اعتمد نيكولا ساركوزي على ما يبدو على فطرته السياسية وطبعه الاندفاعي خصوصا لمواجهة اصعب تحد في حياته المهنية بخوضه الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية التي قد تؤدي الى ابتعاده عن السياسة بشكل نهائيّ.

نتائج انتخابات الرئاسة في فرنسا ستحدّد مستقبل نيكولا ساركوزي السياسيّ

باريس: ركز الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي المعروف بحيويته ونشاطه لكنه لا يحظى بشعبية كبيرة اذ ان لا رئيس دولة فرنسية قبله تدنت شعبيته الى هذا الحد، على حصيلته التي يعتبرها مرضية لا سيما في الازمات التي واجهتها اوروبا. لكنه نبه الفرنسيين انه في حال هزيمته سيعتزل السياسة.

وقال الرئيس المنتهية ولايته مطلع اذار/مارس الماضي quot;سافعل شيئا اخر. ماذا، لا اعلمquot;. أهي مغامرة ام خطوة تكتيكية او رد فعل انفعالي لرجل يرفض فكرة الفشل.

فالرئيس المحافظ البالغ من العمر 57 عاما لا يتسم بملامح السياسي الفرنسي التقليدي. فهو ليس من خريجي المدارس الكبيرة العريقة، ولا من طلبة المدرسة الوطنية للادارة (اينا) التي تعتبر مصنعا للنخب، بل يحمل شهادة في الحقوق وطموحا سياسيا مبكرا لم يضعف بمرور الزمن.

وهو رجل مندفع متسارع الخطى تجاوز كل العقبات التي اعترضت مسيرته، فالتزم الديغولية فيما كان في التاسعة عشرة وانتخب رئيسا لبلدية الضاحية الثرية نويي سور سين في الثامنة والعشرين ثم انتخب نائبا في الرابعة والثلاثين وعين وزيرا للمرة الاولى في الثامنة والثلاثين. وفي 2004 انتخب ساركوزي الذي درس المحاماة رئيسا للحزب الحاكم quot;الاتحاد من اجل حركة شعبيةquot; الذي انشأه جاك شيراك في 2004 ليحل محل الحزب الديغولي quot;التجمع من اجل الجمهوريةquot;، الى ان انتخب رئيسا للجمهورية في 2007 اثر فوزه الكاسح على المرشحة الاشتراكية سيغولين روايال.

حتى ان الرئيس السابق جاك شيراك الذي كان عرابه السياسي الاول مع بداية مسيرته السياسية، قال عنه ان هذا الرجل الطموح والنشيط يتمتع quot;بارادة لا حدود لها للعمل (...) لا يشك في اي شىء وخصوصا في نفسهquot; لتحقيق اهدافه.

كذلك لا ينتمي ساركوزي الى البرجوازية الفرنسية، أكانت صغيرة ام كبيرة، مثل كثيرين من امثاله. بل هو ابن مهاجر مجري وام باريسية محامية ربته مع جده وهو يوناني من سالونيكي.

وقال عن نفسه quot;اني من دم مختلط (...) أتيت من مكان اخرquot;، لكنه ايضا اكثر رئيس تبنى افكار اليمين المتطرف لاستمالة ناخبيه.

وكان قال قبل الانتخابات quot;لدينا الكثير من الاجانب على ارضناquot;. ثم شدد خطابه اليميني الذي وصفه البعض بquot;الشعبويquot; اكثر بين الدورتين. ما اثار سخط الوسطي فرنسوا بايرو الذي قال انه quot;سباق مع انبطاح وراء افكار الجبهة الوطنيةquot;.

وتنتهي ولاية نيكولا ساركوزي وسط الجدل كما في بداياتها.

قبل خمس سنوات تم التنديد بعلاقته باصحاب النفوذ والمال. ومنذ مساء انتخابه ذهب الى مطعم فوكيتس المرموق في الشانزيليزيه للاحتفال بفوزه بصحبة عدد من كبار ارباب العمل. وبعد ايام من ذلك رآه الفرنسيون عبر وسائل الاعلام قبالة مالطا على يخت احد اصدقائه الصناعي فانسان بولوريه.

وقال انذاك مبررا ذلك ان عائلته quot;تنهارquot;. فزوجته الثانية سيسيليا كانت بصدد تركه ولم يكن يعلم كثيرا اين هو.

وساركوزي هو اول رئيس فرنسي طلق اثناء ولايته. والاول الذي تزوج في 2008 من عارضة الازياء السابقة كارلا بروني التي انجب منها جوليا رابع اولاده بعد ثلاثة صبيان، احدهم من سيسيليا والاخران من زواج سابق.

وبالرغم من محاولاته اثناء حملته لم يتمكن ساركوزي من محو صورته quot;كرئيس للاثرياءquot; التي ترسخت مع اول قراراته السياسية الاقتصادية قبل اشهر قليلة من الازمة المالية في 2008.

والازمة التي ما زالت تهدد اوروبا تدخل ايضا في رصيده كما يقول. فهو يعتقد انه اتخذ القرارات الصائبة لحماية الفرنسيين من العاصفة المالية.

كذلك يعتقد انه بفضل حسه السياسي الفطري قام بالخيار الجيد مع تدخل الجيش الفرنسي في ليبيا وفي ساحل العاج.

حتى ان انصاره يصفونه بquot;رجل الازماتquot; ولكن ايضا رئيس القطيعة. وكان يفترض ان يجدد السياسة الفرنسية ويصلح بلادا تنوء تحت ثقل البيروقراطية الادارية. لكن شعاره quot;العمل اكثر للكسب اكثرquot; وخفض البطالة الى النصف، لم يتحقق مطلقا.

وبالرغم من تقدم منافسه الاشتراكي فرنسوا هولاند في استطلاعات الراي لم يفقد ساركوزي الامل في الفوز بفضل حيويته وديناميته واندفاعه ايضا. وهذا الرجل العصبي المتقد نشاطا والذي لا يشرب الكحول ويمارس الرياضة كل يوم، ينهي كل تجمعاته الانتخابية بالسباحة.

وكان ساركوزي اسر بخصوص خصمه الاشتراكي فرنسوا هولاند قبل مناظرتهما المتلفزة مساء الاربعاء quot;ساقضي عليهquot;. لكن ما كان يصبو اليه لم يتحقق اذ ان المناظرة كانت شاقة وانتهت بالتعادل بين الخصمين.