العراقيون سيمنعون قيام دكتاتورية جديدة مهما كلف الأمر

يبدي العراقيون كرههم للفظة quot;الدكتاتوريةquot; ويصفونها بالبغيضة، ولا يرغبون بمجرد سماعها، لذلك تأتي مشاعرهم محملة بالخوف منها، حينما تبدأ وسائل الاعلام بالإشارة الى quot;دكتاتورية ناشئةquot; أو quot;دكتاتور مستجدquot;، ويؤكدون بمختلف مشاربهم وشرائحهم على منع ظهورها على سطح الواقع العراقي مهما تطلب الأمر، مشيرين الى أن ما ذاقه العراق عبر سنوات طويلة من تاريخه المعاصر من الحكم الدكتاتوري يجعلهم يحاربون أي نشوء لها مهماكان الثمن.


بغداد: تتباين وجهات النظر في حال العراق حاليًا في ظاهرة الحكم، على الرغم من اتفاق الجميع على عدم السماح للدكتاتورية من العودة والسيطرة على مقدرات الشعب، فهناك من يشير الى أن ملامح الدكتاتورية بدأت تظهر على سيماء الوجه السياسي للعراق، من خلال السلوكيات الفردية والتصرفات الاحادية لرئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، فيما يشير البعض الآخر الى أن الامر غير صحيح ولا يمكن لشيء اسمه الدكتاتورية أن يظهر في العراق مرة أخرى لأن الدستور العراقي هو الضمانة الأكيدة لمنع أي خلق جنيني لها لأنه (أي الدستور) سيقمعه وهو في بطن الغيب، معبرين عن تصديهم لكل من يحاول أن يجر العراق الى خراب جديد .

فقد اكد الدكتور فوزي الهنداوي، مدير تحرير جريدة الزمان، أنه من الطبيعي أن تظهر نزعات نحو الدكتاتورية، لأن الارث يحتاج الى وقت للتخلص منه، وقال: quot;إن الدكتاتورية ثقافة وتربية قبل أن تكون سياسة، ولما كان العراق عاش فترة طويلة من تاريخه في ظل الدكتاتورية، بمختلف اشكالها حاله حال دول العالم الأخرى التي حكمتها انظمة عسكريةأتت عبر انقلابات، أو حكام مدنيون تشربوا بالنفس الدكتاتوري، فأمر التخلص من هذه الدكتاتورية صعب ويحتاج الى فترة زمنية طويلة. وتبنى الآن في العراق تجربة ديمقراطية ناشئة، أي ما زالت في بداياتها، ومن الطبيعي جدًا أن تظهر نوازع فردية أو دكتاتورية أو نزعات بسيطة في هذا المجال، الا أن وجود دستور يضمن أو يصون الحريات ويحدد آلية ديمقراطية كفيل بأن يقمع أو يحسم هذه النزعات لصالح الحكم الديمقراطي، لكن هذا لا يمنع من ظهور بعض التوجهات التي تحمل نفسًا دكتاتوريًا، وهذا الأمر ايضًا يتطلب ثقافة ديمقراطية وممارسات ديمقراطية من قبل النخبة السياسية. وفي كل الأحوال، فإن المسألة تحتاج الى وقت للتخلص من هذا الإرثquot;.

أما الكاتب والمحلل السياسي عبد الزهرة الخاقاني، فقد أشار الى أن البعض حينما يريد أن يشتم أحداً يصفه بهذه الصفة التي هي جزء من الموروث العراقي، وقال: quot;لا اتصور وجود أي نوع من الدكتاتورية يظهر في العراق، فكل الملامح في المشهد السياسي اليومي لا تشير الى وجود دكتاتورية، فكل ما هو موجود اتهامات سياسيين لسياسيين آخرين بالتفرد بالسلطة، في حين أن السياسيين المتهمين يمارسون صلاحياتهم الدستورية ضمن ما شخصه الدستور لهم، إلا أنه وللأسف، الخلافات السياسية احيانًاتتحول في المشهد السياسي أو حتى في العلاقات بين السياسيين أنفسهم الى صراعات شخصية بحيث يتهمون الآخر بما ليس فيهم، وفي الحقيقة، أن كل المؤسسات الدستورية الفاعلة في العراق هي مستقلة بذاتها، هناك سلطة تنفيذية وهناك سلطة تشريعية وسلطة قضائية، وسلطة الإعلام هي المتفوقة على باقي السلطات فتكشف ذلك، فالدكتاتور لا يسمح لأحد أن ينتقده والدكتاتور بيده السيف، فيما الذي نراه أن النقد فاعل ولا أحد يعترض على أحد في ما يقال ويكتبquot;.

وأضاف: quot;اما الترويج في الاعلام ضد هذا الشخص أو ذاك فهو جزء من الشتائم ولكن بلغة سياسية، عندما يختلفون يشتمون البعض، وهذه اللفظة هي جزء من الموروث العراقي من العصر القريب، عصر الدكتاتور البائد، وقد بقيت راسخة في الذهن وهي وصمة، فعندما يريدون أن يوصموا الآخر بأنه غير صالح للسياسة والحكم يصفونه بأنه دكتاتور لأنها لفظة مرفوضة من العراقيين ابدًاquot;.

فيما ابدى جاسم محمد جسام، الاستاذ في كلية التربية - جامعة بغداد، قلقه من نشوء دكتاتورية جديدة معتقدًا أن الدستور هو المشكلة الحقيقية، وقال: quot;يبدو أن قدر هذا البلد بالمجمل هو توارث الدكتاتوريات، وما يجري الآن على الساحة السياسية يشير الى بزوغ دكتاتورية كبيرة من خلال التفرد بالسلطة والتفرد بالقرار والعودة الى ما كنا عليه سابقًا من الكثير من الممارسات، التي شوهت ربما تاريخ هذا البلد العريق، فأعتقد أننا نسير باتجاه ترسيخ دكتاتورية جديدة ربما هي الآن في بدايتها لكنها ستكبر وتكبر لتصبح وحشًا كاسرًا يأكل كل شيء، يأكل الأخضر واليابس، ويحيل هذا البلد الى خراب على خراب، الخراب الذي أكل كل شيء، إننا في العراق غير محظوظين كوننا دائما ما نسلّم الى أيادٍ غير أمينة تقوم بابتزاز اموالنا وثرواتنا وتجعل من هذا البلد مقبرة لأبنائه وغابة كبيرة يتصارع فيها الجميع ويأكل القوي الضعيف وهذه مشكلة كبيرة نعاني منها منذ زمنquot;.

وأضاف: quot;اعتقد أن الدستور هو المشكلة الحقيقية الآن، لأنه ملغم بالكثير من المطبات الكبيرة التي جعلت القائمين على السلطة ينفردون بالقرار، ويتجهون في مسار الدكتاتورية، في الدستور الكثير من الثغرات لم ينتبه اليها من كتبوه أو ربما عمدوا الى وضع هذه الفقرات لخلق هذه الدكتاتورية، وهو برأيي المشكلة الحقيقية وأتمنى أن نظفر بغيره وأن يتغيّر الكثير من فقراتهquot; .

من جهته ابتأس الشاعر مروان عادل من الواقع مشيرًا الى أن قيام الدكتاتورية يجيء باسم الديمقراطية، وقال: quot;ما يرعبني شخصيًا هو تخيل نشوء دكتاتورية جديدة بعد خلاصنا من تلك الدكتاتورية المقيتة البغيضة، ففي السابق نشأت دكتاتوريات في الظلام أي في ظلام عدم وجود وسائل إعلام مكشوفة للعالم وعدم وجود شفافية، فنشأت خلال الستين أو الخمسين سنة الماضية وما قبلها دكتاتوريات وكأنما لا أحد يدري بنشوئها، فكل رئيس يمسك دولته ويضغط عليها بما يشاء، ومن دون أن يتدخل احد ، لكن الخطورة الآن أن يشعرك السياسيون بنشوء دكتاتورية جديدة، كما نقول باللهجة البغدادية (عيني .. عينك) وأمام الفضائيات والاحزاب والامم المتحدة والدول، وهذا تبجح عجيب، وعلينا أن نغض الطرف عن كل الامور ونعترف بالدكتاتورية، بل وعلينا مهمة أخرى وهي أن نقول هذه (ديمقراطية) وأن نقول إننا في ظل نظام ودستور، هذا هو الخطر ، فلو جمعنا كل دكتاتوريات الوطن العربي التي نشأت خلال الخمسين عامًا الماضية، نجد أنها نشأت في ظلام ولكن الغريب ان تنشأ دكتاتورية في الهواء الطلق وامام الناس وامام برلمانات العالم وعلينا أن نؤيدها ونقول هذه ديمقراطيةquot;.

وأضاف: quot;اعتقد أن الدستور لا يستطيع كبح نشوء أي دكتاتورية جديدة، لأنني اعتقد أنه بلا قيمة، فالبرلمان كل عضو فيه يمثل حزبه وطالما أن الكتلة الاكبر مرتاحة، لأن منها الرئيس ومنها رئيس الوزراء فلن يعترض أحد، نحن في العراق اصبحت لدينا مرجعيات سياسية مثل المرجعيات الدينية، فعندما يقول رئيس القائمة شيئًا فعلى الاخرين أن يقولوا : نعم ، وهذه بلا تزويق للكلام هي دكتاتورية (عيني عينك!!!)quot; .