يسعى العراقيون منذ العام 2003 إلى ممارسة حق افتقدوه طيلة عقود، وهو التظاهر الذي اصبح سمة بارزة في العصر العراقي الجديد، يسعى عبره المتظاهر إلى إسماع رأيه وفرض مطالبه على المسؤولين في السلطة. وعلى الرغم منحداثة التجربة العراقية في هذا المجال، إلا أن هناك إصرارًا كبيرًا على ممارسة التظاهر، حتى وصف بعض المراقبين كثرة المظاهرات في العراق بالإدمان.


التظاهرات في العراق غدت متنفساً وواحة للتعبير عن الرأي المقموع سابقًا

وسيم باسم من بغداد: يرى الباحث السياسي والأكاديمي في جامعة بغداد أحمد حسين أن (تعطش) العراقيين إلى إسماع صوتهم بعد عقود من غياب حرية الرأي جعلهم أشبه بالمدمنين على التظاهر، فلا يكاد يمر يوم في مدينة عراقية إلا وتسمع بمظاهرات عدة هنا وهناك.

لم تعد أهداف التظاهرات سياسية فحسب، كما في السابق، بل تعدت إلى أغراض بالخدمات في غالب الأحيان، وهي مطالب تشمل فئة معينة وعددًا محدودًا جدًا من الناس، ولا تمثل الرأي الجمعي.

الطالب الجامعي سعد حسن يؤكد أنه اشترك في عشر مظاهرات في سنة واحدة فقط داخل الجامعة وخارجها، غالبيتها لم تكن ذات أهداف سياسية، بل أغراض تتعلق بتحسين المستوى المعاشي والخدماتي. يعتقد حسن أن الكثير من المظاهرات في العراق عفوية لا ترتبط بحزب أو جمعية أو جهة سياسية معينة، على الرغم منالاتهامات التي توجّه إلى الكثير من المتظاهرين.

وبحسب حسن، فإن المتظاهر العراقي يشعر بالحاجة إلى ممارسة حريته، عبر التظاهر في غالب الأحوال، وصار يمتلك حساسية مفرطة تجاه أي محاولة لتكميم الأفواه.

حق التظاهر
الدكتور عامر فياض، اختصاصي العلوم السياسية، يرى أن العراقيين في العهد الملكي تمكنوا من ممارسة حقهم في التظاهر منذ تأسيس الدولة الحديثة العام 1921، لكن غالبية المظاهرات في الوقت نفسه كانت ذات طبيعة سياسية يسيّرها التيار القومي. لكنها اليوم ndash; بحسب فياض ndash; ذات صبغة دينية، إضافة إلى أن الكثير منها يرتبط بدوافع اقتصادية، بينها مطالبات بتحسين القدرة الشرائية وتوفير فرص العمل.

يذكر حسين بالمظاهرات التي كانت سائدة في زمن النظام البائد، وكانت غالبيتها مسيسة وذات دوافع قومية، مثل القضية الفلسطينية وقضايا عربية أخرى وموجّهة من قبل أجهزة الأمن والحزب في ذلك الوقت.

لكن العقيد الحقوقي في الشرطة محمد طارق يؤكد أن الكثير من المتظاهرين يجهلون شروط التظاهر وواجباته تجاه القانون، فيلجأون إلى تصرفات خارجة على القانون تجعلهم مذنبين وفق القوانين المرعية، وهذا يمثل إشكالية في حد ذاته، لاسيما وأن متظاهرين لا يستحصلون على موافقة من قبل الدولة لغرض التظاهر، وهذه الموافقات يجب أن لا تعني الرقابة على المظاهرة بقدر تنظيم الفعاليات وفق النظام. وكانت جريدة الغارديان البريطانية اختارت المتظاهر العربي شخصية العام 2011.

ثورات الربيع العربي
أكبر التظاهرات التي شهدها العراق ترافقت مع ثورات الربيع العربي، حيث خرجت تظاهرات كبرى في شباط/فبراير وآذار/مارس من العام الماضي للمطالبة بتحسين المستوى الخدماتي، ومحاربة الفساد، وتوفير فرص العمل. لكن حسين فوزي الذي شارك في تلك التظاهرات في ساحة التحرير في بغداد يرى أن تلك المظاهرات التي خرجت عفوية استغلت من قبل بعض الجهات السياسية لتحقيق مآرب معينة.

يمتنع حمزة مطلك عن الخروج في أي مظاهرة في المستقبل، لأن تجربته في هذا المجال تشير إلى أنها لم تعد ذات جدوى، حيث لم تتحقق أي من المطالب التي نادى بها طيلة عام من الاشتراك في المظاهرات، إضافة إلى quot;أن جهات سياسية تحاول استغلال أصواتنا واحتجاجاتنا لمصلحتهاquot;، على حد قوله.

الدعاية الحزبية
ويشير حسين إلى أن العراقيين قبل العام 2003 كانوا يعبّرون عن آرائهم بالصمت والخوف. أما اليوم فإن أصواتهم لم تعد مسموعة على الرغم مننبراتها العالية عبر المظاهرات والاحتجاجات.

أستاذ العلوم السياسية حميد الكعبي يشير إلى أن الكثير من المتظاهرين لا يعرف لماذا يتظاهر، لكنه يُزج به عبر الدعاية الحزبية أو العلاقات الشخصية، وهذا يفسر غياب الوعي في التعبير عن الإرادة وانسياق البعض نحو فعاليات يجهلون أهدافها ومراميها. لكن الكعبي يؤكد أن معظم العراقيين يتفقون على أن مرحلة ما بعد العام 2003 تمثل تحولاً تاريخيًا في نوعية وحجم المظاهرات في العراق، حيث شهدت البلاد للمرة الأولى بعد عقود، الانفتاح والحرية اللذين يتيحان للمتظاهر التعبير عن رأيه.

وحتى إذا لم تحقق بعض المظاهرات أهدافها، لكنها تبقى ndash; يضيف الكعبي ndash; وسيلة ضغط على الجهات المسؤولة لغرض الإخلاص في أداء المهام، كما أنها تمثل في حد ذاتها أسلوبًا لتفريغ هموم المواطن، وجعله يشعر بأنه يستطيع إسماع صوته، وأن يشارك سلميًا في التغيير الذي يسعى إليه.