بات العنف سمة طاغية في مصر منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولعل الغريب هنا ليس تكرار الأحداث الدامية، وإنما بقاء الفاعل في كل مرة مجهولاً، وهو ما يدفع الكثير من المصريين إلى القول بسخرية إن المسؤول الأول عن الفوضى هو اللهو الخفي.


من أحداث العباسية التي وقعت مؤخراً

القاهرة: بدا المشهد السياسي في مصر مرتبكاً إلى درجة كبيرة، ولم يعد الكثير من المصريين قادرين على معرفة إلى أين تسير الأوضاع في المرحلة الإنتقالية، وطغت أحداث العنف التي شهدتها منطقة العباسية بالقرب من وزارة الدفاع على الأجواء السياسية في مصر، وتنتاب حالة من القلق الشديد المصريين، خشية أن تكون قد بدأت مرحلة جديدة من العنف من عمر الثورة، ولاسيما أن جميع أحداث العنف التي شهدتها البلاد تكررت بالسيناريو نفسه، ورغم أنها بدأت منذ شهر مارس 2011، أي تنحي مبارك بأقل من شهر واحد، وتكررت عدة مرات، إلا أن الفاعل ما زال مجهولاً ولم يقدم للمحاكمة إلا في ما ندر.

دوامة عنف

ووفقاً للناشط محمود عفيفي المتحدث الإعلامي باسم حركة 6 أبريل، فإن العنف صار سمة أساسية في غالبية التظاهرات التي تخرج من إسقاط رأس النظام في 11 فبراير 2011، وقال عفيفي لـquot;إيلافquot; إن غالبية التظاهرات تبدأ سلمية وتنتهي بالعنف في أغلب الأحيان، مشيراً إلى أن السيناريو نفسه يتكرر تقريباً بانتظام في فترات تتراوح ما بين شهر أو شهرين على الأكثر، بدءا من أحداث 9 مارس 2011، مروراً بأحداث ماسبيرو ثم مسرح البلون، ثم محمد محمود، ثم مجلس الوزراء، ثم إستاد بورسعيد، وانتهاء بأحداث العباسية.

ولفت إلى أن جميع التفاصيل واحدة ما يؤكد أن الفاعل واحد، وأن الهدف جرّ البلاد إلى دوامة من العنف، لإجهاض الثورة تماماً، معتبراً أن المجلس العسكري يتحمل المسؤولية كاملة عن هذا العنف، وأوضح عفيفي أنه خلال أحداث العباسية الأخيرة، كان هناك الآلاف من المعتصمين السلميين، وفجأة هاجمتهم الشرطة العسكرية بكل قوة، وظهر البلطجية أيضاً وهاجموا المعتصمين، ووقعوا بين فكي الكماشة، الشرطة العسكرية والبلطجية وتمت إراقة الكثير من الدماء.

ولفت عفيفي إلى أن هناك تواطؤا واضحًا من قبل السلطة الحالية على عدم حماية المتظاهرين من أعمال العنف التي تستهدفهم، بالإضافة إلى التواطؤ في عدم التحقيق فيها أو إظهار الحقيقة وتقديم الجناة للمحاكمة، وقال عفيفي إن جميع الجرائم التي وقعت بعد الثورة وأزهقت فيها الكثير من الأرواح البريئة لم يقدم فيها الجناة للمحاكمة، ذلك لأن الجاني وهو المجلس العسكري لن يحاكم نفسه.

منتهى التأزم

وحسب وجهة نظر الدكتور أيمن نور، رئيس حزب غد الثورة، فإن الأوضاع في مصر في منتهى الحرج والتأزم، مشيراً إلى أن لديه قلقا عميقا من دخول البلاد في دوامة عنف شديدة، وقال لـquot;إيلافquot; إن الحالة التي تمر بها مصر حالياً تتسم بالعنف وعدم الثقة بين جميع الأطراف، فلم يعد الشعب يثق في القوى السياسية، ولم تعد القوى السياسية تثق في المجلس العسكري، كما أن القوى السياسية لا تثق في بعضها البعض، وتعاني الإنقسام على نفسها، بالإضافة إلى أن هناك حالة من التشكك في إجراء انتخابات رئاسية نزيهة في ظل المادة 28 من الإعلان الدستوري التي تحصن اللجنة العليا للإنتخابات من الطعن على قراراتها أمام أية جهة قضائية أخرى.

وأشار نور إلى أن جميع أحداث العنف التي شهدتها البلاد لم يقدم الفاعل الحقيقي فيها للمحاكمة، بل ما زال مجهولاً. ولفت نور إلى أن تكرار أحداث العنف وتصاعدها ودخول فئات جديدة إليها ينذر بحالة من التخبط الشديدة في إدارة البلاد وحالة من انعدام الثقة، وانسداد قنوات الحوار بين الجميع، ما ينذر بدوره بدخول البلاد في عنف أكبر، وهو سيناريو له تداعيات خطرة على الوطن.

الطرف الثالث مجهول

ومن جانبه، قال الدكتور محمود حسين الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين لـquot;إيلافquot; إن المجلس العسكري يتحمل إراقة الدماء، وإدخال البلاد في دوامة العنف، وأضاف أن المجلس العسكري كان يمكنه إحتواء الأحداث في كل مرة، لكنه كان يتركها تتفاقم أكثر وأكثر حتى تنتهي بالعنف المفرط وإزهاق الأرواح.

ولفت حسين إلى أن هذه الأحداث تؤكد أن المجلس العسكري متخبط في إدارة المرحلة الإنتقالية، وأن الحكومة برئاسة كمال الجنزوري عاجزة تماماً عن اتخاذ أي قرار أو وضع حلول شافية للمشاكل المتأزمة، مشيراً إلى أن الحكومة لم يسمع لها صوت في الأزمات المتكررة إلا في النهاية.

وأوضح حسين أن المجلس العسكري دائماً يترك الطرف الثالث يقتل ويعيث في البلاد فساداً، ولا يقدمه للمحاكمة، ما يثير الشك والريبة في نواياه تجاه البلاد، مشيراً إلى أنه لو استمرت الأحداث على هذا المنوال فإن هذا يمكنه تفسيره في إطار محاولات تأجيل الإنتخابات الرئاسية، وإطالة أمد الفترة الإنتقالية واستمرار العسكر في الحكم، وتوقع حسين اندلاع ثورة جديدة قد تكون عنيفة هذه المرة.

مخطط

ومن جهته، قال اللواء طلعت مسلم الخبير الإستراتيجي لـquot;إيلافquot; إنه رغم مرور أزمة العباسية إلا أن غمامة العنف مازالت تحلق في سماء مصر، مشيراً إلى أن مصر تحتاج إلى تطبيق الإجراءات بحزم كما حدث في تطبيق إجراءات حظر التجول في منطقة العباسية ومحيط وزارة الدفاع ليلة الجمعة الماضية.
وأضاف مسلم أن العنف المتكرر يؤكد أن هناك مخططا خارجيا يستهدف البلاد، من أجل إدخالها في دوامة عنف، ويشترك في هذا المخطط أطراف داخلية إما عن جهل أو عن علم لتحقيق مصالح شخصية ضيقة.

أبو اسماعيل والشاطر

وحمّل مسلم بعض الشخصيات المسؤولية عن العنف الذي وقع في العباسية، وقال إن الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل يتحمل المسؤولية عن هذا العنف، مشيراً إلى أنه حشد أنصاره أمام وزارة الدفاع في محاولة منه للضغط على السلطة واللجنة العليا للإنتخابات من أجل الرجوع عن قرارها باستبعاده من الإنتخابات الرئاسية، رغم أن والدته حصلت على الجنسية الأميركية، ما يعني أن ترشحه مخالف للقانون، وحمّل مسلم كذلك المهندس خيرت الشاطر المسؤولية عن العنف أيضاً، مشيراً إلى أن الشاطر حرض على العنف أيضاً وإعلان الجهاد.

وقال مسلم إن أبو إسماعيل والشاطر وجميع المحرضين على العنف سوف يخضعون للتحقيق، مشيراً إلى أن اللجنة العليا للإنتخابات قدمت ضد أبو أسماعيل بلاغات للنيابة العامة للتحقيق بشأن مخالفاته الإنتخابية والتزوير لأنه وقع إقراراً بأن والدته لا تحمل جنسية غير الجنسية المصرية، ثم ثبت أنها تحمل الجنسية الأميركية، ولفت مسلم إلى أن أبو إسماعيل سوف يخضع للتحقيق أيضاً بشأن أحداث العباسية.