حين بدأت التظاهرات الحاشدة في أنحاء العالم العربي كافة في مطلع العام الماضي، لم يضيّع المعلقون المحافظون وقتاً، واستغلوا الفرصة للثناء على الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، باعتباره أول رئيس أميركي يدفع بقوة من أجل نشر الديمقراطية في المنطقة.


الرئيس الأميركي السابق جورج بوش

أشرف أبوجلالة من القاهرة: اليوم، وبعد نجاح الإسلاميين في فرض هيمنتهم على المشهد السياسي بعد سقوط الحكام الطغاة، التزم كثير، ممن أصبحوا بلغاء في حديثهم عن أجندة بوش الخاصة بالحرية، بالصمت، أو مضوا ليقولوا إن صعود التيار الإسلامي سوف يثبت أنه عقبة موقتة أمام الطريق المؤدي إلى الديمقراطية المتحررة، وذلك على عكس موقف المنتقدين.

وحتى إن شكلت موجة الربيع العربي إزالةً للقيود عن الإسلام، وليس تفشياً للحماسة من أجل الحرية بالمعنى الغربي، فإنها تعد دليلاً إيجابياً على أن إدارة بوش نجحت في تشخيص أسباب الخلل السياسي العربي وحددت تغييرات في السياسة لمكافحتها.

وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، تنصل البيت الأبيض بوضوح من الحكمة التقليدية التي كانت قائمة منذ مدة طويلة، وتقول إن الأنظمة المستبدة التي تدعمها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تعمل كحصن من تهديدات الأمن الإقليمي والدولي الذي يُشكِّله الإسلام المتطرف.
وسرعان ما أدركت إدارة بوش أن الحكم الاستبدادي قد تسبب في تضخيم صفوف الحركات الإسلامية الراديكالية عن طريق إصابة المواطنين العرب بالصدمة والقضاء على القنوات البديلة للتعبير السياسي.

ولزيادة الأمور سوءًا، سعت الأنظمة العربية إلى استمالة الإسلاميين عن طريق تقديم عقيدة دينية غير متحررة في التعليم والقانون المدني والإعلام، ومن ثم السماح لهم بالمضي قدماً في هدفهم القائم منذ مدة طويلة في ما يتعلق بأسلمة المجتمع في مقابل تصوف سياسي على المدى القصير. وكان يتم سجن وتعذيب هؤلاء الذين يستمرون في مزاولة النشاط التخريبي، ثم يطلق سراحهم بالمنفى للبحث عن دروب أخرى للاستشهاد.

في هذا السياق، قالتمجلة فورين بوليسي الأميركية إن إدارة بوش لم تكن أول من أدركت أن استراتيجيات البقاء السياسي للأنظمة العربية الصديقة تؤجج التهديد المتزايد للإرهاب الإسلامي عبر الحدود الوطنية، لكنها كانت أول من قررت اتخاذ خطوات جريئة للتعامل مع المشكلة.

وأضافت الصحيفة أن إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون فهمت الآثار الجانبية الخبيثة للاستبداد في المنطقة، لكنها كانت تعتقد أن التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط ليس سوى أضغاث أحلام في ظل غياب تسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي.

مع هذا، فإنه وعندما تولى بوش مهام منصبه الرئاسية، كانت احتمالات التوصل إلى تسوية سلمية في الدرك الأسفل، لأسباب عدةمختلفة، وكانت هناك مخاوف تهيمن على مسؤولي إدارته من تكرار سيناريو الثورة التي شهدتها إيران في العام 1979.

أعقبت المجلة الأميركية بقولها إنه وبعيداً عن ملف العراق، فإن أجندة الحرية كانت تهدف بصورة أقل إلى تحقيق تحول كامل صوب الديمقراطية عن معالجة أمراض الأنظمة القائمة وتضخيم قدرة جماعات المعارضة العلمانية لتتنافس مع الإسلاميين ونبذ الاعتقاد واسع الانتشار بين العرب بأن أميركا تريد أن يكون لديهم طغاة ورؤساء ملكيون.

وتابعت فورين بوليسي الحديث بتأكيدها أن هذا التحول في السياسة لم يحظَ بالطبع بتوافق آراء في واشنطن على أساس مثل هذه الاعتبارات العملية الواقعية. غير أن تعهد إدارة بوش بتفعيل التحرر السياسي في المنطقة كان حقيقياً. لكن هذا التعهد كان متفاوتاً من الناحية العملية، حيث كانت تتعرّض الدول التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأميركية لقدر أكبر من الضغوط مقارنةً بغيرها من الدول الغنية بالنفط، على سبيل المثال، حيث تحظى الولايات المتحدة هناك بقدر أقل من الهيمنة والنفوذ.

وأضافت المجلة أن حملة تعزيز الديمقراطية الرائدة لإدارة بوش استهدفت مصر، التي تستقبل أكثر من 1.5 مليار دولار في صورة مساعدات اقتصادية وعسكرية سنوية، وهي المسألة التي لم تكن مزحة. حيث ضغط بوش على القاهرة لإجراء أنزه انتخابات برلمانية تشهدها البلاد منذ عقود، وزاد بشكل كبير من مساعدات بلاده للمنظمات غير الحكومية المصرية العاملة في مجال الإصلاح السياسي، وأصدر توجيهاته للسفارة الأميركية كي تخصص جزءًا كبيراً من مواردها للتواصل مع المجتمع المدني.

كما نجحت إدارة بوش في تعزيز التصور بين المثقفين العرب، الذي يتحدث عن أن أميركا متعاطفة مع مظالمهم السياسية. وفي النهاية، كان دعم واشنطن للرئيس مبارك كافياً لتشجيع سعيه إلى خلافة وراثية، لكنه لم يكن كافياً لتحقيق ذلك على أرض الواقع.