ترى تقديرات عديدة أن مجموعة بريكس التي تضم كلا من الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا بدأت تقيم توازناً دولياً جديداً مستغلة الوضع الذي أوجدته الثورات في العالم العربي.


متظاهر سوري يحمل لافتة مناوئة لروسيا بعد احباطها قرار ادنة النظام السوري

مع بدء انحسار الأحادية الأميركية، لا تزال تتحسس الدول الغربية وبلدان مجموعة quot;بريكسquot;، التي تضم الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا، طريقها نحو توازن جغرافي سياسي جديد، في وقت تقف فيه دول الربيع العربي مثل سوريا في المنتصف.
وفي وقت كانت فيه ألمانيا أكثر تقبلاً لفكرة تكوين quot;نظام عالمي جديدquot; في أواخر ثمانينات القرن الماضي، أبدت موسكو قدراً أقل من الحماسة وكذلك الصين، التي قمعت بصورة وحشية حشداً من الطلاب في ميدان تيانانمين عام 1989.
وأشارت في هذا السياق اليوم صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية إلى أن ذلك النظام العالمي الجديد قد فقد بعضاً من بريقه خلال العقدين الماضيين. غير أن نوعاً من أنواع التحرر الملحمي قد بدأ يحدث مرة أخرى عام 2011، لكن هذه المرة في الشرق الأوسط.
وفي وقت تنظر فيه الولايات المتحدة وأوروبا باستحسان لهذا الشكل الجديد من التحرر، فإن موسكو وبكين لم تغيرا حتى الآن من مواقفهما السابقة، لدرجة أن المسؤولين الصينيين ينظرون اليوم إلى التظاهرات الحاشدة في العالم العربي بحالة من الذعر.
لكن على عكس ما كانت عليه الأوضاع عام 1989، تعاني الولايات المتحدة وأوروبا الآن ضائقة مالية، في مواجهة الاقتصاديات الصاعدة بكل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا (مجموعة بريكس) التي تمتلك احتياطات نقدية تقدر بحوالي 4 تريليونات دولار وتشكل ثلث سكان العالم الذين يقدر عددهم بـ 6 مليارات نسمة. وهي الدول ذاتها التي تمثل تحدياً جديداً على النظام العالمي المشكل من جانب الغرب.
ويرى كثيرون في أوروبا أن مجموعة بريكس أقل اهتماماً بالأفكار المشتركة لعالم متعدد الأطراف، وأكثر ميلاً نحو عالم قومي متعدد الأقطاب يؤكد قوتهم ومصالحهم الجديدة. ما أسفر عن تلاشي السلطة والإجماع على الساحة العالمية. كما تلاشى النظام العالمي الجديد الخاص بالهيمنة الأميركية ولم تحل محله قيادة واضحة.


جدال حول العقوبات ضد سوريا

حاول الغرب مطلع شهر أكتوبر الجاري أن يمهد الساحة للضغط بصورة كبيرة على الأسد. وظهر المجلس الوطني السوري في الثاني من الشهر الجاري في اسطنبول التركية باعتباره المعارضة الدولية لنظام الأسد. ويضم المجلس أشخاصا من جماعة الإخوان المسلمين، ودعاة للعلمانية، وأكاديميين، وموالين لتركيا والولايات المتحدة، بينما تقدم أوروبا والولايات المتحدة الدعم للمجلس الوطني السوري.
وفي غضون ذلك، حاول مبعوثون أوروبيون في الأمم المتحدة أن يصدروا قراراً بشأن الإجراءات القمعية التي يتعامل بها نظام الأسد مع المتظاهرين. لكن النسخة النهائية لم تشتمل على كلمة quot;عقوباتquot;، بل وجهت نداءها لجماعات الإغاثة. وفي أوروبا، نُظِر إلى القرار باعتباره داعماً للانتفاضات العربية ومؤيداً للقيم الأوروبية الراسخة.
ومع ذلك، لجأت الصين وروسيا إلى استخدام حق النقض (الفيتو) للحيلولة دون تبني قرار في مجلس الأمن يدين النظام السوري. وامتنع عن التصويت كل من البرازيل والهند (جنباً إلى جنب مع جنوب أفريقيا ولبنان) وهو ما أعطى مزيداً من الثقل لحق الفيتو. ما أثار حفيظة الولايات المتحدة التي قالت بعد ذلك على لسان سفيرتها في الأمم المتحدة سوزان رايس إن الفيتو وقف ضد المواطنين السوريين التوّاقين للحرية وحقوق الإنسان. ثم تحدثت ساينس مونيتور عن موقف تركيا إزاء الأحداث الحاصلة، حيث بدا أنها تقف في المنتصف بين الغرب ومجموعة بريكس.
ومضت الصحيفة تقول بعدها إن جزءًا كبيراً من النقاش بشأن الفيتو الروسي والصيني قد شدد على أساسيات علم السياسة: حيث ترتبط روسيا بسوريا بعلاقات قوية وصفقات أسلحة، بينما تؤيد الصين بصورة ضمنية إيران، وطهران لا تريد رحيل الأسد.

النظام العالمي القادم
ونقل عن تشارلز كوبشان، من مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، قوله quot;تخشى مجموعة بريكس من قول الغرب (مرحباً بكم في النادي) لكن النظام الذي أقمناه بعد الحرب العالمية الثانية وُجِد ليبقى. وتقول المجموعة (هذا النظام نظامكم. وحان الوقت الآن للتحدث عن الشكل الذي سيبدو عليه النظام القادم). وهذا هو الفارق بين القوى الناشئة والقوى القائمة، ومن المؤسف أن يُلعَب بتلك الألاعيب على سورياquot;.
وفي خضم النقاش الدائر بالفعل في الأمم المتحدة بشأن الوضع السوري، تشير التقديرات إلى أنه من السهل نسيان المعايير المزدوجة التي تنظر إليها كثير من البلدان الأخرى على أنها جزء من المفهوم الغربي للنظام. وختمت كريستيان ساينس مونيتور تقريرها بالاعتبارات السياسية التي يتعامل من خلالها البيت الأبيض مع أجندة التطورات الحاصلة في العالم، ويكفي أن أوباما، في مقابل موقف مجموعة بريكس إزاء سوريا، قد أحبط تصويتاً في الأمم المتحدة بشأن إقامة دولة فلسطينية.