قيد الحياة في هذه البلدة، وأن نذكر الناس بأن هذا هو موطن السريانquot;، قال توتوس، مضيفاً: quot;نريد أن يرى العالم أن السريان ما زالوا يعيشون هناquot;.
واشارت الصحيفة إلى أن هذه الرغبة مشتركة حالياً مع المئات من السريان في مختلف أنحاء طور عبدين، الذين عادوا من المنفى في أوروبا في السنوات الأخيرة في محاولة لاستعادة تراثهم، وتمهيد الطريق لإعادة التوطين المسيحي في المنطقة.
في قرية كافرو التي تبعد 50 كيلومتراً أو 30 ميلاً الى الغرب من ايديل، يخرج القرويون للتنزه في ضوء الشمس ويتجمعون حور ديمير، الطفل الذي لم بلغ عامه الأول، وهو الطفل الأول لعائلة سريانية في البلدة منذ رحيل السريان عن قراهم بأمر من الجيش التركي في العام 1994.
يقول عزيز ديمير (45 عاماً) ان والده كان آخر من رحل عن البلدة، وعمد على ترتيب وتنظيم عملية الإجلاء في ذروة القتال بين الجيش والمتمردين الاكراد في هذه المنطقة.
لكن السريان سارعوا للعودة إلى بلدة كافرو عندما صدر الإذن بالعودة من قبل الحكومة التركية في عام 2001، فعادوا من أوروبا لإعادة بناء قريتهم وإعادة توطين الأطفال في أرضهم القديمة التي لم يسبق أن رأوها.
واضافت الصحيفة إلى أن عدداً من المنازل الفارهة ترتفع الآن على أنقاض قرية كافرو القديمة، والتي يعمل السريان على بنائها وتزيينها بمدخرات العمر من الأموال التي جمعوها من سنين عملهم في ألمانيا وسويسرا والسويد.
لكن ديمير دفع ثمناً أغلى من المال بهدف عودته إلى بلدته، وذلك عندما تعرض في العام الماضي إلى حادث إطلاق النار، بالكاد نجا منه، أثناء محاولتهم منع رعاة أكراد من رعي قطعانهم في أراضي القرية، فأطلقوا النار عليه.
ويقول ديمير انه مستعد للتضحية من أجل فتح الباب للسريان بالعودة إلى بلدتهم ومنازلهم، مشيراً إلى أن القرار اليوم يعود لهم بالعودة إلى أرضهم.
في قرية انهيل المجاورة، يتحدث إيسلر فهمي (50 عاما) من وجهة نظر أكثر واقعية، بينما ينظر من برج كنيسة القرية إلى عشرات المنازل المستعادة حديثاً.
ويقول فهمي: quot;فقط كبار السن هم الذين يعودون، لأنهم ولدوا وعاشوا هنا. لكن الشباب لن يأتوا ولا يمكن إلقاء اللوم عليهم، فلا يوجد شيء يمكنهم القيام به هنا سوى جمع المواشيquot;.
وأضاف: quot;في المرة لماضية، رافقني أطفالي الخمسة من ألمانيا غلى القرية، لكنهم لم يشعروا بالإرتياح، فلا يوجد شبكة إنترنت، ولا الهواتف المحمولة، حتى ان بعض النساء الكرديات أنّبن الفتيات وطالبوهنّ بالتسترquot;.
وعلى الرغم من كل هذه الجهود لإعادة إحياء المنطقة المسيحية في تركيا، إلا أن الفرص في نجاحها ضئيلة، ومحاولة إقناع الشتات السريان في العودة إلى أرضهم تبدو مهمة شاقة.
التعليقات