لندن: تطرح إيران على الرئيس الاميركي باراك اوباما ما يقول مراقبون انه أكبر اختبار دولي تواجهه رئاسته التي اتسمت بضعف الأداء. فبعد تخبط اوباما بشأن افغانستان والتغير المناخي والربيع العربي يواجه الآن ضغوطا متزايدة لتنفيذ تعهده بمنع إيران من امتلاك اسلحة نووية. ويشير تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الى فشل اوباما في تحقيق هذا الهدف ايضا. فما العمل؟

يحذر المراقبون من ان الإقدام على خطوة رعناء الآن سيكون انهيارا اخلاقيا تبهت إزاءه كل خيبات السنين الثلاث الماضية. ويتوقف الأمر كله على اوباما لأن الولايات المتحدة وحدها التي لديها القوة العسكرية لوقف إيران واجهاض مشاريعها النووية.

والآن بعدما انقشع غبار المعركة وحُسم الموقف في ليبيا، على ما يُفترض، شرع المسؤولون الاسرائيليون في التهويل مؤكدين ان وقت الدبلوماسية قد انتهى في مواجهة التهديد الإيراني.

ويقرع الثالوث الاسرائيلي ممثلا برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك والرئيس شيمون بيريز ناقوس الخطر بهستيرية وكأنهم ثلاثة شماسين مخبولين في كنيسة، على حد وصف صحيفة الغارديان. وهم يقولون ان إجراء لا بد ان يُتخذ مفضلين ان يشتمل على قنابل اميركية كبيرة.

وانضم متنافسون جمهوريون للفوز بترشيح حزبهم في الانتخابات الرئاسية عام 2012 الى جوقة من يقرعون طبول الحرب معتبرين ان إيران قضية متفجرة يمكن ان تنسف سجل اوباما القوي في مجال الأمن القومي.

وأعلن ريك بيري حاكم ولاية تكساس وأحد أقوى المرشحين انه يدعم دعما تاما توجيه ضربة استباقية لمنشآت إيران النووية. ويتحدث طامح آخر في منصب القائد العام للقوات المسلحة الاميركية هو السناتور السابق ريك سانتورم، عن إيران بوصفها quot;العدوquot;. ويحذر محللون من ان هذه التصريحات قد تكون لغوا انتخابيا لكنه لغو خطير، ويشدد الضغط على اوباما نفسه.

وفي المنطقة العربية يُشار الى دور إيران الذي لا يخدم تعزيز الاستقرار الاقليمي بدعمها النظام السوري الملطخة يداه بدماء مواطنيه وتسليحها حزب الله في لبنان. وحذرت دول خليجية من ان إيران مسلحة بقنبلة نووية ستهدد امدادات الطاقة وتطلق سباق تسلح نووي عربي.

في غضون ذلك وصف مسؤولون اميركيون تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن انشطة إيران النووية بأنه quot;مقلق للغايةquot; مؤكدين ان كل الخيارات تبقى مطروحة على الطاولة. ولكن الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني شدد على ان الولايات المتحدة تستمر في اعتماد الدبلوماسية والعقوبات للضغط على إيران.

ويقوم هذا التروي في موقف اوباما على مسوغات وجيهة، بحسب صحيفة الغارديان مشيرة الى رأي خبراء بأن العمل العسكري ضد منشآت نووية إيرانية عديدة، مبعثرة ومحمية، على الأرجح لن يكون مجديا، وسيؤدي الى مقتل واصابة مدنيين وتكون له بكل تأكيد عواقب قد تكون وخيمة.

وكانت دراسة اعدتها الكلية الحربية للجيش الاميركي عام 2006 عن الاستعداد لمواجهة إيران نووية قدرت ان زهاء 1000 طلعة جوية قد تكون مطلوبة لضمان تدمير مواقع تحت الأرض، بما في ذلك احتمال استخدام اسلحة نووية تكتيكية.

وبالتالي فان الضربة الاستباقية المفترضة ستعني في الحقيقة حربا نووية شاملة مع إيران وردا عسكريا يوجَّه ضد اسرائيل وعمليات قتالية وعدائية في دول مجاورة وصدمة نفطية عالمية. ولن تكون هذه صورة لطيفة يقدمها اوباما الى الشعب الاميركي في تشرين الثاني/نوفمبر العام المقبل طالبا منه ولاية ثانية على اساسها.

ولكن ما يثير القلق ان الافتراض القائل ان اوباما لن يكون أحمق الى حد اشعال حرب أخرى في الشرق الأوسط، يوضع موضع تساؤل. ويرى الكاتب جيفري غولدبرغ ان اوباما سيتحرك عسكريا ضد إيران إذا اقتنع بأن خطرا حقيقيا يهدد اسرائيل.

وتنقل صحيفة الغارديان عن غولدبرغ ان اوباما quot;لا يُريد ان يُذكَر بأنه الرئيس الذي فشل في ضمان وجود اسرائيلquot;. وابدى المحلل ديفيد روتكوف شكوكا مماثلة في مجلة فورين بولسي قائلا quot;إذا كان الرئيس يعتقد بأنه ليس هناك بديل لمنع إيران من اكتساب القدرة على انتاج اسلحة نووية فانه سيفكر جديا في القيام بعمل عسكري، وليس مؤكدا انه لن يُقدم عليهquot;. وقد يتأثر مثل هذا القرار بحسابات انتخابية عن التباهي أمام العالم بنصر مؤزر كهذا.

لم يُحسم الموقف حتى الآن. وبخلاف جورج بوش وتوني بلير حين فكرا في غزو العراق عام 2002 فان اوباما لم يقرر ما يفعله حتى الآن. ولكن اتخاذه القرار الخاطئ قد يعني نهاية رئاسته وخيانة كل من آمن بأن انتخابه سيدشن حقبة بعيدة عن مواجهات الماضي. وإذا قرر اوباما ضرب إيران فانه لن يجد سندا اخلاقيا يشفع له قراره بل سيكون نقضا للعهد وسيحكم على نفسه بكبوة لن ينهض منها كسياسي وكقائد، على حد تعبير صحيفة الغارديان.