يعتبر الخبير الجزائري مولود مسلم الأزمة الحالية التي تهزّ مالي أنّها محض استثمار أمريكي- فرنسي لخلط الأوراق، وكسب رهاناتهما التوسعية في منطقة الساحل.


الجزائر: في تصريحات خاصة بــ(إيلاف) لاحظ مولود مسلم أنّ باريس وواشنطن تسعيان للتأثير على الجزائر اعتبارا لمكانتها إقليميا وقاريا، باتجاه دفع الجزائر لتقديم تنازلات ومراجعة حساباتها عبر مباركة مشروع (أفريكوم) الأمريكي المثير للجدل.

يشير د/مولود مسلم إلى كون حادثة اختطاف القنصل الجزائري في مالي وستة من مساعديه تحتمل أكثر من قراءة، فلا يُستبعد أن تكون الولايات المتحدة أو فرنسا على الأرجح وراء العملية، بهدف بعث رسالة إلى الجزائر التي ما انفك دورها يتعاظم في منطقة الساحل خلال العشرية الأخيرة، وهو ما أربك وسيزيد من إرباك سياسات هاتين الدولتين في المنطقة، ومؤدى هذه الرسالة هو حمل الجزائر على التجاوب، ودفعها للتنسيق مع تلك الدولتين في التعامل مع منطقة الساحل.

من جهة ثانية، يذهب أستاذ الفكر السياسي بجامعة الجزائر، إلى أنّ هناك كثيرا من الدول من تلجأ إلى خلق حالة من التوتر والأزمات في منطقة معينة بالاعتماد على مُقترب (الإدارة بالأزمات)، بحيث تبدو فيها الدولة التي وراء الأزمة مُتضررة منها، ما يعطي لها مبررا شرعيا لتفعيل دورها أو الزيادة في حجمه باسم المحافظة على مصالحها الحيوية أو حتى على أمنها القومي، وذلك كرد فعل على ضغوط تمارس عليها من أطرف دولية معينة.

خلافًا لما ذهب إليه د/أحمد عظيمي من أنّ تداعيات ما يحدث في مالي كبيرة وخطيرة جدا، لا يعتقد د/مسلم أنّ هناك تهديدا جديًا لأمن الجزائر، معتبرا أنّ الترويج لهذه الفكرة إعلاميا هو أكثر من ضروري بالنسبة لدولة مثل الجزائر مقبلة على استحقاقات تشريعية، إذ باتت الجزائر في أمس الحاجة إلى تماسك الجبهة الداخلية على خلفية وجود خطر خارجي.

فيما يخص السيناريو المحتمل، يرجّح محدثنا أن يبقى الوضع متوتر وذلك لإطالة عمر الأزمة لتبرير التدخل الأجنبي سياسيا ndash; وربما عسكريا - في المنطقة ولو بواسطة الإتحاد الإفريقي ، من أجل استمرار وتنامي أدوار كلا من فرنسا وأمريكا في الساحل الإفريقي، ما قد يضر في اتجاه معيّن بمصالح الجزائر.

يسجل مسلم أنّ الانقلاب الأخير في مالي ورائه قوى دولية وأجنبية متورطة بطريقة غير مباشرة، بهدف تهيئة الوضع سياسياً لتقسيم محتمل للدولة المالية، وهو ما حصل ndash; ابتدائيا - عبر إعلان مقاتلي الأزواد وما يسمى بالقاعدة سيطرتهم شمال مالي وحديثهم عن قيام دولة جديدة بمنطقة (قاو)، ما قد يدفع إلى قيام دولة في الشمال وأخرى في الجنوب على غرار ما حدث في السودان، سيما وأنّ من انقلبوا على نظام الرئيس المالي المخلوع أمادو توماني توري، شأنهم قبائل الأزواد انطلقوا من دواعي عرقية واثنية، وذلك من أجل إضعاف الموقف السياسي التقليدي والثابت للدولة المالية الواحدة وسياستها تجاه منطقة الساحل، بغرض خلق موقفين سياسيين متناقضين بوجود دولتين.

في النهاية، المستفيد مما يحدث بنظر مسلم هي الولايات المتحدة الأميركية المستعمر الجديد التي ترغب في التسلل إلى افريقيا من بوابة الساحل، على اعتبار أنّ افريقيا مجال حيوي جديد بالنسبة لها، وفرنسا المستعمر التقليدي اللاهث لاسترجاع قواه، ويتوخى الطرفان جملة من آليات العمل: خلق حالة من اللاستقرار والفلتان الأمني، ما يعطي مبرر quot;القلق من وضعية حقوق الإنسانquot; للتدخل في شؤون المنطقة لإعادة ترتيب أوضاعها وفقاً للمصالح الاستراتيجية لهاتين الدولتين، وذلك بفرض ضغط سياسي يفضي فيما بعد إلى الخيار العسكري.

يُركّز خريج جامعة دنفر الأمريكية، أنّ باريس وواشنطن تسعيان للتأثير على الجزائر، باعتبارها دولة قريبة جغرافياً من منطقة الساحل ودولة مجاورة لمالي، ما يجعل الجزائر بهذا الشكل تتأثر بهكذا وضع محتمل وذلك على المستوى الافريقي، إذ ستجد الجزائر نفسها مضطرة لإعادة حساباتها السياسية فيما يخص منطقة الساحل، في اتجاه موقف يتوافق مع مصالح أمريكا وفرنسا في المنطقة، بما في ذلك تليينه أو تغيير نظرتها لمشروع أفريكوم الأمريكي القاضي بنشر قوات مسلحة في المنطقة لمكافحة الإرهاب، والذي ما تزال الجزائر متحفظة عليه للعام الخامس على التوالي.

أما على المستوى الثاني والخاص بالشرق الأوسط، فإنّ الوضع الأمني المتوتر على حدود الجزائر الجنوبية والذي من المحتمل أن يهدد أمنها القومي، سيضطر الجزائر لمراجعة حساباتها السياسية في الشرق الأوسط خاصة موقفها من الثورة السورية الذي لا يتناغم مع الموقف الدولي لفرنسا والولايات المتحدة ودول الخليج.