راضية النصراوي التي تحصلت على جائزة رولان برغر للكرامة الإنسانية للعام 2011، ونالت مؤخرًا جائزة كمال جنبلاط لحقوق الإنسان في العالم العربي، تعتبر واحدة من أبرز الناشطات في مجال حقوق الإنسان. وتكشف النصراوي في حديث خصّت به إيلاف عن تواصل التعذيب في تونس بعد رحيل بن علي.

الحقوقية ورئيسة الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب في تونس راضية النصراوي

تونس: تقول الحقوقية ورئيسة الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب راضية النصراوي في حوار مع إيلاف من تونس إنّ التعذيب متواصل بعد ثورة 14 جانفي وأنّ من قاموا بعمليات التعذيبلا يزالون طلقاء.

نصراوي التي قامت في عهد الرئيس المخلوع بالدفاع عن السجناء السياسيين وتعرضت للتضييق والتعنيف والمراقبة، طالبت بعزل جميع القضاة الذين أجرموا في حق الشعب ونادت باستقلالية القضاء والحوار مع السلفيين، كما تحدثت عن أداء حكومة الجبالي وجائزة كمال جنبلاط لحقوق الإنسان في العالم العربي والوضع في سوريا ومصر.

وفي ما يلي نص الحوار كاملاً:

بوصفكم رئيسة للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، كيف تبدو لكم حقوق الإنسان بعد ثورة الحرية والكرامة؟

التعذيب متواصل في تونس بعد الثورة، فقد جاءنا عدد كبير من المواطنين الذين يشتكون من التعذيب والتعديّ عليهم، هم من ضحايا التعذيب في قبو وزارة الداخلية قبل غلقه، وخاصة في عهد حكومة الباجي قائد السبسي، فقد كان التعذيب فظيعًا، أما بالنسبة لحكومة الترويكا فلا تزال في بدايتها على الرغم من أننا استقبلنا حالات عنف من الشرطة وحالات تعذيب في السجون، التعذيبلا يزال متواصلاً ومن قاموا بعمليات التعذيبلا يزالون طلقاء.

في ما يتعلق بالعدالة الانتقالية ومبدأ المحاسبة، ما هي الإجراءات التي ترونها ضرورية لإعادة الحقوق إلى أصحابها؟

أرى أن المحاسبة مسألة أساسية وضرورية، وبالتالي لا يمكن أن نطوي الصفحة مثلما يطالب البعض من دون فهم ما كان يحصل من تعذيب ممنهج في تونس خلال حكم المخلوع، فهناك من عذب بشتى أنواع العذاب، وحتى من قتل أو بقي معاقًا وترك عائلة من دون عائل.

وممارسة التعذيب إذا لم تتم محاسبة المباشرين لها والقائمين عليها فهي ستعود من جديد في أي نظام جديد، والذين يقومون بالتعذيب الآن مازالوا لم يستوعبوا أن التعذيب هو جريمة فظيعة يعاقب عليها القانون، وأنه لا مفر من المحاسبة ولكن حاليًا هناك من هم يفلتون من العقاب وهو ما يجعل التعذيب يتواصل إلى حدّ الآن.

من جهة ثانية، نحن نعرف أن عدد الذين اخترقوا القانون وعذبوا الناس كبير جدًا، ولكن لا بد من محاسبة من قام بجرائم فظيعة لأنه لا يمكن محاسبة الجميع مهما كانت درجة تجاوزهم للقانون، وللتجاوز لا بد من معرفة الحقيقة.

راضية النصراويلا تزال تناضل من أجل تطهير قطاع القضاء، فما هي رؤيتكم لهذا الإصلاح؟

عملية الإصلاح تبدأ أولاً بعزل جميع القضاة الذين أجرموا في حق الشعب التونسي، وذلك من خلال مشاركتهم في قمع الحريات أو الزج بالناس في السجون ظلمًا أو التغطية على الجلادين والانتقام من المعارضين، لأنه لا يمكن أن نبني نظامًا جديدًا بالوجوه نفسها.

كما أن جمعية القضاء تنادي الآن باستقلالية القضاء حتى لا يكون هؤلاء عرضة لنقلة بمثابة العقوبة أو حرمان من ترقية و القاضيات كانوا يرسلوهنّ إلى مناطق بعيدة ويحرمن من أن يكنّ قريبات من أبنائهن كما أنه من غير المعقول أن يكون رئيس الدولة أو وزير العدل رئيسًا للمجلس الأعلى للقضاء الذي يجب أن يتم بالانتخاب، وبالتالي يجب أن يكون مستقلاً تمام الاستقلال عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.

القاضي عندما يشعر بأنه في مأمن من كل انتهاك يمكنه أن يقوم بوظيفته على أحسن وجه بعيدًا عن الشعور بالخوف، كما أن جريمة التعذيب لا يمكن أن تسقط بالتقادم، وهذه الضمانات يجب التنصيص عليها في الدستور.

هل هناك حدود للحقوق الشخصية التي تودون أن تتضمن في الدستور؟

لا حدّ لحرية البشر ما لم تمسّ من حرية الغير، أنا أدافع عن كل الحريات في ظل القانون وبعيدًا عن التجاوزات، يمكن أن تمارس حريتك من دون أن تفرض رأيك أو مواقفك على غيرك بالقوة ، فأنا أحارب من أجل حرية الفكر والمعتقد فلا بد من احترام الرأي المخالف وحقوق الغير.

وبعض الحقوق التي يطالب بها البعض ليست جوهرية وليست من أولويات الشعب التونسي على غرار المثلية الجنسية أو عدم تجريم مستهلك مخدر quot;الزطلةquot;.

كيف تقيمون أداء حكومة الجبالي بعد أكثر من ثلاثة أشهر من العمل؟

في الواقع فترة ثلاثة أشهر ونصف ليست كافية للتقييم الموضوعي، لكن الحكومة مطالبة بتوضيح طرق عملها وارسال إشارات تطمئن الشعب الذي يحسّ بأن مشاكله ستجد الحلّ المناسب بعيدًا عن ضاغطة الزمن، ومن أكثر المشاكل إلحاحًا في الوقت الراهن غلاء الأسعار التي يعاني منها الجميع ومن دون استثناء، كما أن التشغيل مهم جدًا خاصة وأن عدد العاطلين عن العمل كبير جدا ولا يمكن للحكومة أن تمنع هؤلاء من التعبير عن رأيهم لأن هناك أمورًا مبدئية تتمثل في عدم التعامل باستعمال العنف مع التونسيين الذين يعبرون عن رأيهم أو يطالبون بحقوقهم، فمن يقوم بتجاوز يمكن إحالته على القضاء ولكن من دون استعمال العنف.

كيف تبدو لكم مبادرة الوزير الأول السابق قائد السبسي ومحاولته إعادة quot;الدستوريينquot; إلى الحياة السياسية والخوفمن عودة quot;التجمعيينquot; من باب quot;البورقيبيةquot;؟

فضيحة، وما حدث في محافظة المنستير فضيحة لأن ميليشيا التجمع موجودة في ذاك الاجتماع، لقد لبسوا قناع بورقيبية للعودة من جديد، وبورقيبة هل كان ديمقراطيًا؟

لم يكن كذلك، وهل أن الشعب التونسي في حاجة الآن إلى بورقيبة، لا أعتقد ذلك، فالشعب يريد أن ينسى ذلك ويبني مستقبله في ظل نظام جديد بعيدًا عن البورقيبية والتجمعية، بورقيبة له بعض الإيجابيات ولكنه لم يكن أبدًا ديمقراطيًا وضحاياه كثر.

الغريب في الأمر أنّ هناك بعض السياسيين الحاليين الذين يرفعون شعارات الثورة شاركوا في اجتماع المنستير وساندوا مثل هذا التحرك فهل سيغفر لهم الشعب ذلك؟

الشعب قاوم حب التجمع (حزب بن علي)، وبالتالي لا سبيل إلى عودته من جديد.

عبّر البعض عن تخوفه من الحركات الإسلامية والسلفية، فهل لهذا الخوف ما يبرره فعلاً؟

أنا أدعو إلى الحوار مع السلفيين وقد ارتحت كثيرًا في الأيام الماضية عندما شاهدت بعض السلفيين على شاشات التلفزيون للحوار معهم ومنحهم الفرصة لطرح آرائهم أمام الرأي العام، وهذا مهم جدًا بعيدًا عن المواجهة والصدام ولكن لا بدّ من محاسبة أي طرف كان من اليسار أو اليمين إذا ارتكب جريمة وتمّ تجاوز القانون، أما إذا اقتصر الأمر على التعبير عن الرأي فلا يمكن بأي حال من الأحوال تتبع صاحب رأي ما عدا الدعوة إلى الجريمة والتشجيع على العنصرية أو غيرها، ويجب أن نوفر للجميع الفرصة للتعبير لأنه بالحوار والنقاش يمكن أن نتقدم والحلول الأمنية لا يمكنها أن تكون وسيلة ناجعة لفض المشاكل، وتونس تتسع للجميع.

مُنحتم أخيرًا جائزة كمال جنبلاط لحقوق الإنسان في العالم العربي، فماذا ستضيف إليكم هذه الجائزة؟

أنا أعتز كثيرًا بهذه الجائزة لأنها تحمل اسم كمال جنبلاط وهو تقدمي وزعيم وطني وليس زعيمًا طائفيًا في لبنان، وكان دائم الدفاع عن الفقراء والمحتاجين وعن القضية الفلسطينية.

ونظرًا لهذه الخصال، فالأكيد أن هذه الجائزة ستكون لي بمثابة الدافع المعنوي للمضي في هذا النهج من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان وإيقاف التعذيب مهما كان نوعه على الرغم من أن المناضل في مجال حقوق الإنسان لا ينتظر جوائز.

اعتبركم جمهور الفيسبوك quot;أشجع امرأة في تونسquot;، نظرًا لدفاعكم الشرس عن حقوق الإنسان، واعتبر الإسلاميون ترشيحكم الأخير لجائزة نوبل للسلام quot;انتصارًا للحقquot;، فكيف تنظرون إلى ذلك؟

كنت دافعت عن الإسلاميين وزوجاتهم، دافعت عن الشيوعيين والقوميين والليبراليين وحتى أصدقاء بن علي، لقد دافعت وما زلت عن كل انسان تصادر حقوقه ويتم تعذيبه بعيدًا عن أي حسابات.

ولا فرق كذلك بين سجناء الحق العام والسجناء السياسيين ولا يمكن التمييز، فالأصل أنه انسان لا يمكن أن يتعرض للتعذيب، نعم يحاسب إذا أذنب ولكن من دون أن يعذّب، وهذا هو الأساس.

هل أنتم متفائلون بمستقبل تونس في ظل الثورة؟

أنا بطبعي متفائلة، فقد كنت دائمًا متأكدة من سقوط نظام بن علي، ومن يقوم بفعل النضال يجب أن يكون دائمًا متفائلاً.

الأكيد أنكم تتابعون الوضع في مصر، فكيف يبدو لكم؟

الوضع محيّر فعلاً في مصر، والانتخابات الرئاسية قريبة وعدد المترشحين إلى كرسي الرئاسة كبير، والمهم هو احترام حقوق الإنسان في ظل الحرية والديمقراطية وأن تكون الانتخابات شفافة ونزيهة حتى يعبر الشعب المصري فعلاً عن رأيه ويختار بنفسه رئيسه بعيدًا عن أي تدخل من أي طرف.

وماذا عن سوريا ؟

الوضع صعب جدًا والتقتيل يوميّ وأتمنى أن يجد الشعب السوري في أقرب وقت الحلّ الذي يرضيه لإبعاد شبح الاستبداد.