قال رئيس كتلة المعارضة في المجلس الوطني التأسيسي في تونس والقيادي في الحزب الديمقراطي التقدمي محمد الحامدي في حوار خص به (إيلاف) إن الحكومة الحالية غير كفوءة وفشلها يثبت يومًا بعد يوم، خاصة في ما يتعلق بالملف الاجتماعي والحريات. كما انتقد المزج الحاصل بين حزب النهضة وأجهزة الدولة.


نقاش صاخب داخل البرلمان التونسي

تونس: أكد رئيس كتلة المعارضة في المجلس الوطني التأسيسي في تونس والقيادي في الحزب الديمقراطي التقدمي محمد الحامدي في حوار مع (إيلاف) أنه لا توجد سياسة خارجية لحكومة الترويكا التي تتشكل غالبية أعضائها من حركة النهضة الإسلامية، بل مجرد قرارات اعتباطية وطائشة.

وانتقد الحامدي محاولة حركة النهضة السيطرة على مفاصل الدولة عن طريق تعيين موالين لها، كما تحدث عن سبب تعليقه و8 نواب في quot;التأسيسيquot; نشاطهم في الحزب الجمهوري والذي تم الإعلان عنه منذ أيام.

وفي ما يلي نص الحوار كاملاً

كرئيس كتلة المعارضة في المجلس التأسيسي، ما تقييمكم لأداء الحكومة؟

ثمة شبه اجماع على فشل واضح للحكومة في ممارسة مهامها وهنا يمكن الإشارة إلى ملفين على سبيل الذكر لا الحصر، الاول اقتصادي واجتماعي والثاني يتعلق بالحريات.

في ما يتعلق بالملف الاول نحن نعرف أن الثورة قامت من اجل مشاكل متعلقة بالتشغيل والتنمية الجهوية، وفي هذا المجال الحكومة فاقدة للقدرة على المبادرة وواضح أنها لا تحمل أي تصور وأي برنامج واضح ولم تعلن سوى عن وعود.

وقال رئيس الحكومة مثلاً إنهم سينتظرون الاستشارة الوطنية حول التشغيلوكأن الحكومة لا تفتقد فقط للحلول بل للتشخيص كما أنها لا تتوانى في استعمال خطاب بن علي نفسهفي اتهام المعارضة كلما تحركت المطالب الاجتماعية ونحن نعرف أن الحكومة لا تملك عصًا سحرية ولكن يجب أن تتخذ بعض الاجراءات في الاتجاه الصحيح لطمأنة التونسيين الذين نفذ صبرهم.

محمد الحامدي
وبالنسبة إلى ملف الحريات الفردية والعامة نحن نلاحظ جملة من التجاوزات كما نلاحظ انفلاتًا لمجموعات متشددة، وخطاب الحكومة تجاهها مخملي ومائع، والأمر يتفاقم ليبلغ التطاول على الراية الوطنية مؤخرًا والحكومة لا تحرك ساكنًا فحين تكون هناك مطالب اجتماعية تتحدث عن quot;مؤامرةquot;، أما عندما يتم استهداف أمن تونس ونشر ثقافة التباغض خاصة مع الدعاة الوافدين على بلدنا فلا تتوانى الحكومة في ايجاد اعذار كحصر المسألة في كونها حالة فردية بالنسبة إلى حادثة العلم مثلاً وكأنها ليست جريمة سياسية، فهناك حالة من التساهل تكاد تصل الى حد التواطؤ مع هذه الممارسات الخطيرة، ففي هذين الملفين مثلاً الحكومة غير ناجحة لأنها حكومة تقاسم مناصب منذ بدايتها.

بالنسبة إلى حديثكم عن فشل الحكومة في ايجاد حلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية أنتم كمعارضة هل تملكون بديلاً، بمعنى آخر هل لديكم حلول لكل المشاكل التي عجزت الحكومة عن معالجتها؟

من جهتنا على الاقل كمعارضة و حزب ديمقراطي تقدمي لدينا تصور لمعالجة مشاكل البلد وأعلنّا قبيل الانتخابات عن برنامج مفصل لا ندعي أنه الحل السحري بل نعتقد أنه كفيل لمعالجة أوضاع تونس، وبالتالي لدينا بدائلنا، وعلى المستوى التطبيقي لدينا كذلك مقترحاتنا في ايجاد مواطن شغل وإرساء توازن بين الجهات.

ومن هذا الموقع لسنا معارضة quot;لاquot;، ولسنا معارضة نسقية بمعنى الرفض الدائم لكل ما يصدر عن الحكومة، فنحن نسائلها ونؤاخذها، وبالتوازي نحن قوة اقتراح وليس من باب كوننا خارج الحكومة يجب أن نخطئها بل هي خاطئة فعلاً في العديد من الاجراءات وغير كفوءة وفشلها يثبت يومًا اثر يوم بغض النظر عن شرعيتها التي لا شك فيها.

أظهرت بعض الأطراف تخوفها من إعادة الدمج بين الحزب والدولة في تونس، خاصة بعد التعيينات الأخيرة التي شملت سلك المحافظين، ما مدى مشروعية هذا التخوف في تقديركم؟

التعيينات تثير مخاوف جدية خاصة أن ذاكرة التونسيين مجروحة باعتبار أن اهم ادوات استبداد النظام السابق هي الاندماج بين الحزب والإدارة فهذا السلوك يحيلنا إلى ممارسات نظام بن علي.

شرعية الحكومة لا شك فيها، ولكنها انتقالية تؤمّن مرحلة محددة زمنيًا وهذا الشروع في زرع المحسوبين على حركة النهضة في مفاصل الدولة هو رغبة في مصادرة المستقبل وإبقاء الموازنة الانتخابية نفسها،لأن التعيينات قامت على اساس الولاء الحزبي بل طالت حتى علاقات المصاهرة وتكريس مسألة الولاء، والزبونية السياسية مع الاسف عانى منها التونسيون بل كانت الادارة هي الاداة التي اعتمدها نظام بن علي لخنق امكانيات المعارضة خاصة ان المحافظين الذين عزلتهم الحكومة لم يخطئوا.

يعتبر البعض أن السياسة الخارجية للحكومة الحالية تمثّل أحد اهم مواطن الخلل في ادارة الترويكا لشؤون البلاد، ما رأيكم؟

في الحقيقة لم أرَ اي سياسة خارجية لأننا عندما نتحدث سياسة خارجية نتحدث عن ضرورةممارسة هادئة وعملية وبراغماتية تراعي مصالح البلد من خلال مواقف في ما يخص الصراعات الاقليمية والقضايا الدولية ومحاولة ربط صلات مع بلدان لخدمة مصالحنا الاقتصادية خاصة، ولكن الى الساعة لم نرَ سوى القرارات المرتجلة وأحيانا الطائشة والرعناء مما يضر بمصالح البلد من قبيل طرد السفير السوري من دون استشارة المجلس التأسيسي والذي زايدت فيه الخارجية التونسية على كل دول العالم ولم تكلف نفسها عناء التفكير في مصير التونسيين في سوريا، فطرد السفير السوريهو قطع نهائي للعلاقات بين الدولتين، وفي حالة الدول المتجاورة يعتبر تمهيدًا لإعلان حرب، اضافة الى حديث الرئيس عن امكانية مشاركة تونس في قوات حفظ السلام في سوريا كأنه يتجاهل رهانات التدويل في ما يخص القضية السورية وطبعًا نحن لا نساند الرئيس السوري فيما يمارسه في حق شعبه ولكن نخشى مخاطر التدويل على الشقيقة سوريا.

في تقديركم أي تداعيات للسياسة الخارجية لحكومة الترويكا على المدى القريب؟

حالة التخبط التي تميّز السياسة الخارجية لديها تأثيرات لا نتمناها صراحة، فنحن نفصل بين الحكومة وتونس فمثلاً بعد تصريحات الرئيس اندلعت ازمة مع الشقيقة الجزائر اضافة إلى حالة الفتور التي تشوب العلاقات مع الدول التي من المفترض أنها تدعم الحكومة فقد كانوا يعدون بتمويلات ضخمة خليجية ولم نرَ شيئًا الى حد الآن.

تتصاعد في الشارع التونسي تذمرات من بطء التقدم في صياغة الدستور، ما تعليقكم؟

عمل اللجان انطلق ولكن بصورة غير واضحة وربما ما لم يظهر للناس هو أن الكتل توافقت على أن عمل اللجان لن ينطلق من أي ورقة وأي مشروع، بل من الخيار الصفر لكي لا تتورط اللجان ونصادر حريتها في النقاش، ولكن تقدمت اللجان فعلاً في اشغالها بما فيها لجنة التوطئة التي تعرف تجاذبات، ولا ننسى أن المجلس اثقل بمهام أخرى وهو يخالف التصور الذي دعينا اليه واعتبرنا أن وظيفة المجلس الاساسية هي صياغة الدستور ولكن مع الاسف السياق الذي غلب جعل للمجلس مهاماً رقابية اضافة إلى التشريعية والتأسيسية مما يعيق نوعيًا التقدم في صياغة الدستور.

قمتم بتعليق عضويتكم في الحزب الجمهوري حديث النشأة مع 8 نواب في التأسيسي وهناك أنباء عن اتجاهكم إلى الانشقاق إذا لم تتوصلوا الى حل مع القيادة، لماذا؟

إلى حد الساعة لا يوجد غير تعليقنا لنشاطنا في الحزب الجمهوري ليس احتجاجًا على المسار التوحيدي بين الأحزاب التي انصهرت فيصلبه، فنحن مع الاندماج وانما هواحتجاج على ما وقع في المؤتمر التوحيدي في الجزء المتعلق بالديمقراطي التقدمي حيث وقعت اخلالات وكان هناك مناخ سياسي غير سليم وتشويه لخط اصلاحي داخل الحزب كالإشراف على العملية الانتخابية من طرف مترشحين وغيرها من التجاوزات التي كشفت محاولة اقصاء خط معين مما دفعنا الى اصدار بلاغ بتعليق نشاطنا الى حين استكمال مشاوراتنا لنفكر في خيارات سياسية محددة لتصحيح الوضع.

هل السبب الرئيسي يعود الى عدم تحمل القيادة لمسؤولية الفشل في الانتخابات؟

فعلاً المشاكل بدأت بعد اعلان التقرير الذي يخص النكسة الانتخابية والذي كان لي شرف صياغته النهائية وعرض على اللجنة المركزية التي صادقت عليه بأغلبية مريحة ولكن هذا التقرير لم يؤخذ به، بل حجب عن المناضلين، ومن هنا بدت تتضح عملية اقصاء للخط الاصلاحي وقفز على معطيات هذا التقييم بالهروب الى الامام في المسار التوحيدي بحيث لم يعد التوحيد ضرورة يتطلبها الواقع السياسي بل مهربًا للتغطية على ضرورة تحمل المسؤولية.

يرى مراقبون أن الحزب الجمهوري يمكن أن يعمق حالة الاستقطاب الثنائي التي ظهرت في تونس ابان ثورة 14 يناير، هل توافقونهم الرأي؟

لا أخفي كون مثل هذه المخاطر موجودة والاستقطابات الثنائية موجودةفي المجتمعات العربية في حالتها الراهنة خاصة وأنها في طور تصفية حساباتها مع مشاكلها التاريخية وتحقيق الانتقال الديمقراطي، مسألة الاستقطاب الثنائي بين الحداثيين والإسلاميين موجودة على المستوى الثقافي وتنعكس على المستوى السياسي ونحن فعلاً من مصلحتنا كقوة معارضة ديمقراطية ومن مصلحة البلاد أن نخفف من حدة هذا الاستقطاب الثنائي لنؤكد أن المشهد السياسي يحكمه الصراع البرامجي اكثر مما تحكمه الراديكالية الثقافية التي يمكن أن تؤدي الى ما يشبه الحرب الأهلية، والمخاطر موجودة.

ولكن نحن على الاقل في الديمقراطي التقدمي كنا اول حزب لا يؤسس على قاعدة ايديولوجية وكنا سباقين في انشاء حزب على اساس برامجي لا على أساس عقائدي وإيديولوجي ونحن نعول على هذا الارث في تحويل هذا الاستقطاب الثنائي الاسلامي وغير الاسلامي الى استقطاب ثنائي سياسي لا يُخشى منه، ولكن للأسف يبدو أن حركة النهضة خاصة من مصلحتها تحويل الامر الى نوع من الاستقطاب الايديولوجي.

هل أن الاصطفاف وراء مبادرة الباجي قائد السبسي هو الخطوة التي تلي الاعلان عن الحزب الجمهوري؟

هذه مجرد تخمينات، فلا يوجد شيء يسمى بمبادرة السبسي على الاقل سياسيًا فهو لم ينشئ حزبًا، بل يتحدث عن توجه وسطي ويحاول التقريب بين اطراف الحركة الديمقراطية الوسطية وفي نهاية الامر الوزير الاول السابق وعلى اهمية رمزيته السياسية لكنه لا يمثل حزبًا ويمكن ان نتقاطع معه في توجهات عامة وفي المقابل لا توجد لنا اي علاقة تنظيمية بيننا وبين السبسي أو الاحزاب الدستورية.

على ذكر الاحزاب الدستورية، هناك اوساط كبيرة تعارض عودتهم للحياة السياسية ويتهمونهم بأنهم تجمعيون يتسترون بعباءة البورقيبية، ما رأيكم؟

لا شك أن المتعاطفين مع البورقيبية والتجمعيين ما زالوا موجودين باعتبار أنهم مواطنون كغيرهم وطبعًا التجمع هو حل رسمي وبعض منخرطيه سعوا إلى تأسيس احزاب والبعض الآخر انتشر بين الاحزاب القديمة، ويبدو أن هناك حراكًا داخل بعض مجاميعهم لتوحيد صفوفهم تأهبًا للعودة إلى الحياة السياسية، وهذا طبعًا من حقهم ما لم يقع أي منهم تحت طائلة القانون القضائي ولكن انا لا اميل الى التقدير المبالغ فيه لحجمهم وإمكانية تأثيرهم في المشهد السياسي فقد يكونون جزءًا منه بصيغة من الصيغ، لذا لا يجب أن نبالغ في دور هؤلاء ولا يجب أن نحصر المشهد السياسي بين النهضة والدستوريين العائدين، فالحياة السياسية في تونس اكثر ديناميكية وتعقيدًا ثم لا ننسى أن الدستوريين وخاصة التجمعيينما زال ينتظرهم ملف العدالة الانتقالية الذي سيبعد الكثير منهم عن الحياة السياسية.