على ضوء الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها أجهزة الاستخبارات الأميركية في العراق عام 2003، تحرص إدارة الرئيس باراك أوباما اليوم على أن تكون الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي صاحبة الحجة التي تسوقها ضد إيران في برنامجها النووي، وذلك مع اقتراب موعد نشر التقرير المتعلق بالنووي الإيراني.


صورة من الاقمار الصناعية تظهر قاعدة برتشين العسكرية الايرانية

واشنطن: من المتوقع أن يقدم مفتشو الأمم المتحدة خلال اليومين المقبلين تقريرا يتضمن أقوى الأدلة حتى الآن على أن ايران عملت خلال السنوات الأخيرة على تطوير تكنولوجيا متقدمة تُستخدم بالدرجة الرئيسة لتفجير سلاح نووي، كما أفاد مسؤولون غربيون مطلعون على فحوى التقرير.

ولكن الأدلة ليست دامغة لأن قيود ايران على عمل المفتشين حالت دون بناء صورة واضحة، وبصرف النظر عن ثقل الأدلة على ما تسمّيها الوكالة الدولية للطاقة الذرية quot;الأبعاد العسكرية المحتملةquot; لبرنامج ايران النووي فإن الرهان الوحيد المضمون أن نتيجة التحريات والاستقراء المنطقي وتخمينات المفتشين ستُدرس في ضوء الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها أجهزة الاستخبارات الاميركية في العراق عام 2003.

وكما حدث قبل ثمانية أعوام فإن مراقبين يتوقعون جرّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تعتبر منظمة تقنية محضة، الى السجال السياسي حول طريقة التعامل مع معلومات استخباراتية ملتَبَسة عن وجود أسلحة ممنوعة.

والفارق ان العملية هذه المرة معكوسة، فالوكالة التي شكّكت في ادعاءات إدارة بوش عن تقدم البرنامج النووي العراقي، هي التي تدافع عن وجهة النظر القائلة إن ايران استأنفت العمل على تكنولوجيا نووية تتعلق بإنتاج قنبلة بعد سنوات من الاحباط بشأن اسئلة طرحتها الوكالة ولم تقدم الحكومة الإيرانية إجابات عنها.

وتتعمد إدارة اوباما التي تدرك ما لحق بمصداقية الولايات المتحدة من ضرر في العراق، البقاء في الظل حريصة على ان تكون اي استنتاجات بشأن برنامج ايران النووي استنتاجات الوكالة الدولية للطاقة الذرية نفسها حتى في وقت تواصل واشنطن المطالبة بتشديد العقوبات الدولية ضد إيران.

وحين جاء مدير الوكالة يوكيا امانو الى البيت الأبيض قبل 11 يوما للاجتماع مع مسؤولين في مجلس الأمن القومي حول التقرير الجديد امتنعت إدارة اوباما حتى عن تأكيد وجوده في المبنى.

وتوضع حاليا اللمسات الأخيرة على التقرير وملحقه المهم بما سيتضمنه من تفاصيل عن نتائج عمليات التفتيش.

ولكن روسيا والصين أرسلتا من الآن مذكرة احتجاج دبلوماسية الى امانو تطالب بالكشف عن تفاصيل الأدلة علنا.

وقالت الدولتان في المذكرة المشتركة التي اطلعت عليها صحيفة نيويورك تايمز quot;ان روسيا والصين تريان ان مثل هذا التقرير ليس من شأنه إلا وضع إيران في زاويةquot;.

ومن المعلومات بالغة الأهمية التي تدرس وكالة الطاقة الذرية إدراجها في التقرير ما يتعلق بالنشاط الذي يجري في قاعدة عسكرية ايرانية تسمى برتشين.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين غربيين مطلعين على هذه المعلومات أن خبراء الوكالة اكتشفوا منشأة يعتقد بعضهم انها تختبر كبسولة لما يُسمى quot;جهازا تفجيرياquot;.

ويستخدم هذا الجهاز بإشعال متفجرات تقليدية لإحداث موجة تفجيرية تكبس كرة مركزية من الوقود النووي بحيث تصبح كتلة كثيفة للغاية وبذلك إطلاق تفاعل متسلسل ينتهي بتفجير نووي.

كما يتضمن التقرير تفاصيل عن المساعدة التي تلقتها طهران من عالم روسي ألقى محاضرات في إيران، ولكن لا يُعرف إن كان يعلم بأنه يساعد إيران في برنامجها النووي.

وكانت إيران اعترفت في السابق بأنها تعمل على متفجرات في قاعدة برتشين وسمحت قبل سنوات بدخول مفتشين دوليين الى الموقع وتفقده لفترة قصيرة.

ولكن تغيرا حدث خلال هذه الفترة. وتوفرت معلومات جديدة عن هذه المنشأة من صور التقطتها أقمار اصطناعية ووثائق وسجلات تتعلق بشراء معدات ومقابلات مع منشقين وخبراء اجانب يبدو ان الإيرانيين طلبوا استشارتهم.

وكان مصدر بعض هذه المعلومات من الولايات المتحدة واسرائيل واوروبا.

وتقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية انها لن تنشر إلا معلومات تستطيع ان تؤكدها.

ويحذر مراقبون من المخاطر التي تنطوي عليها مثل هذه الاتهامات مشيرين الى ندم وزير الخارجية الاميركي السابق كولن باول على ما كان يعتقد انها أدلة تثبت وجود مختبرات متنقلة تحوي اسلحة بيولوجية في العراق الى جانب منشآت مريبة أخرى.

وهذا هو احد الأسباب وراء حرص ادارة اوباما على ان تكون الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي صاحبة الحجة التي تسوقها ضد إيران.

فالوكالة تتمتع بمصداقية لا تتمتع بها واشنطن، على حد تعبير نيويورك تايمز.

وسيدرس الخبراء تقرير الوكالة ليقرروا ما إذا كان يتعارض مع تقرير أعدته الاستخبارات الاميركية عن ايران في عام 2007 وخلصت فيه الى ان طهران أوقفت العمل الجدي على التوصل الى تصميم سلاح نووي وانتاجه منذ عام 2003.

ولاقى التقرير انتقادات واسعة بسبب الثغرات التي فيه، والسؤال الآن هو ما إذا عثرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أدلة تثبت ان إيران استأنفت هذا العمل.

وتشير مصادر إلى أن تقرير الوكالة سيتضمن أدلة على ان ايران قامت ببناء حاوية كبيرة من الفولاذ لاختبار متفجرات قوية يمكن استخدامها في إنتاج أسلحة نووية.

وتتسم مثل هذه الأدلة بأهمية بالغة لأن ايران ستجد صعوبة في تبرير مثل هذه التفجيرات quot;لأغراض سلميةquot;.

وتعتبر الأسلحة التي يستند انتاجها الى تفجيرات نماذج متطورة بالمقارنة مع القنبلة التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما، وكان مسؤولون في الوكالة الدولية للطاقة الذرية حذروا في عام 2009 من ان لدى ايران معلومات كافية لتصميم مثل هذا الجهاز التفجيري وبنائه.

ولكن التكنولوجيا التفجيرية ليست سهلة. فهي تتطلب إعداد متفجرات تقليدية بحيث تكون ذات شكل خاص يمكن ان يركز الانفجار على مادة نووية بدلا من تبدد طاقته في اتجاهات متعددة.

وتُسمى هذا الأشكال عدسات متفجرة وكان تصميمها اختراقا أتاح للعلماء الاميركيين ان ينتجوا أول قنبلة ذرية.

ونُشر في عام 1993 عمل يؤرخ ذلك المشروع واصفا اختبارات العلماء الاميركيين بأنها زاخرة quot;بالخطوات المبهمة والإخفاقات العديدةquot;.

ويقول مؤرخون إن أصداء عشرات من التفجيرات ترددت في وديان منطقة لوس الاموس حيث أُجريت هذه التجارب.